الصمت من أقوى اللغات له فنونه وشجونه وأسبابه ، فهو في المعتاد قد ينم عن رضى أو ألم أوغضب أو تردد وضيق لكن أن يكون قبولاً بأمر واقع رضوخاً لإرادة قوى خارجة تتحكم في مصائر وأقدار الآخرين رغم مسها بحقوق من جارت عليهم الأيام والظروف المحيطة بهم في الأرض والوطن لدواعي قاهرة ، وتركتهم يتقلبون على صفيح ساخن منذ عقود طالت ، إرضاء لرغبات عدو إحلالي احتلالي وطمعاً في نيل رضاه ونصرته في نزاعات تأكل الأخضر واليابس دون نتائج مأمولة ، هو درب من الفشل والجنون ، وتضييع لشعب استلب منه أمنه واستقراره وأرضه وسط الزحام ، لعجز سافر عن المجابهة والمواجهة أو اتخاذ قرار صائب يقود لجادة الصواب ويحول دون تمكن الخطوب من فرض واقعها الذي يلازمنا منذ عقود طوال ، جراء عدم القدرة على تغيير واقع تقرر تنفيذه من قبل خصوم يعتبرون أصدقاء اتقاء لشرورهم ، يدسّون السم بالعسل ويُجَمِّلون كل ما هو ضار ومسيء لنا ، ونغضُّ الطرف عنهم رغم الصدمة ، لعدم القدرة على تحريك ساكن من هول تلك الصدمة ، تجاه قضايا مصيرية تخص المجتمع والأمة قاطبة دون إدراك بما سيترتب على ذلك من مخاطر على كل المنطقة والأجيال القادمة لفقدان حسن البصر والبصيرة وبعد النظر من ذوي الشأن من أهل المنطقة .
فما أقدم عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وما ساد العالمين العربي والإسلامي من صمت وسكون ينبئ بخذلان متتابع ناجم عن انصياع لإرادة من يرسمون مستقبل أهل المنطقة ويجعلوهم كالعجينة في أيديهم يشكِّلونها وفق ما يخدمون بها مصالحهم واستمرار سيادتهم وسطوتهم ونفوذهم.
فما سعى ويسعى إليه ترامب من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية ونقل سفارة بلاده إليها جاء إرضاء للوبي الصهيوني " الآيباك " في أمريكا والجماعات الإنجيلية الذين يشكلون نحو 25% من الشعب الأمريكي.. قد جاء قراره انتصاراً للمعسكر اليميني المتطرف الذي يتكهن كهوناته أن الفلسطينيين إن ابتعدوا عن طاولة المفاوضات سيعودون إليها ضمن الوقائع الجديدة كما يحصل في كل مرة ، وهذا لا يسقطه بطبيعة الحال سوى فرض الشعب الفلسطيني لإرادته بالمقاومة لتثبيت وقائع جديدة بفعل ضغوط تلك المقاومة ، فالقدرة على الصمود في وجه الضغوطات الأمريكية والعربية إن وجدت لا يتأتى إلاّ بوحدة الصف الفلسطيني " منظمة التحرير ومختلف الفصائل الفلسطينية المنضوية وغير المنضوية في إطارها ومقاومة الشعب الفلسطيني ذات التفجير المتسلسل الذي لا يعرف للتوقف سبيلاً إلا بتحقيق ثوابته والإصرار على موقف ثابت لا حياد عنه بأن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً مؤهلًا لرعاية العملية السلمية، كون ذلك السبيل الأوحد في الحصول على الحد الأكبر وليس الأدنى من الحقوق..فإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل جاء استكمالاً للجهود الأمريكية الرامية للقضاء على طموحات الفلسطينيين في إنشاء دولتهم المستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلت عام 1967وفق ما جاء في نص مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت في العام 2002 وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988الاستقلال ، ونقاط تفاهم أوسلو ، فلا سلام من وجهة النظر الصهيو -أمريكية في المنطقة إلا بتنازل الفلسطينيين عن حقوقهم المشروعة خاصة عاصمتهم ومقدساتهم وفي العودة فما هو مطروح " غزة " والمناطق "أ" و " ب " و10% من المناطق "ج" في الضفة الغربية دون المغتصبات المحيطة بالتجمعات السكانية والشوارع الالتفافية والقدس ومقدساتها والحدود تبقى بيد الدولة العبرية.
بقلم/ عبدالحميد الهمشري