هرمنا وما زلنا ننتظر الموت ، ليس لأننا غير قادرين على الحياة ، بل لأن كل المعطيات التي حولنا لم تمنحنا هدنة المقاتل ...
نحن شعبا يحب الحياة ، يحب الجمال ، يخجل أن يبوح بأوجاعه ، كرامة لهذا الوطن العظيم ، فلا تسرقوا ما تبقى من حصتنا بالحياة، لا نريد أن نهرب إلى جهنم ...
أيعقل أنا خلقنا لنموت .. حتى أصبح الموت رفيق دربنا ؟
لن يختلف الطغاة عن بعضهم بعضا ، عبيد الكراسي خلقوا ليمتصوا رحيق الوطن ويجعلوننا وقودا للسعير ، فمهما اختلفت الأسباب وتغير الشكل وخرجوا بالكلام المعسول ، سينظرون للناس من فوق كراسيهم على أنهم أقزام
مع أن كراسيهم لن تكون سفينة نوح ولن تحميهم من الطوفان القادم ، فما بين انتحار وانتحار هناك أيادي تعبث في أرواح الشعب ، من خلف الكواليس ليضيق بهم الحال ويرحلوا هروبا إلى الموت .. كل صباح نستيقظ على فاجعة وعلينا أن نغض الأبصار ونخرس ونلتزم الصمت خوفا على حياة .. فسحقا ... لم تبقى لنا أي حياة
لم ألتق يوما بالشاب " وليد الدهيني " الذي روجت الصحف أنه شنق نفسه داخل السجن ...أنا لا أعلم من هو وما هي أسباب الموت ولكنني أعلم جيدا أنه مات دخل الزنازين الخاضعة لسلطة حماس أمام ناظرهم
فمن قتل الشاب "وليد الدهيني " أو من المتسبب في قتله ... ؟ حتى لو انتحر كما تدعون ... لا الله ولا العبد سيغفر لكم هذه الجريمة ، فمن زرع في رأسه فكرة الموت ، لو صدقنا جدلا أنه انتحر ؟
لا قيمة للإنسان هنا ، مجرد رقم ملعون في قاموس الانتهازيين ، كيف ابتكرتم ثقافة الانتحار ومن يغذيها يا سلطة الأمر الواقع ؟!! لا طاقة لنا بهذه الحياة ونحن نرى أن الموت أصبح صديقنا المهذب
فلماذا تستغبوا عقولنا هل تعتقدون أننا دمى نحشى بكل ما يقال ؟!! وأن الناس ينتحرون هنا طرفا ما بين حرق وألقاء أنفسهم من فوق المباني أو شنقا داخل السجون وقد تكررت فاجعة الانتحار بالسجون أكثر من مرة ولم يعاقب القاتل الحقيقي ، أبنائنا أبصارنا فلا تعمونا أكثر من ذلك .. نريد قانون يحمي المواطن نريد أن نشعر بالصدمة مرة في حياتنا ويعاقب مسؤول حقيقي عن إعدام الأبرياء ... ارحمونا ولا تستخفوا بعقولنا ولا تحللوا ما حرمه الله، فأنتم من وليتم أنفسكم على الناس فصونوا الأمانة أو انصرفوا وامنحونا هواء نظيف ...لا تغركم الحياة الدنيا .. ستسألون يوم الحشر ، فارحموا الناس ليرحمكم الله ..
