واضح بأن هناك تطورات عاصفة ومتسارعة في المنطقة ....تلك التطورات مرتبطة بشكل خاص بالوضعين السوري والفلسطيني،لكونهما لهما تأثيرات مباشرة على دولة الإحتلال الصهيوني .....وما يسمى بصفقة القرن والتي مخاطرها على القضية الفلسطينية تتفوق على مخاطر اتفاقية سايكس - بيكو ووعد بلفور والنكبة،وهذه الصفقة يجب ان يتم النظر لها من منظور استراتيجي وليس سياسي،فمصيرها فشلاً أو نجاحاً مرتبط بنتائج الحرب المستعرة بين حلف ومحور المقاومة،ودول العدوان وفي قلبها دولة الاحتلال الصهيوني وامريكا وتوابعهما من المشيخات العربية الخليجية وما يسمى بدولة الخلافة التركية...وهي تأتي نتيجة لمرحلة إنهزام عربي- فلسطيني بدأ منذ "كامب ديفيد ومدريد وحتى اللحظة،بلغ ذروته الآن بالتطبيع العلني والمشرعن بين دولة الإحتلال وما يسمى بالمحور العربي السني الأمريكي والهادف الى إقامة تحالف سياسي ما بين ذلك المحور ودولة الكيان الصهيوني في الجغرافيا السياسية للمنطقة على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني للتفرغ ل" العدو" الإفتراضي المشترك ألا وهو طهران،ولذلك وجدنا القيادتين اليمينيتين في واشنطن وتل أبيب تستغلان الوضعين العربي والفلسطيني البائسين،تعفن وإنهيار النظام الرسمي العربي وإنقسام وإنشطار وضعف الحالة الفلسطينية من اجل تمرير صفقة القرن،صفعة العصر لكي تشطب وتصفي مرتكزات القضية الفلسطينية الأساسية بشكل نهائي،تثبيت احتلال اسرائيل للقدس وتشريعه وشطب وتصفية قضية اللاجئين،والحراكات التي تجري تجعلنا متخوفين جداً بأن موعد تمرير هذه الصفقة بات قريباً،رغم ان هناك الكثير من المعيقات الجدية لتطبيقها،وفي المقدمة منها صلابة الموقف الشعبي والجماهيري الفلسطيني،ذلك الذي نجح دائماً في إجهاض وإسقاط المشاريع المشبوهة والتصفوية للقضية الفلسطينية،ولكن هناك ما يوحي بالخطر بعدم صلابة مواقف بعض الدوائر من المتصارعين على وراثة وخلافة الرئيس عباس بالإستمرار في الرفض المقاطعة للإتصالات واللقاءات الأمريكية على خلفية اعترافها بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال ونقل سفارتها من تل ابيب الى القدس،حيث شارك مسؤول جهاز المخابرات الفلسطيني ماجد فرج بطلب من كوشنر أحد مهندسي صفقة القرن في السابع عشر من الشهر الحالي في قمة أمنية في العقبة بالأردن حضرها قادة الأجهزة الأمنية للدول المشاركة في صفقة القرن ( السعودية،مصر،الأردن و"اسرائيل")،وقد جرى البحث في كيفية التقدم في المسار السياسي وتطبيق صفقة القرن،وليس هذا فقط ما هو مقلق ،بل مواقف العديد من القيادات الحمساوية الخاضعة لتأثيرات وضغوط قطرية،قد تدفعها للإستجابة الى الإغراءات الإقتصادية والمالية الضخمة المعروضة عليها،من اجل فك الحصار عن قطاع غزة،وإقامة مشاريع إقتصادية ضخمة،ومقايضة ما هو اقتصادي وانساني بالحقوق الوطنية،وعدم النظر لرفض هذه الصفقة من منظور وطني فلسطيني،قد يكون واحد من اهم مسهلات تطبيقها ...والتحركات الجارية دولياً وإقليمياً وعربياً علينا أن نقرأها ونلحظها بعمق ...حيث التحركات واللقاءات العربية - الأمريكية تكثفت مؤخراً وشملت كل دول المحور السني العربي الأمريكي المرتبط والداعم لصفقة القرن الأمريكية...