اللاعنف ... تذخير الذات أولا

بقلم: عدنان الصباح

الفرق شاسع بين تذخير الذات الإنسانية الجماعية روحيا للقتال في سبيل الحياة وتذخير السلاح بالنار للقتال في سبيل الموت والخراب

ليس يمكنك الانتصار بسلاح فاسد تماما كما ان المحراث المثلوم لا يستطيع شق الأرض وتحضيرها للزراعة فكل خطوة إلى الأمام ايا كانت بحاجة لقدم ثابتة ومدركة من خلال علاقتها بوعيها إلى أين تتجه ولماذا وكيف وكذا يمكن القول عن الأهداف العظيمة للأمم والتي لا يمكن ان تكون ولا بأي حال من الأحوال إلا مجموع الأهداف العظيمة لمكونات الأمة من أفراد وجماعات وقد سبق أن قلت في مقال سابق أن اللاعنف هو أن تجعل من أناك سلاحك وهذا يعني أن هناك مسيرة بناء يجب أن تمر بها الذات طويلا حتى تتمكن من بناء سلاحك الأنا هذا.

هذه الأنا السلاح بحاجة لتحضير عقلي أولا ومن ثم جسدي وروحي, بحاجة لتحضير عقلي لإدراك أن اللاعنف ليس وسيلة فقط بل هو مبتغى النتيجة مرتين حين تتمكن من خلاله من تحقيق النصر على ذاتك الأنا الفردية وتبني منها ذاتا مكونة للمجموع بمعنى الذات البانية والمستعدة لبذل كل جهد ممكن في سبيل تحقيق الغايات المنشودة للجماعة كغايات في أصلها خاصة شكل التلاقي عليها إجماعا جعل منها غايات عامة فتحرير الأرض إن لم يكن محفزا للأفراد وسعيا منهم نحو حياة أفضل لهم لا يمكن له ان يكون في المحصلة مصلحة لمجموعهم منفردين فما يصلح للفرد يجب عليه ان يصلح للجماعة وإلا لما أمكن للجماعات أن تتلاقى على أية أهداف مشتركة.

ما سبق يشير إلى التناقض القائم أصلا بين المسلحين بذواتهم والمسلحين بأدوات مشغلهم, فالمسلح بذاته فردا أو جماعة لديه إدراك مسبق انه يقاتل لذاته ولمصالحة ولرخاء عيشه هو بالذات كفرد أولا وكجزء من جماعة تشاركه نفس الأحلام من خلال التشارك أصلا في نفس الآلام, وهذا يعطي لكفاح المقاتل بذاته قداسة الروح المؤمنة بحقها الفردي عبر إيمانها بحقها الجماعي وكذا بإيمانها بأنها غير معتدية في الأصل فهي تسعى لاستعادة حق منهوب أو التأسيس لظهور حق غائب, وفي الجانب الآخر يقف المسلح بأدوات غيره والذي تنحصر علاقته بالقضية التي يدافع عنها بالمبلغ الذي يتقاضاه مقابل ذلك وكل الشعارات التي يتم تسليحه بها عن المغلوط الذي يدافع عنه تنحصر في تهيئته لقبول الموت أو تبرير قبوله للموت في سبيل ذلك وهي لا تتعدى غلافا كاذبا أو تعمية للذات عن رؤية حقيقة كونه قاتلا مأجورا إن لم يكن ميتا مأجورا ليموت بالانابه عن مشغله.
الفرق شاسع إذن بين تذخير البندقية المأجورة والمعتدية والقاتلة والتي تسعى لسلب الناس حقوقها وبين تذخير الذات المظلومة للدفاع عن ذاتها وتنبع قوة الذات المقاتلة بذاتها من مصادر عدة أهمها:

- أنها ذات جماعية لا فردية وتكتسب قيمتها من ارتباطها بالجماعة وقضيتها.

- أنها ذات قضية أي أن الذات هنا متوحدة بعلاقة جدلية عميقة مع قضيتها ولا يمكن فصل الذات ومنحها القدرة على الحياة ان هي انفصلت عن تلك القضية يصبح الفلسطيني مثلا فلسطينيا إن غابت فلسطين ولا يصبح الجائع قادرا عن الحياة إن فقد الخبز ولا يصبح الإنسان حرا إن سكت عن مصادرة حريته.

- ان الذات سلاح لا يتم صناعته ولا تقليده ولا معاودة إنتاجه بإرادة المالكين للثروة أو المسيطرين عليها.

- أن المعتدين لا يمكنهم شراء ذمم كل الناس ليقاتلوا كل الناس وإلا لأصبحوا نموذجا للعدل وفقدوا قدرتهم على احتكار الثروة التي لا يمكن احتكارها الا بحرمان الاغلبية المطلقة من حق التمتع بها أو تحول جميعهم البشر إلى وحوش يعيشون بشريعة الغاب.

