بدأ المسئولان الأميركيان، جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، وجيسون غرينبلات كبير مستشاري ترامب لشؤون السلام في الشرق الأوسط جولة بهدف إجراء التعديلات الأخيرة لما سمي بصفقة القرن. ورغم أن ترجمة ultimate deal ليست حرفيا "صفقة القرن" إلا أن العبارة أصبحت متداولة إعلاميا.
تدور شكوك كبيرة حول قدرة إدارة ترامب على إقناع الأطراف الأساسية بصفقته، إلا إن ذلك لم يمنع العاملين في المشروع من صياغة مشروع أميركي يهدف إلى إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط. ورغم الدرجة العالية من السرية التي أحيط بها مضمون الصفقة إلا أن بعض معالمها بدا واضحا خاصة في ما يتعلق بالأمور الإقليمية، وعلى رأسها أن المشروع الأميركي سيكون موجها ضد إيران في محاولة لتحديد نفوذها وتأثيرها على المنطقة وقد يكون الهجوم الجوي الغامض الذي قيل إنه إسرائيلي في مناطق شرق سورية إنذار بمحاولة إسرائيلية لترسيم الحدود المقبولة ضمن التوجه الأميركي العام للمنطقة.
لقد أصبح الحديث عما يسمى بصفقة القرن لغزاً محيراً لكثير من المراقبين لاسيما مع حالة الغموض التي تحيط بها وكأنها صفقة استحواذ عقارية يقوم بها ترامب تاجر العقارات وصهره ابن تاجر العقارات جاريد كوشنر، صفقة تتجاوز التاريخ والشعوب والأرض والتاريخ والحضارة والحقوق والإنسان الفلسطيني ويستخدم لتحقيقها أنظمة عربية وحكام يعملون لصالح إسرائيل حتى تضمن بقاءهم حكاما رغم أنف شعوبهم، ، ولعل القرار الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها لم يكن سوى خطوة من خطوات كثيرة حيث أشار فيها نقلا عن مصادر خاصة أن هناك ترتيبات تجرى وخطوات ستقوم بها الولايات المتحدة بشأن القدس والدولة الفلسطينية منها القبول بيهودية إسرائيل وشطب حق العودة والقبول بضم المستوطنات في الضفة الغربية إلى القدس وذلك بعدما أعلنت القدس عاصمة لإسرائيل وانحسار ردة الفعل العربية والإسلامية على تظاهرات ومسيرات وقرار غير ملزم من الأمم المتحدة للولايات المتحدة لا يمنعها من أن تستخدم حق الفيتو بشأن أية مشروعات قادمة خاصة بالقدس كل هذا سوف يدفع الولايات المتحدة لتحقق لإسرائيل المزيد من المكاسب منها إمكانية تشجيع إسرائيل على القيام بحرب شاملة على قطاع غزة بنية إنهاء سلاح المقاومة والسعي للسيطرة على القطاع بأي ثمن للتمهيد لصفقة القرن التي لا يمكن تحقيقها إلا بعد إشعال حرب ثم الجلوس إلى مائدة مفاوضات من أجل تحقيقها، لكن من ينظر في التاريخ القريب والبعيد يجد أن مؤامرات كثيرة قد حيكت منها ما نجح ومنها ما فشل، وتبقى الصفقة مجرد أمانٍ وخطط أمام إرادة الشعب الفلسطيني الذي انتفض من جديد ليجهضها كما أجهض الكثير قبلها.
وقد باتت ما تسمى "صفقة القرن" التي شغلت مساحات واسعة من الصحافة العربية والغربية، تتضح ملامحها شيئا فشيئا، مع تصاعد التصريحات الأمريكية حول حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في صفقة إقليمية تشمل تطبيعا من الدول العربية.
وانتقل السؤال المطروح عن حقيقة وجود "الصفقة التاريخية" كما يسميها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تفاصيلها.
فقد تكشفت بعض التفاصيل من خلال تصريحات لمسؤولين أمريكيين وتصريحات علنية أطلقها صهر الرئيس ترامب ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، متناولا الملامح العامة للصفقة.
من جهته، يقول الكاتب الصحفي الفلسطيني المقيم في واشنطن، أسامة أبو ارشيد: "إن الحل الذي تعكف عليه ادارة ترامب، لا يعالج القضايا البنوية والأساسية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إنما يعالج بعض الأعراض، وليس كل الأعراض، بما يخدم أهداف مفصلة لإسرائيل".
ولا يرى أبو ارشيد في حديثه لـ"عربي21"، أن الصفقة لها مستقبل للنجاح، "لأنها أولا غير عادلة، وثانيا لأن الإسرائيليين لن يقبلوا بأي صفقة يتنازلون فيها عن شبر مما يحكمونه"، وفق قوله.