وكذلك زيارة المتطرف جون بولتون أحد أبرز صقور قيادة ترامب الى موسكو وترتيبه لقمة بوتين- ترامب في هلسنكي في السادس عشر من الشهر القادم،والزيارة التي حدثت بشكل مستعجل لرئيس أركان جيش الإحتلال إيزنكوت الى واشنطن،والمستهدفة بحث تنسيق المواقف الأمريكية - الإسرائيلية من التطورات الحاصلة في الجنوب السوري،والوجود العسكري لإيران وحزب الله في سوريا،حيث اكد المندوب الروسي في الأمم المتحدة بان الوجود الإيراني في سوريا شرعي ،وبإستعادة السيادة والسيطرة السورية على جنوب البلاد، فإنه لن يتبقى لأمريكا واسرائيل أي ورقة ضغط حقيقية تمكنهما من تأثيرات جدية على الوضع في سوريا،فالجماعات الإرهابية منهارة ومتصدعة والجيش السوري مصمم على إستعادة السيطرة والسيادة السورية على كامل الجغرافيا السورية،ولذا بدأ الترويج عن صفقة روسية - أمريكية بأن تطلق امريكا يد روسيا كمنطقة نفوذ كاملة لها في سوريا،وبما يسمح من تصفية الجماعات الإرهابية،وإستعادة السيطرة والسيادة السورية على الجغرافيا السورية والمعابر الخارجية مع دول الجوار مقابل إبداء مرونة عالية في تمرير وتطبيق صفقة القرن،وفي هذا الإطار الموقف السوري واضح،وعبرت عنه القيادة السورية بشكل دائم لا يقبل التأويل،بأن سوريا ليست مع أي اتفاقيات لتصفية القضية الفلسطيني،وموقفها ثابت من دعم القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا الفلسطيني ،ومع إستعادة كافة الأراضي العربية المغتصبة،وهي ليست جزءاً من أية اتفاقيات او تفاهمات،وكذلك لا اعتقد بأن روسيا متفقة مع الموقف الأمريكي في هذا الإطار،بل ما هو مأمول من قمة هلسنكي التي ستعقد في السادس عشر من الشهر القادم،ان يبلغ بوتين ترامب بأن صفقة القرن لن يكتب لها النجاح ،حيث التبني الكلي للموقف الإسرائيلي والتجاهل التام لحقوق الشعب الفلسطيني.
الرئيس بوتين يقود دبلوماسية روسية قوية،وهو يريد أن يوصل رسالة قوية الى أمريكا،بأن روسيا حاضرة في كل المجالات والميادين،وفي كامل المنطقة ،وقبل عقد القمة مع ترامب في هلسنكي،يريد ان يحقق إنجازاً مهماً بجمع الرئيس الفلسطيني عباس مع رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو،ودبلوماسية "كأس العالم" هذه التي يقودها بوتين،قد تنجح في جمع عباس ونتنياهو،وتطلق مسار العملية السياسية والمفاوضات من جديد،نحن ندرك تماماً حجم الضغوط التي تمارس على الشعب الفلسطيني وقيادته سياسياً ومالياً من اطراف عربية وإقليمية ودولية،ولكن يجب ان يبقى الموقف الفلسطيني صلباً وثابتاً في عدم التعاطي مع صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية،وهذا يستدعي تحصين الجبهة الداخلية عبر انهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية على قاعدة الشراكة الحقيقية في القيادة والقرار،ووفق برنامج وطني توافقي،عنوانه حماية الثوابت الفلسطينية،وبما يتطلب خلق أدوات وآليات تنفيذية قادرة على المجابهة والتصدي لأية مخططات من شأنها أن تقود لتصفية القضية الفلسطينية وتفكيك المشروع الوطني،ولذلك سيكون من الخيانة لدماء وتضحيات الشهداء والأسرى أن يجري النظر لهذه الصفقة المدمرة،من منظور فئوي ومصلحي،وخصوصاً ونحن ندرك تماماً بان هناك العديد من الأطراف القيادية الضاغطة في الدوائر المحيطة بقمة هرم السلطتين،من اجل التعاطي مع صفقة القرن،وفك الحظر على عدم التواصل واللقاءات مع الإدارة الأمريكية،والقبول بفك الحصار عن قطاع غزة من خلال مشاريع اقتصادية ضخمة ومساعدات مالية كبيرة،على حساب الحقوق الوطنية.
دبلوماسية "كأس العالم" التي يقودها بوتين لجمع الرئيس الفلسطيني عباس مع رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو على هامش مباراة نهائي كأس العالم في الخامس عشر من الشهر الجاري،حظوظ نجاحها كبيرة،ولكن نجحت ام لم تنجح،صفقة القرن رجس من عمل الشيطان،لا يجوز الإقتراب منها ،او الخوض في تفاصيلها..لأن ذلك مدمر وسيقود الى المزيد من الكوارث على شعبنا،بحيث تكون أخطر من كارثة أوسلو والنكبة .
بقلم:- راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
29/6/2018
0525528876
[email protected]