تعالت اليوم أصوات المساجد لتحشد الجماهير لمسيرة العودة وهذا حلم الجميع أن نعود إلى مدننا وقرانا
فأنا مهاجر من يافا وما تناسيتها يوما .. أحلم أن أعود إليها وأورث أبنائي هذا الحلم المؤكد و بمشيئة الله سنعود يوما ... ولكن أتساءل كيف سنعود ؟... سنعود عندما نكون نحن ، سنعود عندما نعشق الوطن أكثر من الحزب ، سنعود عندما نحب أبنائنا ولا نتاجر بدمائهم ونجعلهم وقودا للنار
عام 2008 يوم سمح لأهل القطاع اختراق الحدود المصرية لتفريغ الضغط النفسي بموافقة الرئيس السابق حسني مبارك وخرج الجميع إلى الجنوب ، شعرت بالغثيان وكتبت حينها
" أنا غزة ... أنا لست زانية , لتطلقوا على رأسي رصاصة الرحمة ،لا تفتحوا بوابة الجنوب وتحرفوا البوصلة فطريق العودة شمالا .. وعام 2017 حينما دعا الرئيس لمسيرة العودة شعرت بالغبطة والسرور ، رغم أنها لم تنفذ الفكرة بسبب المصالح السياسية التي لم تتساوق مع بعض الأحزاب .. وفي عام 2018حين توحدت القوة الوطنية الفلسطينية وخرجت بصوت واحد ودعت لمسيرة العودة "قلت وما النصر إلا صبر ساعة "
فمسيرة العودة هدف وطني نبيل لا يختلف عليه اثنين ينتمون لهذا الوطن ، لكنه يحتاج لعقول مبدعة تفكر كيف تحمي الإنسان الفلسطيني وتنتصر به لينصر لقضيته ويصمد في وجه المؤامرات المستمرة .. لا نحتاج لمن يصعد فوق جراحنا ويركب الموجة ويقامر بخيرة شباب الوطن ويحولنا لمجتمع من المعاقين حركيا وجسديا
نحن نعلم أن فكرة خيام العودة ، فكرة معنوية لن تعيدنا إلى مدننا وقرانا حتى لو تجاوزنا الحدود ، فالقوة تحتاج لقوة ، لكنها رسالة إعلامية موجهة لأحرار العالم لإنصافنا وقد خرجت هذه الأصوات الجريئة التي تساند قضيتنا العادلة وما زالت تخرج ... فلذا لا نحتاج لمزيد من الدم ما دامت الرسالة وصلت ، نحتاج أن نفكر كيف نحافظ على هذا الانجاز بالوسائل الإبداعية الفنية بعيدا عن المآسي ونواح وبكاء الأمهات ، فلنعد العدة لمرحلة التحرير ببث روح الحياة بين أفراد الشعب ، يكفي موت وحسرة ..
لا نريد عقولا مغلقة ولا أقدام مبتورة ، نريد شباب أقوياء ينهضون بوطنهم ، أجسادنا سلاحنا فلنحافظ عليها ، فاحموا أبنائنا من التهلكة ...... لن تكون البندقية آنية زهور ولن ينبت فوق الخد سنبلة ، لن يرحمنا المحتل فهو خلق ليشردنا ويحرقنا ويقطع أوصلانا ، يستمد قوته وهو يطحن عظامنا ويرتوي من دمائنا بمباركة الحاخامات الذي أباحوا له كل المحرمات ، باسم الدين ... لذا تحدثت في أكثر من مناسبة يوم أعلن "ترامب " القدس عاصمة دولة الاحتلال ..
كان علينا نحن المستضعفين في الأرض الذين لا نملك قوة تردع هذه البلطجة ،أن ننشر الأعلام السوداء في كل مكان يتوجد به الفلسطيني ونبقى في حداد مستمر، تعبيرا عن غضبنا ورفضنا لهذه الحقارة ، حتى نسقط هذا الوهم ونستغل الفكرة العبقرية لخيام العودة وننقل للعالم الصور الجميلة عن مدننا وقرانا التي هجرنا منها والتي .. لن تسقط من الذاكرة ، فنحن شعب يحب الحياة .. تذكروا أن الناس يتعاطفون مع معاناة الأحياء ولن تشدهم الصورة الميتة
فلماذا لا يرى العالم صورتنا المشرقة ....المسرح ، السينما ، الفن التشكيلي ،العادات والتقاليد وتراثنا الفلسطيني .. لماذا لا يستمع لغناء من ينتصرون للحياة .. سيكون صوتنا أقوي ومؤثر
أما أن نتسابق على قتل أبنائنا وبتر أقدامهم ،ليركب فصيل ما الموجة ويتبجح أمام الإعلام بإنجازاته ليحصد الثمرة ويسرق ثورة الشعب فهذا عار ...
مصطفى النبيه