ويشير أبو ارشيد إلى أن القائمين على إعداد الصفقة هم يهود متدينون، بمقدمتهم كوشنر، وممثل ترامب للمفاوضات الدولية جيبسون غرينبلات، والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان.
ووفقا لصحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، فإن الصفقة تتضمن إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة والمناطق (أ) و(ب) وأجزاء من (ج) في الضفة الغربية، وتنص الصفقة على أن توفر الدول المانحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية بما في ذلك مطار وميناء بحري في غزة والإسكان والزراعة والمناطق الصناعية والمدن الجديدة.
ومن المقرر بحسب الصفقة، أن يؤجل وضع القدس وقضية عودة اللاجئين إلى مفاوضات لاحقة، فيما ستبدأ مفاوضات حول محادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والدول العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية.
بدوره، يرى الباحث والأكاديمي المصري عصام عبدالشافي، أن صفقة القرن الحالية جزء من كل، يستهدف المنطقة برمتها، مشيرا إلى استهداف المنطقة عبر ثلاثة مؤتمرات قبل نحو 100 عام ابتداء من سايكس-بيكو عام 1916، ووعد بلفور 1917، واتفاقية لوزان 1923.
ويضيف عبدالشافي في حديث لـ"عربي21" أن "فلسطين كانت جزءا من كل، ضمن ما أسميه استهداف دولة الخلافة، وبالتالي فإن الحديث عن صفقة القرن وربطها بفلسطين فقط قصور في الرؤية".
ويقول: "نتحدث عن مستهدَفين كثر من الصفقة، أهمهم: فلسطين، سوريا، اليمن، العراق، مصر، تركيا، السعودية وإيران". وعلى الرغم من أنه يرى أن هناك أفقا للنجاح، يقول إنه سيكون مصير الصفقة الفشل، إذا توفرت الأسباب الآتية:
- تحقيق حالة نجاح في أي ثورة عربية، لأنها قد تعيد النظر في توازنات ومعادلات المنطقة السياسية.
- بروز دور الحركات الاجتماعية التي تقوم على دمج جميع المكونات، ليبرالية أو إسلامية أو يسارية، في مواجهة التغول أمام أمريكا، أو من يقف خلف صفقة القرن سواء كانت فرنسا أم بريطانيا.
- إعادة النظر في أنماط التحالفات الإقليمية، فإذا كانت الصفقة إقليمية فيجب مواجهتها إقليميا، يجب أن يكون هناك تحالف إقليمي حقيقي يواجه التحالف الذي يقف وراء صفقة القرن.
وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عرض على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطة تقضي بإقامة دولة فلسطين دون الشطر الشرقي لمدينة القدس المحتلة. وذكرت الصحيفة أن "مبادرة ابن سلمان هي الخطة الأكثر ولاء لإسرائيل، من أي وقت مضى".
لكن السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، خالد بن سلمان، نفى الأمر، وشدد على تمسك الرياض بمبادرة السلام العربية أساسا للتسوية، واصفا الأنباء الواردة بالكاذبة.
من جانبه، يقول الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، إن "صفقة القرن صفقة خاطئة، وذهبت أدراج الرياح بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ورد الفعل الهائل الذي خرج رفضا لها، فضلا عن أنه ألغاها بيان الديوان الملكي بتعليقه على قرار ترامب حول القدس".
ويقول خاشقجي إن الصفقة هي بين "اثنين لا يملكان أمر القضية الفلسطينية، فلا السعودية ولا غيرها تستطيع أن تتفق نيابة عن الطرف الفلسطيني. والفلسطيني الذي يقاوم تحت الاحتلال أقوى من أي شخص عربي خارج الأراضي المحتلة، وهو من يقرر".
ويختم بقوله، إنه "في هذه القضية من الأفضل أن نتبع فيها منهج الملك فيصل، بأن نرضى بما يرضى به الفلسطيني، فنوافق على ما يوافق عليه، وأتمنى على محمد بن سلمان الذي لا يملك أيا من أوراق القضية الفلسطينية، أن يحذو حذو الملك فيصل".
وبحسب المحللين السياسيين والمراقبين فإن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي شديد الحساسية ويتطلب حكمة وتوازن في أي محاولة لحله ، وفي خصوص الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يبدو الأمر أكثر تعقيدا بسبب غياب عنصرين مهمين يجب توفرهما في حال رغبت واشنطن بنجاح صفقتها.
