اللاعنف ... أن تجعل من أناك سلاحك

بقلم: عدنان الصباح

حين تصير أناك الفردية والجماعية سلاحا في وجه المعتدين تعجز كل الأسلحة النارية عن القيام بدورها ويدرك حامليها أنهم ليسوا أكثر من قتلة مـأجورين ليموتوا بدلا عن اللص البعيد

لا يمكن للضعيف المعتدي أن ينتصر على عدوه القوي إلا في حالتين الأولى انتصار الخديعة وفي هذه الحالة تنتفي صفة الحق عن المنتصر أيا كانت أهدافه ما دام قد لجأ للخديعة طريقا للوصول إليها وهي تعبير عن عجز راسخ وانعدام للثقة والإيمان للذات المخادعة وهو أيضا انتصار لا يدوم ويزول عادة بزوال ظروف الخديعة وتأثيراتها اللحظية وهي أي لحظة انتصار الخديعة يستحيل عليها أن تتحول إلى واقع دائم مهما طال تأثيرها فهي قطعا ستنتهي فور استعادة المخدوع لصحوته وإمساكه بأسس قوته حتى لو كانت هذه القوة مستمده أصلا من حقيقة الضعف المغلف بالخديعة لدى المخادع ذاته وهذه الحقيقة تنطبق على الأفراد والجماعات أيضا وعلى الأهداف الخاصة والعامة على حد سواء.

حالة الانتصار الثانية حين يستطيع الضعيف المعتدي أن يتسلح بقوى مؤثرة خارجة عن ذاته يحتمي بها وتمكنه من الفتك بعدوه وإرغامه على الخضوع له بتأثير الأسلحة الفتاكة بكل أنواعها بدءا من الحجر والخنجر والرمح وانتهاء بالأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية والهيدروجينية مرورا بكل أنواع البنادق والدبابات والصواريخ والطائرات وما خفي منها وما علم وهو بذلك لا يحقق انتصار بذاته بل بما يملك من أسلحة وساتر تغطي عجزه وتملك القدرة على قتل الذات الأخرى في الجهة المقابلة أو شل حركتها بتأثير القوة المادية المميتة لدى المعتدي, وهذا النوع من الانتصار مرهون بما يملك الضعيف المعتدي من أسلحة تعطيه قوة خارجة عن ذاته تمكنه من إرغام صاحب الحق القوي بذاته على الانصياع لقوة الأداة لا لقوة صاحبها الذي سرعان ما يفقد هذه القوة إن تمكن صاحب الحق من تحييدها بادراكه لقوة امتلاكه للحق وإيمانه بهذا الحق.

تعبير الضعيف الذي سقته في ما تقدم قصدت به ضعف المعتدي الذي يتستر بغير ذاته لإدراكه جيدا انه لا يملك حقا بما يفعل وعادة ما ينام الناس الطيبين في بيوت مشرعة الأبواب والنوافذ بينما يتمترس الضعفاء وذوي النفوس الضعيفة والمعتدين في بيوت مجهزة بكل أنواع الحماية خوفا من الانتقام منهم وبالتالي فان ضعفهم يأتي من إدراكهم لحجم إيذائهم للآخرين بينما يحتمي الطيبين بقوة طيبتهم فلا يحتاجون سلاحا ولا أقفال ولا أسلحة ولا كميرات مراقبة ولا حراس شخصيين لمنع الأذى عنهم وعن بيوتهم.

صحيح أن هناك من يقول إن الحرب خدعة وهناك من يرفض هذا القول وبكل الأحوال فان هناك شيء من الصحة بذلك فحين تتمكن من التسلح بالإيمان وتكتفي بذلك دون السعي لإبراز مكامن قوة الإيمان هذه وتسويقها لعدوك أولا وللمحيط ثانيا لتصل إلى اللحظة التي يتغنى بها الجميع من حولك بمكامن هذه القوة ومخرجاتها الظاهرة أو المحتملة فأنت سترى حتما نتائج ذلك على ردود أفعال عدوك حين تستطيع ان تقنعه بكل السبل المتاحة عمليا ودعاويا من انك قويا بالفعل بذاتك وان تقدم هذه الذات المبدعة والمتوحدة مع الذات السلاح في محاربة المعتدي اللص الفاقد لأهلية الإيمان أصلا مع إدراكنا وإيماننا أن لا احد من الناس يفقد إنسانيته بالمطلق وإلا فان التسلح بذواتنا يتحول إلى تسهيل لمهمة القاتل بأداته حين يغيب ذاته الإنسانية ويسلمها بطواعية لما يملك من سلاح, والمسالة هنا هي معادلتين مقلوبتين.

