القصف بالقصف هي معادلة فرضت نفسها على أرض الواقع في ظل فلسفة الصراع التقليدية والتي إتبعتها الفصائل الفلسطينية بعد هدنة القاهرة عام 2014 م , بعدما كادت الفصائل الفلسطينية أن تفقد توازن القوى ومن خلال صمتها المتواصل وتمسكها بهدنة القاهرة الأخيرة والتي ليس لها نتائج سياسية على الإطلاق , أدركت الفصائل مجددا أنها في حالة تراجع وضعف أمام الإنتهاكات الإسرائيلية اليومية , وهذا بالطبع بسبب حالة التشتت والإنقسام بين جميع الفصائل على المستويين السياسي والعسكري , ومن ثم قررت الفصائل أن تتحدث من خلال غرفة مشتركة لتزيد من قوتها وتماسكها وصياغة قراراتها , وبالتأكيد معادلة القصف بالقصف لها أسباب كثيرة , ومن أهم هذه الأسباب أن حركة حماس شعرت أنها ستفقد السيطرة على الفصائل في غزة , وأن الفصائل في يوم ما ستخرج عن إتفاق القاهرة وخاصة أنه لم يقدم شيئ جديد , وخشية حماس من فقدان السيطرة على الفصائل جاءت نتيجة خروج بعض الفصائل عن الصف , وأطلقت هذه الفصائل الصواريخ على إسرائيل في مناسبات كثيرة , ومن أبرز هذه المناسبات إستشهاد ثلاثة من مقاتلين سرايا القدس والتي قامت سرايا القدس بالرد الفوري على إسرائيل , وأيضا إستشهاد الممرضة رزان النجار والتي قامت كتائب شهداء الأقصى بالرد الفوري على إسرائيل , وبهذه الطريقة أدركت حركة حماس أنها لم تعد وحدها صاحبة القرار بالحرب أو السلم , وأن الحرب ستفرض عليها في حال قامت بعض الفصائل بإطلاق الصواريخ على إسرائيل , وما يزيد من قلق حماس لأنها تعرف جيدا أن إسرائيل تحمل كامل المسئولية لها في حال إطلاق أي صاروخ من غزة , كما كانت تحمل السلطة المسئولية أثناء تواجدها في غزة , والأمر في غزة لا يقتصر على خروج بعض الفصائل عن الصف , وأيضا هناك تيار سلفي جهادي في غزة وهو خارج عن الصف بصفتة وطبيعته , وبالتأكيد هذا التيار السلفي أصبح شريكا في تغيير المعادلات على أرض الواقع كباقي الفصائل المسلحة في غزة .
إذا فإن التغيرات الدراماتيكية في صراعنا مع إسرائيل ليس مرهونة بفصيل معين أو قوى معينة , بل أصبحت جميع القوى والفصائل لها تأثيرا في أرضية الصراع , وهذا بالطبع يجعل من المعادلات أن تفرض نفسها بنفسها نتيجة تغيرات مزاجية لبعض القوى والفصائل , ونتيجة هذا قررت الفصائل أن تعمل في غرفة مشتركة تقرر فيها توقيت الحرب والسلم , وهذا بالطبع يشير الى أن الفصائل بدأت تعمل بإيجابية أكثر من قبل , ويشير أيضا أن عصر إحتكار القرار قد إنتهى , وهذا بحد ذاته يجعل من وحدة الفصائل سدا منيعا في مواجهة الإحتلال .
بعد سنوات طويلة من الإنقسام الفصائلي في غزة نجد اليوم غرفة عمليات مشتركة بين جميع الفصائل , وخرجت إلينا بصيغة إتفاق موحدة وهي , القصف بالقصف , وهذا بحد ذاته سيجبر إسرائيل أن تتخلى عن غرورها المستمر , وستتغير قواعد اللعبة بالنسبة للجميع على المستوى التكتيكي .
أما على المستوى الإستراتيجي للصراع فأعتقد أن حركة حماس لا تريد الحرب , وباقي الفصائل لا تريد الحرب أيضا إنما تريد إثبات حقها بالرد , أما التيار السلفي فهو بطبيعة الحال خارج عن الصف وهو يريد الحرب , لأن الحرب بالنسبة له ستحدث تغيرات كبيرة في المعادلات في غزة , وهذا بالطبع ما يسعى له التيار السلفي , وأما إسرائيل فهي أيضا لا تريد الحرب , لأنها لا تريد غزة أصلا , وما يجري على أرض الواقع هو عبارة عن فعل وردة فعل , ومعادلة القصف بالقصف بحد ذاتها هي ردات فعل ليس أكثر .
في إعتقادي أن معادلة القصف بالقصف سيكون تأثيرها إيجابي في شقين , الشق الأول هو وحدة الفصائل والتي تجسدت في غرفة عمليات مشتركة وقرار مشترك , والشق الثاني هو أن تشكل هذه المعادلة رادعا حقيقيا لإسرائيل وأن تحد من إنتهاكاتها اليومية للضفة الغربية وقطاع غزة .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي
غزة – فلسطين