أولا يجب علينا أن نعرف ما هي أهداف صفقة القرن الحقيقية , كي نستطيع أن نحدد نقاط ضعفنا , فيجب أن يكون الحديث عن صفقة القرن غير تقليدي كما نتحدث عن أي صفقة يتم التوقيع عليها رسميا بين طرفين وعبر بروتوكول واضح كما يحدث بالعادة , ومن المؤكد أن ترامب كان يعلم أن السلطة الفلسطينية سترفض سفقة القرن جملة وتفصيلا , بالإضافة الى رفض الرأي العام الفلسطيني , وأيضا رفض مصر بدورها صاحبة السيادة على أرض سيناء والتي هي جزء من صفقة القرن , ولكن السؤال المهم , كيف يتحدث ترامب عن صفقة وهو يعلم أنها غير مقبولة فلسطينيا ؟ الجواب هو أن ترامب لا يريد صفقة رسمية على الورق كما يجري في العادة , إنما يريد صفقة تفرض نفسها بنفسها على أرض الواقع , لأن طبيعة صفقة القرن هي عبارة عن تفاهمات قد تجري بين طرفين وليس صفقة موقعة على أوراق رسمية , وهذا يتناسب مع واقع غزة وقد نجد غزة أرض خصبة لتطبيق صفقة القرن دون أن تدري , لأنه في ظل عدم وجود مصالحة ستذهب غزة للبحث عن البدائل الإقتصادية والسياسية , وهذه البدائل هي بحد ذاتها تحقق أهداف صفقة القرن الحقيقية , وهي أن يكون هناك تفاهم إقتصادي وسياسي يساهم في إستمرار فصل غزة عن الضفة , وفي نفس الوقت يوجه البوصلة بعيدا عن القضية المحورية والجوهرية وهي اللاجئين والأسرى والقدس والإستيطان وغيرها من القضايا الجوهرية . وهكذا تكون غزة بين خيارين لا ثالث لهما , إما أن تكون جزء مكمل للوطن عبر مصالحة حقيقية وشراكة وقيادة موحدة , وإما أن تكون خاضعة لصفقة القرن ومنفصلة تماما عم باقي الوطن .
إن من أكثر المواقف الإيجابية والتي نستطيع أن نقول أنها جاءت في وقتها المناسب , هي المبادرة الجديدة التي قامت بها السلطة الفلسطينية مؤخرا حينما إتصلت على المخابرات المصرية بهدف تفعيل ملف المصالحة من جديد , وكان هذا بناء على توصيات المجلس الوطني الفلسطيني , وهذه المبادرة جاءت في وقتها المناسب في الوقت التي نشاهد العروض الإقتصادية تنهمر على غزة بهدف إخضاعها لصفقة القرن , وأيضا ما هو أقل بقليل من صفقة القرن , وبالتأكيد تم إستغلال قطاع غزة بضعفه الإقتصادي والسياسي لتمرير صفقة القرن عبر تفاهمات وليس إتفاقيات رسمية كما أشرنا في السياق .
هناك ثلاث ظواهر خطيرة على الساحة الفلسطينية تلتقي في وقت واحد , أولا إصرار ترامب على صفقة القرن وتسويقها عربيا وإقليميا , ثانيا ضعف غزة إقتصاديا وسياسا وجغرافيا مما يجعلها أسرع المناطق سقوطا لصفقة القرن , ثالثا فشل المصالحة بعد جولات وصولات متكررة , وهذه الظواهر الخطيرة تضع غزة بين خيارين , إما المصالحة أو صفقة القرن , وهذا ايضا ما ستجيب عليه الأيام القليلة القادمة في ظل المساعي في القاهرة لتفعيل ملف المصالحة .
برأيي أن مساعي القاهرة للمصالحة هذه المرة ستكون أكثر عمليا من قبل , لأنها ترتكز على ظواهر مهمة للغاية , أولها أن السلطة هذه المرة هي من بادرت بالطلب لتفعيل هذا الملف , وأيضا بات الجميع يعلم أن البديل عن المصالحة في غزة سيكون تمرير صفقة القرن وخاصة أن أدوات صفقة القرن باتت جاهزة , وايضا القيادة الجديدة في جهاز المخابرات المصرية ستكون أكثر إصرارا وتحمسا من قبل , لأن الرئيس المصري وكل هذه المهمه الصعبة لجهاز المخابرات العامة , بالإضافة الى توكيلة لبعض القيادات في الجهاز شخصيا , وهذه بالطبع سيدفعهم للعمل بجذارة أكثر من السابق .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي
غزة – فلسطين