■ يواجه بدو تجمع «الخان الأحمر» شرقي القدس مخططاً إسرائيلياً لاقتلاعهم وترحيلهم إلى منطقة النويعمة قرب أريحا شرق الضفة الفلسطينية، لتنفيذ المخطط الاستيطاني الإسرائيلي الكبير المعروف باسم E1، لربط مستوطنة معاليه أدوميم بمدينة القدس المحتلة وتوسيع حدود المدينة على حساب الفلسطينيين وشقاءهم، وفصل جنوب الضفة عن وسطها.
واقع مرير تعانيه التجمعات البدوية على امتداد مناطق «الخان الأحمر»، يتهددهم الطرد والترحيل، أكثر من خمسة آلاف مواطن من مختلف العشائر والقبائل البدوية، التي هجّرها الاحتلال من مساكنها في موطنها الأصلي بتل عراد في صحراء النقب جنوبي فلسطين منذ عام 1948.
يقع تجمع «الخان الأحمر» شرقي القدس على الطريق المؤدي إلى مدينة أريحا والبحر الميت قرب مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار أدوميم في المنطقة المصنفة «ج» تحت السيطرة المدنية والأمنية الإسرائيلية وفق اتفاق أوسلو، ويعد واحداً من 18 تجمعاً. ويعيش سكانه البدو الفلسطينيون البالغ عددهم 190 فرداً المنحدرون من قبيلة «الجهالين»، في أكواخ وكرفانات ومساكن من الصفيح. توصف معيشتهم أنها قاسية الظروف ويعانون من حالة فقر مدقع ويسلكون الوديان الوعرة والخطرة معرضين حياتهم لمخاطر الملاحقة من جنود الاحتلال أو الموت دهساً من مركبات المستوطنين ودوريات جيش الاحتلال، وتطارد مواشيهم ورعيانهم.
ويوغل الاحتلال في ممارساته العدوانية بحق «الخان الأحمر» باقتطاع جزءٍ من أراضٍ تتاخم «مدرسة الإطارات» لصالح شق طريق استيطاني، وإقامة مضخة لتفريغ الغازات المنبعثة من مياه الصرف الصحي داخل حدود المدرسة لتشريد السكان. حيث أن المدرسة تخدم خمس تجمعات بدوية ويدرس فيها نحو 180 طالباً وطالبة.
يعيش سكان «الخان الأحمر» قساوة الحياة ويفتقرون للخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه وشبكات الاتصالات والطرقات، واعتمادهم على الطاقة الشمسية للحصول على الإنارة.
تهجير قسري
قررت المحكمة العليا الإسرائيلية، في أيار/ مايو الماضي هدم تجمع «الخان الأحمر» المقام على نحو 12 ألف دونم، وتبلغ نسبة اللاجئين المسجلين فيه لدى وكالة الأونروا 95%. ورفضت المحكمة حينها طعناً لسكان التجمع ضد القرار الإسرائيلي الذي يندرج في إطار مشروع «بوابة القدس» شرقي بلدة أبو ديس منذ ثلاث سنوات، لتهجير سكان التجمعات البدوية الـ18 شرق القدس المحتلّة قسراً.
وفرضت قوة من وحدة «الياسام» التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي (5/7) الحصار على المناطق البدوية «أبو النوار» و«الخان الأحمر» في القدس بهدف تهجيرهم، وأصيب نحو 35 مواطناً جراء اعتداء وقمع قوات الاحتلال للمتضامنين وسكان التجمع واعتقلت العديد منهم. وفي المقابل هدمت جرافات الاحتلال خيام ومنازل نحو 180 فلسطينياً.
وأصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا في (9/7)، أمرا احترازيا جديدا يجمد قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلية هدم تجمع «الخان الأحمر» وإجلاء سكانه.
وكانت المحكمة ذاتها أصدرت أمرا احترازيا في (5/7)، يُطالب السلطات الإسرائيلية بتفسير موقفها برفض طلبات سكان التجمع تقديم مخططات لتنظيم البناء فيه.