العنصر الأساسي الضروري لإنجاح "صفقة القرن" هو وجود أطراف دولية مشاركة في هذه الصفقة. فلا يعقل أن تنفرد الولايات المتحدة في صفقة العصر بدون أي شريك دولي، مثلا أوروبي أو روسي أو غير ذلك. ففي غياب المشاركة الدولية سيكون من الصعب إقناع الطرف العربي المشاركة فيها. فأهم الدول العربية ذات العلاقة مثل الأردن ومصر والسعودية تعارض، على سبيل المثال لا الحصر، موضوع سحب القدس من طاولة المفاوضات كما جاء على لسان الرئيس الأميركي بعد إعلانه المثير للنقاش حول القدس كعاصمة لإسرائيل دون تحديد علاقة الفلسطينيين بالقدس.
المشاركة الدولية والعربية في أي صفقة سلام ستكون ضرورية للعديد من الأسباب؛ منها إقناع الفلسطينيين المشاركة ومنها توفير الغطاء السياسي والمالي لأي اتفاق سينتج عنه هذه الصفقة. فأوروبا مثلا تقدم مساعدات سخية للسلطة الفلسطينية ومن المؤكد أن ذلك سيكون ضروريا في أي مرحلة قادمة. كما أن الجانب المالي ضروري في كل ما يخص دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
أما الأمر الأكثر تعقيدا فهو المشاركة الفلسطينية. فمنذ إعلان الرئيس الأميركي في السادس من كانون الأول/ديسمبر الماضي، قررت القيادة الفلسطينية مقاطعة المسؤولين الأميركيين كافة. ومنذ ذلك الوقت هناك محاولة فلسطينية لإقناع الجميع أن السلطة ترفض "صفقة القرن" ولا تريد إعطاء تلك الصفقة أي مصداقية فلسطينية.
ولكن إذا كانت السياسة فن الممكن فإنه من الضروري أن تعيد القيادة الفلسطينية النظر بموقفها من موضوع الاشتباك الدبلوماسي مع الجانب الأميركي. فإضافة إلى مرور نصف عام على مقاطعة المسؤولين الأميركيين فقد تم مؤخرا وبعد تدشين السفارة الأميركية في القدس الغربية استدعاء السفير الفلسطيني حسام زملط للتشاور. وقد يكون مناسبا إعادة زملط لواشنطن، ليس كإشارة لقبول صفقة القرن، بل لتوضيح أن الجانب الفلسطيني يرغب بالاشتباك الإيجابي مع الأميركيين. فالكل يعرف أن الولايات المتحدة ليست فقط البيت الأبيض فهناك الكونغرس والإعلام والشعب الأميركي والجاليات العربية وحتى اليهودية والمناصرين للشعب الفلسطيني ولا بد أن تتم الاستعانة بهم لتوضيح الموقف الفلسطيني الذي لا يعارض مشاركة أميركا في الحل شرط ألا تحتكر أميركا عملية السلام.
ان تجاهل متطلبات الفلسطينيين سيعني فشل أي صفقة أميركية الأمر الذي سيضر أميركا وسيفشل مشروعها ، إذا يمكن تلخيص متطلبات نجاح أي صفقة سلام شرطان اساسيان. مشاركة دولية فاعلة وإيجاد طريقة للعودة العلاقات الأميركية الفلسطينية إلى ما كانت عليه حيث اجتمع الرئيس محمود عباس أربع مرات مع الرئيس ترامب قبل وقوع القطيعة. وقد يكون المدخل لعودة تلك العلاقة ان تقر الولايات المتحدة بمبدأ التشاركية والتعددية في المرجعية الدولية الامر الذي سينتج عنه بالتأكيد عودة التواصل الفلسطيني الأميركي.
إن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يعد معضلة وهو مفتاح الامن والسلام في الشرق الاوسط ويعد شديد الحساسية ويتطلب حكمة وتوازنا في أي محاولة لحله بعيدا عن التشنج والاستقواء ومحاولة فرض حلول من طرف على طرف آخر. فضرورة مشاركة جميع الأطراف وخاصة الطرف الفلسطيني لا يمكن إغفاله وتجاوزه أو محاولة استبداله.
لقد أثبتت قمة الظهران أن العرب متوحدون في موقفهم من القدس ومن دعم موقف القيادة الفلسطينية في هذا المضمار رغم تأييد العرب للموقف الأميركي تجاه إيران. إن متطلبات الجانب الفلسطيني لإنجاح التحرك بقيادة أميركا ليست صعبة ولكن تجاهلها سيعني بالتأكيد فشل أي صفقة أميركية، الأمر الذي سيلحق الضرر بالمصالح الامريكيه في المنطقه .
بقلم/ علي ابوحبله