المعادلة الأولى صاحب الحق القوي بحقه والمؤمن به والقابل طواعية لتوحيد ذاته مع حقه بما يصل حد تحويل الذات نفسها مجردة من أي طاريء إلى سلاح إنساني فتاك مقابل معتدي مرتزق لأصحاب مشروع اللصوصية الأكبر ليتحول إلى متنازل عن إنسانيته مقابل حفنة من الدولارات تؤهله فقط لمعاودة إنتاج قدرته الجسدية على القتال حد الموت لصالح مشغليه وعلى صاحب الحق هنا أن يحارب على جبهة الإنسانية أمام هؤلاء المرتزقة الذين أضعفهم العوز والسعي للكسب السريع أو أعمتهم الدعاية الكاذبة وذلك بتعرية ذات المشغل الأصلي لمن يقاتلون نيابة عنه وبتجريد ذات المعتدي المباشر من كل طارئ عبر فضح شعارات المشغلين الأصليين وكشف زيفها وذلك بمعاودة استنهاض إنسانية ذات المقاتل وفصلها عن السلاح الذي تقاتل به وأهدافه ووضعها أمام مصالحها كذات إنسانية وذلك بان نجبره على أن يقف أمام مرآته الإنسانية المتمثلة بصاحب حق لا يسعى للموت ولا للقتل بل للحياة المتساوية لكل بني البشر.

حتى تتمكن من أن تجعل أناك الإنسانية هي بحد ذاتها سلاحا للحق الذي تمثله فأنت بحاجة حقيقة لمعاودة بناء هذه الذات فرديا وجماعيا بمقاييس الإنسان الحقيقي بعيدا عن الزيف والكذب والفساد والأنانية والفوضى والمصالح الخاصة مسلحا بخلق الانسان والحب والخير والعطاء وإدراك الحق وعدم الابتعاد عنه غير مكترث لغير ذلك ولا تكيل بمكيالين فالحق حق أينما كان ولصالح إي كان وعليك أن تقاتل بذاتك لأنا الجماعة لا لأناك الفردية وإلا تحولت إلى لص جديد يسرق جهد وتعب وكفاح الآخرين ولن يفصل بينك وبين المعتدي على حقك الجماعي فاصل وهذا يعني أن على أناك الفردية أن تصبح جزءا من سلاح اكبر لأنا جماعية تقاتل بالحق من اجل الحق ولا يستطيع فاسد أو كاذب أو مرتشي أو مرتهن بمصالح أناه الضيقة فردية أو حزبية أو عشائرية بعيدا عن الأنا الإنسانية الواحدة أن ينتصر على لص قادر على تزييف الحقائق وإظهار نفسه كأنقى من صاحب الحق وعلينا أن لا نبتعد كثيرا فعدونا الذي يحتل بلادنا قادر اليوم على تقديم نفسه كقوة منظمة حضارية تحاسب من يخطئ أيا كان موقعه وتناقش أخطائها وتتحدث كذبا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وعن النزاهة والشفافية وفصل السلطات واستقلال القضاء بينما يغيب الكثير لدينا من ذلك إن لم يكن جميعه فكيف يمكننا تحقيق النصر بذات منقسمة مرات ومرات فرديا وجماعيا لا تلتزم الصدق والاستقامة والنزاهة والشفافية وحقوق الإنسان وفصل السلطات وتداول السلطة أمام عدو قادر على تسويق نفسه انه يلتزم بكل هذه المعايير أيا كانت الحقيقة وجوهرها.

بحاجة نحن لذات فردية وجماعية جديدة تتسلح بذاتها الإنسانية الحقة عارية من كل زيف يؤهلها الخلق الإنساني والذود عن الحق كل الحق بطرق الحق التي تملكها وساعتها ستستطيع ذات جماعية من هذا النوع أن تصل حد إرغام عدوها على نزع سلاحه من يده وإلقاءه بعيدا والانحناء لحقنا رغما عن أنوفهم ولو تقدم عشرات ألآلاف من أطفال غزة وشيوخ غزة حفاة عراة الصدور إلى الأسلاك الشائكة دون حجر ولا مقلاع ولا طائرة حارقة لما وجدت إدارة عسكر الاحتلال جنديا واحدا يملك الاستعداد لقتل طفل عاري الصدر لا حول له ولا قوة وان تمكنت من أن تجد وقد تجد واحدا أو مائة من جنودها مستعدون لممارسة فعل القتل فهم لن يتمكنوا من فعل ذلك باستمرار ولقد كنا قد وفرنا على أنفسنا وعلى شعبنا عشرات الشهداء دون خسارة واحدة في صفوف الأعداء, فلنسعى أولا لبناء ذات مؤمنة بحقها قادرة على الصمود والتحمل غير انفعالية وجماعية لا فردية وعندها ستنهزم كل ترسانات إسرائيل وأمريكا النووية وغيرها أمام صدور أطفالنا العارية وانحناء ظهور شيوخنا وآلام نساءنا الطيبات.

بقلم/ عدنان الصباح