- إن الذات الجماعية بأفرادها تقاتل بالذات للذات فرديا أو جماعيا وهي لا تسعى لاحتكار مادة أو فكرة وحرمان الآخرين منها ما دامت الطريق مشتركة والهدف مشترك.
- الذات الجماعية المقاتلة بالذات لا تحتاج مالا للتذخير فالتذخير هنا هو إرادة وإيمان وقداسة وامتلاء روحي يسعى للخلاص من الظلم الواقع على الجميع بنفس القدر وزلا يمكن لجميع مصانع المستغولين الامبرياليين أن تصنع وتبيع هذا النوع من الذخيرة.

كل هذه الصفات المذكورة وغيرها محرومة منها كليا الذات البندقية التي تنعزل عن حاملها بالهدف والمصلحة والرؤية فمن ذات مدركة واعية في الذات الإنسانية الجماعية قادرة على التصرف والإحساس وصناعة الحياة إلى ذات جافة غير مدركة أنانية معزولة لا تدرك إلا قدرتها على صناعة الموت والخوف والرعب مقابل ذات وجدت أصلا لصناعة الحياة كونها هي ذاتها الأصل في وجودها, فالذات الإنسانية وهي تقاتل تسعى للحياة والذات السلاح بذاتها أو بالمأجور الذي يحملها تقاتل لصناعة الموت وبالتالي فهناك فرق شاسع بين تذخير الذات روحيا للقتال في سبيل صناعة الحياة وتذخير السلاح بالنار للقتال لصناعة الموت والخراب.

عليك أولا بذاتك الفردية والجماعية أن تقرر أن لك قضية وان هذه القضية واحدة لذاتك الفردية وذاتك الجماعية وان الحياة بمكونها المادي مرهونة بالقدرة على انتصار هذه القضية التي ينبغي لها أن تتصف بالإنسانية والجماعية وعدم ظلم الآخرين أو هضم حقوقهم ولا تقوم على مبدأ قتل الآخر بل الانتصار عليه خارج ذاته المأجورة أو المسيطر عليها وتحرير ذات المستعبد ضدك ليصبح ذاتا مدركة لمصالحها ومستعدة للانضمام لصفك وقد تكون التجارب التي حصلت في كل من مصر وتونس نموذجا على تحييد الذات المأجورة مقابل الذات الإنسانية الجماعية الحية حين أدرك الجنود بمجموعهم أنهم جزء من الذات المقابلة التي تقاتل ليس لذاتها فقط بل للذات الجماعية حتى المغيبة منها أو المستعبدة كمئات آلاف الجنود الذين اكتشفوا أنه لا يجوز استخدام سلاحهم ضد ذواتهم التي تدافع عن غدهم كجزء من مجموع وان كان هناك جزء من هذا المجموع غير مدرك لمصلحته ولأي صف يجب عليه أن ينتمي وقد سقطت الأنظمة هناك بكل بساطة بعد أن توقفت البنادق عن القيام بدورها كمأجورة وسالبة لإرادة مستخدميها لصالح مشغلهم المختبئ خلف دمهم حين قرروا أن لا يموتوا ولا يقتلوا دفاعا عن مشغلهم المختبيء بدمهم دم ناسهم.

ينبغي للسلاح أن يشبه قضيته التي يدافع عنها تماما كما ينبغي للذخيرة أن تصبح مكملة للسلاح وحين تكون القضية إنسانية وجماعية فينبغي لسلاحها أن يكون إنسانيا وجماعيا فلا يسقط حق المشاركة عن احد ممن ينتمون للقضية ذاتها وما دام الحق جماعي والقضية جماعية والمقاتلين في سبيلها الكل الإنساني المتشارك بالمصلحة والمصير فان أفضل سلاح ممكن لاستخدامه في تلك المعارك هي الذات وأفضل ذخيرة لهذا السلاح هي الإيمان بالقيم والمثل والأهداف الإنسانية النبيلة التي لا يمكن إنتاجها إلا بالروح ومن الروح ويستحيل على أي سلاح معدني أو ناري أن يتمكن من السيطرة عليها أو هزيمتها لأنه سلاح أعمى لا يدرك الإيمان ولان صانعه وحامله وصانع ذخيرته بل ومن يملأه بتلك الذخيرة ومن يطلق ناره ينتمي بالأصل لجموع المقاتلين بذواتهم في الصف المقابل وحين تدرك رح مطلق النار بالحس والمصلحة أن مكانها في الصف المقابل إيمانا بما يفعل من يقابله من اجل الحياة ضد ما يفعل هو بنفسه لغيره من قتل ضد الحية يصبح سلاح الروح وحده القادر على المواصلة والانتصار حين تنتصر الروح الحية على النار المميتة.

مرة أخرى ينبغي للسلاح أن يشبه قضيته وللذخيرة أن تشبه سلاحها فسلاح الحق هو الإنسان بذاته الفردية لذاته الجماعية ومعها وذخيرته هي الإيمان وقداسة الحياة للناس كل الناس وسلاح الموت هو المعدن وذخيرته النار ضد الناس كل الناس إلا صانعي الموت والمتاجرين به وبأدواته ممن يختبئون بدم غيرهم لقتل غيرهم لصالح جيوبهم هم وحدهم دون غيرهم.

 

بقلم
عدنان الصباح