بداية للأسف لا توجد لدينا لا خطط ولا برامج ولا استراتيجيات ولا آليات ولا حلول ومعالجات للظواهر السلبية المستفحلة في مجتمعاتنا،وبرامجنا ومشاريعنا للمواجهة والتصدي لمثل هذه الظواهر،تعتمد على الهمة وردات الفعل،وفي أغلب الأحيان تكون مجزوءة وسطحية وتعتمد لغة "الطبطبة" و"لم الطابق" و"فنجان القهوة"، صاحب الحل السحري،لكل مشاكلنا مهما صغرت او كبرت،ولذلك هي تبقي النار تحت الهشيم،وفي أول إنفجار للوضع المأزوم والمشكلة المبيتة بعد الحل الترقيعي،نجد ان المشكلة تتوسع وتكاد تنذر بحرب واحتراب عشائري وقبلي واسعين على غرار حروب "داحس والغبراء" و"البسوس"،ونحن ندلل على ذلك في الفتن الإجتماعية و" الطوش" وقضايا الإحتراب العشائري والقبلي والتي تفتك بنسيجنا الوطني والمجتمعي وما ينتج عنها الكثير من الجرحى وعشرات القتلى،ناهيك عن التشريد وتدمير الممتلكات،وللأسف ما نمتلكه حيال هذا الواقع المتردي،وما يعصف به من قتل وتفكيك للنسيج المجتمعي والوطني،ليس اكثر من مرثيات للطم والبكاء،وخطب عصماء مليئة بالكذب والدجل والنفاق عن الكرم والتسامح العربي الأصيل،بعد ان نستحضر سيرة الأنبياء والشهداء والأسرى،لتعود بعد ذلك الدائرة من جديد،مشاكل واحتراب قبلي وعشائري على نحو اوسع وأشمل.
ولعل البعض يقول ما علاقة "طز بمرحبا"،فالحديث هنا عن حالة فرح إسميها ب"المفجوعة" بنجاح في إمتحان تحقق بعد 12عام دراسي،يجري التعبير عنها بسلوك ومظاهر غير حضارية،فهل هذا مرتبط بما يحصل في مجتمعنا الفلسطيني خاصة والمجتمعات العربية الأخرى،التي تحكمها البنى القبلية والعشائرية،من قتل وتدمير وتفكيك للنسيج الوطني والمجتمعي؟؟؟.
انا ادعي وافترض بأن مجتمعنا الفلسطيني خاصة ومجتمعاتنا العربية عامة،والتي تعرضت لمرحلة طويلة من القمع والتنكيل والتخلف الإجتماعي،وما هو موجود من مواريث اجتماعية وثقافية بالية،ساهمت الى حد كبير في تعميق ازماتنا الإجتماعية والإقتصادية،والتي تأخذ شكل التعمق والتسّيد،في ظل غياب الحلول والمعالجات الصحيحة،في مجتمعات يغزوها الفساد والمحسوبية وكل مظاهر السلوك اللامعياري.
اما في الظاهرة المحددة التي اتحدث عنها هنا،فبعد التبريك بالنجاح لكل من نجحوا في التوجيهية العامة " الإنجاز" والأمل لكل من لم يحالفهم الحظ بأن يجتازوا الإمتحان في المرحلة القادمة.... ثمة ملاحظات على شكل وطريقة الفرح التي جرت وتجري كل عام بعد سلسلة " الإنتصارات" المتحققة في مسار الطلبة....الفرح حالة طبيعية ولكن المبالغة والخروج عن المألوف في ذلك وبما يخلق حالة من الإزعاج والتذمر عند الناس،وما يلحق بالفرد والبلد من خسائر وضرر جراء عمليات الإحتفال التي تزداد صخباً وخروجاً عن المألوف عام بعد عام....يجعلنا نقول بأن هذه الأشكال من الإحتفالات "المفجوعة" تعبر عن حالة وظاهرة غير سوية،ربما مرتبطة بحالة وعي وثقافة الشعوب التي تحكمها القبائلية والعشائرية القائمة على المباهاة والإستعراضية ولغة ضرب "الموزر يلبقنا" طبعاً هذا "الموزر" نستخدمه ضد بعضنا البعض،ويصمت هذا "الموزر" صمت القبور تجاه من يذلوننا ليل نهار وهي بهذا الشكل تصبح عبئاً على المجتمع....واستمرارها بهذه الطرق والأشكال يجعلني أقول بأننا بحاجة الى اعادة تاهيل وتربية في كل جوانب حياتنا،فنحن نعيش ازمات عميقة،علينا ان نقر بوجودها حتى نستطيع المعالجة والحل ......لأن بقاء تلك الأزمات وتعمقها يدفع الناس للتعبير عنها بحالات واسعة من السخط والإحتجاج على شكل موجات انفلاتية غير مقوننة ومنظمة وتصبح اقرب للشغب والفوضى منها الى التعبير الحقيقي عن الظاهرة... والمبالغ التي يجري صرفها في الإحتفالات الصاخبة وما ينجم عن ذلك من خسائر وضرر للفرد والمجتمع يصل حد الفواجع،ولعل ما حصل من وفاة لطالب محتفل في غزة خير مثال ودليل.... وهذا يجعلني مصر على ان احتفالاتنا "المفجوعة" هي تعكس حجم وعمق ازماتنا...وليس الإحتلال مشجبها الوحيد الذي إعتدنا ان نعلق عليه كل مشاكلنا وازماتنا واخطاءنا،والتي علينا ان نقر ونعترف بان جزء كبير منها،يعود لخلل ذاتي عندنا،ولذلك في البحث عن حلول لتلك المشاكل والظواهر السلبية،يجب ان ننطلق من ذواتنا وفي الأرض وليس في السماء،فالسماء قوانينها وكتبها السماوية حددت قوانين وضوابط وتعاليم،نستخدمها ونجيرها وفق ما يخدم مصالحنا ونفصلها على مقاساتنا،واظن الشعوب الأخرى التي قطعت شوطاً كبيراً على صعيد الحضارة والتطور والرقي رسخت مفاهيم وقيم تمكنها ان تحتفل بشكل حضاري بعيداً عن التسبب بالأذى والضرر والخسارة للذات والمجتمع....وهي تسجل انتصارات حقيقية بإحتفالات هادئة وليس انتصارات وهمية في إحتفالات " مفجوعة".
أنا ادرك تماماً مدى انشدادنا لذاتنا ولمصالحنا الفردية،فنحن مجتمعات تربت على تغليب الخاص على العام،ولذلك تجد كل شيء عام عندنا مباح ونتعدى عليه، حرمة الشارع والطريق،والممتلكات العامة،وكثير منا يقول يعني" هي وقفت على فرحتنا بإبننا او بنتنا"،ولذلك عندما نبدأ وننطلق من عملية التغيير،فيجب ان ننطلق من الذات وعن قناعة،وليس تحت التهديد بالعقاب،يجب أن نخلق ثقافة مجتمعية،ثقافة الإنتماء للمصلحة العامة والبلد والوطن والأمة،وبدون ذلك نحن نغرق في خضم مشاكلنا وظواهرنا السلبية،والتي من شانها تفكيك وتدمير مجتمعاتنا،بل وخروجنا من دائرة الفعل والتأثير في الحضارة الإنسانية،ونصبح مجر كم زائد وعبء على البشرية،يتجه نحو الإندثار والتفكك.
بقلم/ راسم عبيدات