صفقة القرن بين الإغراءات الاقتصادية، وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني

بقلم: مازن صافي

في ظل الظروف الدقيقة والخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة، جاء كوشنر وجرنبيلات وبتناغم واضح مع حكومة الاحتلال المتطرفة؛ لفرض الأمر الواقع المتمثل في صفقة وخطة القرن، تلك الخطة التي بدأت ملامحها في الظهور، فهي خطة اقتصادية استثمارية بدون أي أفق أو حل سياسي، ومع استمرار بناء وتوسيع المستعمرات الاستيطانية الاسرائيلية غير المشروعة في الضفة الغربية، وبخاصة في مدينة القدس الشريف، وتهويدها، وعزلها وحصارها، وطمس المعالم والملامح الدينية والتاريخية والحضارية والهوية العربية الاسلامية والمسيحية، والانسحاب من بلدات عربية في محيط المدينة من أجل تحويل القدس الى مدينة عبرية تتغلب فيها التركيبة الديمغرافية اليهودية بحيث يتقلص عدد العرب من  39% اليوم الى أقل من 10%، وفق استيراتيجية خطة القرن التي في حقيقتها تعمل على إلغاء النظام والانجاز السياسي الفلسطيني وخلق الفوضى في كل المدن الفلسطينية، وانهاء واقع السلطة الحالي، واعلان سيادة الدولة القومية اليهودية والغاء حق العودة والملفات النهائية وخاصة الحدود واللاجئين والمياه والقدس، وجعل "اسرائيل" البوليس للشرق الأوسط ومعاقبة الفلسطينيين لتمسكهم بحقهم التاريخي وبقرارات الأمم المتحدة، والتهديد بعقاب القيادة الفلسطينية وعزلها ووسم الفصائل بالارهاب، لضرب المشروع الوطني الفلسطيني وانهاكه وعودته الى ما قبل الخمسينيات من القرن الماضي.

أمام تلك المعطيات لا يمكن للفلسطيني المحتل فوق أرضه والمحاصر في مدنه أن يقف وحيداً أمام التغول الأمريكي والعنصرية الاحتلالية، ومن هنا يجب على الأمم المتحدة تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، والعودة الى تطبيق القرار 181  الصادر عنها والخاص بتقسيم أرض فلسطين، وبالتالي إنهاء الإحتلال الاسرائيلي وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حريته واستقلاله وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين وفق القرار 194.

و من أجل فرض صفعة القرن، فإن الادارة الأمريكية انسحبت من مجلس حقوق الانسان، ورفضت فرض الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني، واتخذت قرار بغيض بتقليص موازنة "الأونروا" وتعريضها للانهياروالعجز في تقديم خدماته وخاصة الصحية والتعليمية والاغاثية، وتشرعن قوانين لغرض تجميد المساعدات التي تقدمها للسلطة الوطنية الفلسطينية، وكما تطالب السلطة بوقف دفع رواتب الأسرى وذوي الشهداء، وسحب القوانين التي تجيز دفعها، ومحاربة ما اسموه بـ"الارهاب الفلسطيني"، وادانة علنية للعنف وتحمل مسؤوليات عدم تنفيذ هذه المطالب التي في حقيقتها تقويض للسلطة الوطنية التي أجاز لها المجتمع الدولي وحتى اتفاقية اعلان المباديء أوسلو وبرعاية أمريكية، تولي المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني.

إن إيجاد صيغة أمريكية اسرائيلية لفصل غزة عبر مشاريع تنموية اقتصادية كبرى، ومطالبة السكان بالانقلاب على السلطة الوطنية والفصائل الفلسطينية، هو تحقيق لـِ "الفوضى مقابل التنمية" كمدخل إغاثي للسكان، مما يعني أن ادارة ترامب قررت تغيير قواعد اللعبة والانقلاب على كل العملية السياسية وإدخال المدن الفلسطينية في حمام دم وليس كما تدعي رفاهية ورخاء .

لقد أيقن كوشنر أنه قد فشل فلسطينيا وعربيا في تمرير المغريات كما أسماها، وتأكد أن العروض الاقتصادية السخية لن تؤثر في الرأي العام الفلسطيني، الذي لا يفرق بين الاحتلال الاسرائيلي وبين الهيمنة الامريكية، لأن كلاهما سببا في استمرار الاحتلال ونكبة شعبنا، فأولويات الشعب تكمن في الحرية والدولة، وليس في الإعمار أو الرفاهية، فالكرامة أثمن من رغيف الخبز، والوطن أغلى وأعلى مما يعتقدون ويدبرون.

واليوم بعد 6  شهور من اعلان القيادة الفلسطينية بقطع الاتصالات السياسية كاملة مع الإدارة الأمريكية، يمكننا أن نفهم أن هذا الرفض جاء وفق قراءة استيراتيجية واقعية ورفضا لمفهوم الخطوات التدريجية والمرحلية الوهمية التي تعلنها الإدارة الأمريكية والاحتلال، وكما أنه لا يمكن تقديم أي تنازلات تاريخية وخاصة في القدس أو الموافقة على فصل غزة وعزلها عن جغرافيا الدولة الفلسطينية، وكذلك عدم الموافقة على عزل الإغوار وانهاء ارتباطها بالدولة الفلسطينية.

إن إتمام المصالحة الفلسطينية والوصول للوحدة الجغرافية والسياسية ووحدة القرار الفلسطيني والخطاب الاعلامي، واعتماد استيراتيجية وطنية جامعية، ومواصلة الحراك السياسي ضد ما اتخذته الادارة الأمريكية من قرارات وخاصة نقل السفارة للقدس، وما تتخذه حكومة الاحتلال من قرارات تعسفية واستعمارية وكولونيالية وفرض قوانين مرفوضة، جميعها أوراق قوة في وجه العنجهية الامريكية وفرض القوة والتهديد بالعقوبات والعقاب وتدفيع الثمن نتيجة لصفقة لن ترى النور وان طلت برأسها فلن يكتب لها الحياة.

بقلم/ د.مازن صافي