ورغم أمر المحكمة إلا أن قوات الاحتلال أغلقت مداخل قرى «الخان الأحمر» بالمكعبات الإسمنتية (11/7) واحتجزت المعتصمين والمتضامنين المتواجدين في المدرسة المهددة بالهدم ومنعتهم من الخروج للشارع الرئيسي.
الاستيطان يناقض القانون الدولي
يأتي قرار المحكمة الإسرائيلية بعد أن قدم فريق من المحامين مستندات جديدة تثبت أن الأراضي التي أقيم عليها التجمع في مطلع خمسينيات القرن الماضي هي أراض بملكية فلسطينية خاصة ومسجلة، تم تأجيرها للسكان وليست أراض عامة تم الاستيلاء عليها.
وطالب الاتحاد الأوروبي سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بالعدول عن قرارها بهدم منازل الفلسطينيين في تجمع «الخان الأحمر».
وقال بيان صادر عن مكتب الناطق باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي، إن «سياسات بناء الوحدات الاستيطانية التي تتبناها إسرائيل، تتنافى مع القانون الدولي». ووجه تحذيراً لإسرائيل من هدم القرية وأن ذلك سيؤدي لإجراءات أوروبية ضدها.
وأعلن القنصل الفرنسي العام في القدس بيير كوشار، أن ممارسات إسرائيل في المنطقة غير قانونية وتتناقض مع القانون الدولي وميثاق جنيف. وقال إن «باريس ومعها دول الاتحاد الأوروبي تعتبر منطقة الخان الأحمر جزءاً من الدولة الفلسطينية وترفض ترحيل سكانها الذين هجروا من أرضهم الأصلية قبل سبعين عاماً». وأكد دعم بلاده للمواطنين الفلسطينيين في المناطق المهددة من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الخطيرة.
وانضم إلى هذا الموقف جيمي ماكغولدريك، المنسق الإنساني، واسْكوت أندرسون، مدير العمليات في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الضفة الفلسطينية، وجيمس هينان، رئيس مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الذين عبروا عن قلقهم البالغ إزاء عمليات الهدم والأحداث المرتبطة بها في التجمعات السكانية الفلسطينية الضعيفة في وسط الضفة.
وجاء في بيان لهم، إن «القوات الإسرائيلية، شرعت بشكل غير قانوني في تجريف طرق الوصول داخل تجمُع الخان الأحمر، الذي يؤوي ما يزيد على 180 شخصاً، 95% منهم لاجئون فلسطينيون. ويأتي هذا العمل تمهيداً لما يُتوقع من هدم هذا التجمع السكاني عن بكرة أبيه».
من جهته وصف مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة «بتسيلم»، عمليات هدم وتدمير المنازل في ثلاث مناطق بدوية فلسطينية بـ«جريمة حرب».
وشدد المركز على أن «أياً من الأوامر العسكريّة أو الأحكام القضائيّة لا يمكنه أن يضفي على تهجير هؤلاء المواطنين الفلسطينيين صبغة قانونيّة أو أخلاقيّة».
ودعت «القائمة المشتركة»، العربية في الكنيست الإسرائيلي، إلى مواصلة التحرك الشعبي لمنع هدم «الخان الأحمر». وأكدت أن «أوامر الهدم والتهجير هي إستراتيجية إسرائيلية لتنفيذ مخططات التوسع الاستيطاني والتوغل في الضفة الفلسطينية والقدس على حساب حق الشعب الفلسطيني في حياة كريمة، وتجاوز معاهدة جنيف الرابعة 1949 التي تمنع تغيير معالم ومكان السكان في الأراضي المحتلة».
قضية الخان الأحمر، ليست قضية مجموعة من السكان معرضين للتهجير على يد قوات الاحتلال. بل هي فصل جديد من فصول التهجير القسري للفلسطينيين عن أرضهم، بدأتها العصابات الصهيونية عام 1948 ولا زالت تتوالى فصولاً حتى الآن على يد جيش الاحتلال في انتهاك فظ لكل المواثيق الدولية.
بقلم/ وسام زغبر