للخروج من نفق الأزمات !!!

بقلم: رامي الغف

في زمن الأحداث المتسارعة والتطورات المتلاحقة والتوقّعات المحتملة، يبقى للذاتية الفلسطينية دورها الأول والبنّاء في إخضاع هذه الأحداث والتطوّرات للصالح العام والمصير الوطني، وفي صناعة الظروف والمواقيت الملائمة والآليات والبرامج الوطنية لإخراج الوضع العام الفلسطيني من نفق الأزمات، وتغليب التفهّم والتفاهم على منطق التناقض، واعتماد مفردات التقارب بين الكل الفلسطيني مكان مفردات التباعد في الخطاب والمقال والمداخلات.

ورغم واقعية البعض وتفاؤلهم بحل قريب وعاجل للازمة الفلسطينية الداخلية الحالية، الا ان هناك من يعتقد ان حلها يعد من ضروب التفاؤل في غير محله.

اذ أن المشكلة لا زالت قائمة بالرغم من كافة اللقاءات والاجتماعات التي تمت هنا بالداخل أو بالخارج بين الطرفين المتخاصمين، والتي زادت من حالة الغموض ولم تحسم المواقف بينهم كما انه لا زال موقف باقي القوى والفصائل الوطنية (موحداً) للوصول الى تسويات مقنعة ومرضية لكل الأطراف.

هذه الازمات المفتعلة انفتحت امامها كل امكانات التصعيد لدى اي قوى لديها قدرة او رغبة في التصعيد لكن الدخول في التصعيد الفعلي سيكون عبارة عن مغامرة وخيار محفوف بالمخاطر، ومن يريد الذهاب اليه عليه ان يتحمل مسؤولياته ويدفع اثمانه اذ سيفترس قادة ومسؤولي الفصيلين أنفسهم ان تبنوا هذا الخيار.

ومن هنا لا نجد الان في المشهد الفلسطيني اي مؤشرات او ملامح او بوادر ايجابية لمواجهة التحديات والازمات العاصفة في الوطن الفلسطيني ولا يمكن التعويل على امكانية استئناف عقد جلسات أخرى بعد اخر لقاء بين الطرفين في الشقيقة مصر مؤخرا، ولا يمكن التماس اي ملامح لحلول واقعية وعملية للازمة الخانقة التي بدأت هذه المرة نهاياتها مفتوحة ولا تقبل الحل، بل قد تقبل التعقيد او التأجيل والترحيل بأفضل الحالات.

الافق السياسي الفلسطيني كذلك غامض ومجهول المسارات والمالات وحتى الان الازمة السياسية الحالية لا يمكن تشخيص اسبابها بسهولة فقد تعددت وتنوعت عناوينها ومسمياتها وخلفياتها واسبابها، لكنها دخلت منعطفا معقدا وقابلا للتجيير والتوظيف والهروب من مواجهة المطالب العامة بعد تسليم ترامب لدفة الحكم الامريكي.

صحيح أن خيوطاً وخطوطاً خارجية متداخلة ومتدخلة في نشوء الأزمات، والصحيح أيضاً أنه بمقدور الذات الفلسطينية أن تفكك العديد من هذه الخيوط والخطوط، مما يساعدها على تفكيك المفاصل الداخلية للأزمة إستناداً إلى:

1- التكاتف والتعاون والمساندة المتبادلة، على خلفية الإرادة والمصلحة الواحدة بين الكل الفلسطيني، بعيداً عن الأنانيات الضيقة، والمنافع الخاصة لهذا الطرف أو ذاك.

2- ثقافة الإخاء الفلسطيني كبديل لثقافة الإلغاء والتهميش والعزل هنا وهناك.

3- الإنفتاح على مساعي الأصدقاء والأشقاء ومبادراتهم التوفيقية لحل الأزمات، بعيداً عن أي وصايات خارجية في هذا المجال، وهذا ما يؤكد بالممارسة والمواقف، قدرة الشعب الفلسطيني على تطويع الأزمة لصالح الحل، كي لا تقوى الأزمة على تطويعهم وإبقائهم رهائن الأزمات الإقليمية الساخنة.

وفي المعادلة، أنه كلما تقاربت المواقف الوطنية في الرأي والرؤية والحوار، تقترب فرص الوفاق على الحل الكامل وذلك من منظور أن الحل المطلوب والمنتظر هو صناعة فلسطينية، قبل أن يكون بفعل دعم من الخارج ولأنه ليس مطلوباً منهم أن يفكروا ويعملوا عنّا، أو أن يكونوا فلسطينيين أكثر منّا، ولأن لا حل يأتي بالاستعارة والاستعطاف.

من هنا، يبرز مضمون وفاعلية الذات الفلسطينية في رسم خريطة الطريق إلى الخلاص الوطني، فإذا كان طبيعياً أن تتعدّد وجهات النظر بشأن حل الأزمة، فمن الطبيعي أيضاً أن يصار إلى التقريب في ما بينها على قاعدة الأخذ بما هو محل إجماع وعدم التنبّه في ما هو مصدر خلاف ونزاع، وهذا ما يفتح الأبواب المغلقة ويزيل السدود القائمة من أمام الحل الثابت للأزمة.

من هذا المنظور الوطني، يتمكّن الفلسطينيون من تجاوز الأخطاء والتحديات الماثلة، للانتقال بفلسطين من وطن الأزمات إلى وطن السلام والإستقرار والإزدهار.

بقلم/ رامي الغف