لعل الله قدر لغزة وأهلها , النصيب الأكبر من مكابدة الصعاب وركوب الأهوال ,على طريق مقارعة قوى الظلم والإستكبار, وهي تدافع عن الوطن والعقيدة والأمة والتاريخ , لذا تُصب عليها حمم المؤامرات , ونيران الصفقات التآمرية, ويدبر لها بالليل والنهار كيداً أسودا , من أجل سلبها سيف مقاومتها البتار, فهي – غزة- العنيدة في الحق في زمن السقوط , وهي الشامخة في زمن الإنكسار , تكشف عورة من رضي بالدون والهوان , وكبرياء غزة من شموخ نخيلها وهدير أمواجها الغاضبة , غزة كاسرة أنوف الطغاة المتجبرين على مر التاريخ , ومؤرقة للطامعين فلا يقربوها بعد أن خبروا فعال رجالها , فلا هم يقدروا عليها ولا يستطيعون المكوث فيها فيولون الأدبار هاربين من صعقات الموت الغزاوية , وقد تمنى الهالك الصهيوني اسحق رابين " بأن يصحو من النوم وقد وجد غزة قد غرقت في البحر " ولا يعلم هذا المستوطن لأرض الغير , بأن غزة حارسة البحر, وكيف للبحر أن يغدر بمن تمنحه خاصرتها ليتكئ عليها, وهذه الحقيقة لا يعلم الا أهل الدار وهذا المستوطن " رابين " لا يفقه أبجدية التراب والماء والهواء والشجر الفلسطيني, لقد فشل الإحتلال وقادته وحليفتهم أمريكا, في قمع إرادة شعبنا المطالب بحريته وعودته إلى أرضه, ولقد أصبح العجز الصهيونية واضحاً , في مواجهة قوة الحق الفلسطيني ونقاء الرواية الفلسطينية التي إنتصرت على رواية الخديعة الصهيونية.
غزة بوابة العودة إلى فلسطين , وتتحطم على صفحات صمودها صفقات الأعداء , فلا تمر مكيدة الا وأهل غزة لها بالمرصاد , وقود للثورة هم رجالاً برسم الإقدام , يتقدمون للميادين بكل شموخ , ولهم في كل جيل رموز للفداء والتضحية , غزة عصية على الإنكسار رغم المحن والحصار, فلماذا يحاصرها القريب والبعيد ؟ ولماذا يُشدد عليها الخناق وتحارب في حبة الدواء وكسر الخبز وقطرة الماء ؟! , الجواب لا يخفى على عاقل , لأن غزة شاهرة لسيف الشيخ القسام والسعدي وعبد القادر الحسيني والياسين والشقاقي وأبو عمار وأبو عطايا وأبو علي مصطفى , وكافة الثوار الذين سكبوا الدماء الزكية , لتنبت الأرض زيتونها المقدس , وما تأخروا وما تراجعوا عن صولة الحق وضريبته , فإرتقوا شهداء وقد أورثوا البندقية لأجيال الحرية , وتُشاهد بندقيتهم على ثغور غزة شامخة لن تنحرف بوصلتها عن القدس والجليل وكل فلسطين .
مرحلة حرجة تمر بها قضيتنا الفلسطينية, بعد أن أوردنا المتنفذين بئر المذلة والخنوع ,القابع في سرداب أوسلو في عمق نفق التسوية المظلمة , فكان الطعم علقم والرائحة نتنة ,والمشهد مريب والحروف غريبة, أيكون اللص صاحب حق ؟! , أيكون القاتل لأبيك وأمك وأخيك حمامة سلام ؟! , أتكون فلسطين " إسرائيل" ؟ أتكون القدس " أورشليم" ؟ , أيكون المحتل جار ؟ , أيكون التنسيق والتخابر عملاً وطنياً ؟ , أيكون قمع المقاومة حفاظاً على الأمن ؟ , إختلال للمفاهيم وإنحراف البوصلة , كأبة المشهد وسوداوية المرحلة العقيمة ما أفرزه مسار التسوية والذي ما أفضى إلا إلى خذلان القضية الوطنية والإساءة إلى طُهرها المستمد من دماء الشهداء.
في هذه الأجواء القاتمة تجود غزة بفلذات أكبادها , وتبني للوطن سياجاً , وترفع للعودة رايةً , وتعيد فلسطين إلى صدارة الأحداث ,وتكتب حكاية الشعب المهجر على وجوه الشهداء وجراحات المصابين , في مسيرات العودة وكسر الحصار , العودة إلى فلسطين حتمية لا جدال فيها ,وكسر الحصار عن شعبنا في غزة والضفة والشتات لينطلق نحو حياة كريمة وحرة في أرضه ووطنه.
ويبقى السؤال لماذا الحصار وفرض العقوبات ؟, قد نستوعب إقدام عدونا على كل فعل يضر بشعبنا وقضيته , حيث أن الحصار الصهيوني لشعبنا قديم جديد يهدف إلى منع تطوير وتنمية قدرات شعبنا التي تساهم في تعزيز صموده وقدرته على مواجهة الإحتلال ومخططاته , ولكن ما هو الهدف من مواصلة السلطة الفلسطينية بكافة أذرعها ومؤسساتها مواصلة العقوبات الجائرة والظالمة ضد قطاع غزة ؟ !, خاصة وشعبنا يخوض معركة إسقاط صفقة القرن الأمريكية التي بدأت أول خطواتها بإعلان القدس عاصمة لـ " إسرائيل " , ولماذا الإصرار على العقوبات والتهديد بالمزيد منها ؟, وأربأ على السلطة وحركة فتح أن تكونا شريكاً للإحتلال في التضييق على غزة , كما يجب التأكيد على أنه من الإثم الوطني إستعمال أدوات السلطة في حصار ومعاقبة الشعب الفلسطيني بحجج واهية تغذيها أطماع التغلب على الغريم السياسي الداخلي , في حين يعربد المحتل ومستوطنيه ويسلب الأرض ويهجر الفلسطينيين بلا حراك ولا صراخ من السلطة وناطقيها كما يحدث في الخان الأحمر بالقدس المحتلة , لا أجد لعقوبات السلطة على غزة تفسيراً الا تنفيذاً لواجبات منصوص عليها في مخطط تمرير صفقة القرن , حيث أن الحصار عملة ذات وجه واحد هو العداء لشعبنا والتضييق عليه في أدق تفاصيل حياته اليومية , وألا فأن من يريد مواجهة صفقة القرن كما يروج إعلامياً , عليه أن يعزز وحدة الشعب وصموده , ولن يكون الا عبر إقرار الشراكة الوطنية الحقيقية , عبر إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإعتماد وثيقة سياسية وطنية تلقى إجماعاً فلسطينياً , تكون بمثابة وثيقة التحرر والإنعتاق من الإحتلال , ويعمل الكل الفلسطيني بما يملك من إمكانيات وطاقات ووسائل , لتحقيق الهدف الأسمى لشعبنا الفلسطيني بإنجاز تحرير الأرض وتطهير المقدسات ودحر الإحتلال البغيض .
بقلم/ جبريل عوده