المصطلحات وأهميتها في الصراع العربي – الصهيوني

بقلم: فايز رشيد

حرب مصطلحات خفية تدور بيننا وبين إسرائيل، إذ دأب البعض من السياسيين الفلسطينيين والعرب، إضافة إلى بعض أجهزة الإعلام العربية، على إطلاق مصطلح: الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على الصراع في الشرق الأوسط.
من جانب آخر، شطح البعض بعيداً في اختزال هذا الصراع إلى كلمة (نزاع)، وبدأ التسمية من خلال مصطلح: النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، أو حتى تسميته بـ(الخلاف)، إضافة بالطبع إلى ترديد المصطلحات التي تريد الصهيونية وإسرائيل، منا استخدامها مثل: الدولة "العبرية " و"الدولة اليهودية" للدلالة على الأرض الفلسطينية، ومثل مصطلح "الشعب" اليهودي و"الأمة" اليهودية للدلالة على اليهود، بينما لا هم شعب ولا هم أمة، فاليهودية ديانة مثل الإسلام والمسيحية يعتنقها الأمريكي والروسي والإفريقي والهندي وغيرهم.
بدايةً، فإن المصطلحات لا تأتي عفويةً، وهي مقصودة، ثم إنها من ناحية أخرى مهمة للتوصيف، الأمر الذي ينزع العفوية عن التسمية. في هذه المقالة سنركز على توصيف الصراع.. مصطلح الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي خطأ تماماً، فعلى الرغم من أن الفلسطينيين هم الواجهة في هذا الصراع، لكن الخطر الإسرائيلي لا يطال الفلسطينيين وحدهم، وإنما كل العرب من المحيط إلى الخليج. هذا ما لا نقوله نحن، بل تقوله حقائق الصراع، والأحلام الصهيونية، والأهداف الإسرائيلية، وتاريخ إسرائيل منذ ما قبل قيامها حتى هذه اللحظة.
إسرائيل ما زالت تحتل هضبة الجولان العربية السورية، وقد سبق أن ضمّتها إلى دولتها بقرار اتخذته الكنيست، وهي لا تزال تعتبر الهضبة أرضاً إسرائيلية.
إسرائيل ما تزال تحتل مزارع شبعا اللبنانية، وسبق أن احتلت أراضي مصرية، وهي تلاحق الفلسطينيين في الدول العربية، مثلما حدث في تونس من عملية اغتيال للشهيد خليل الوزير، وفي دبي من اغتيال للشهيد محمود المبحوح، ومحاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، رغم ارتباط الأردن باتفاقية وادي عربة مع إسرائيل، واغتالت إسرائيل كثيرين من القادة الفلسطينيين في قلب بيروت، كان أولهم الشهيد غسان كنفاني، التي مرت ذكرى اغتياله الـ46 منذ أيام، ثم الشهداء كمال عدوان، كمال ناصر ومحمد يوسف النجار، وعلى ذلك قسْ.
إسرائيل قامت بتفجير وتدمير المؤسسة النووية العراقية، واغتالت عالم الفيزياء النووية المصري العربي يحيى المشد في باريس، الذي كان يعمل في بغداد، وقامت بتفجيرات في سورية سابقا والآن. وزير خارجية العدو ليبرمان، هدد بقصف السد العالي، هذا عدا عن الحلم الذي يلامس شغاف قلوب بعض الأحزاب الدينية اليمينية، في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. كثيرون من الساسة والقياديين العسكريين الإسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو رئيس الوزراء الحالي، ما زالوا يعتقدون أن الأردن جرى اقتطاعه عنوةً من الوطن اليهودي، ولذلك يؤمنون بإقامة الفلسطينيين دولتهم فيه، من بين هؤلاء رئيس الكنيست الحالي وأعضاء كثيرون فيه.
هذا غيض من فيض من رؤية الحركة الصهيونية للعالم العربي، إضافة بالطبع إلى أن التصور الإسرائيلي للعلاقة مع العرب، الذي يتمثل في إقامة علاقات مع دولهم، من دون شروط مسبقة، وللأسف تعلن إسرائيل عن تحالف قويّ بينها وبين بعض الدول العربية، كذلك قيام علاقات تطبيع عربية علنية معها! ألا يخطر ببال هؤلاء، أن دولهم ليست بمنأى عن الخطر الإسرائيلي؟ وبعيداً عما يسمى بـ"مبادرة السلام العربية" التي أطلقتها قمة بيروت، والتي ما زالت موضوعة على الطاولة، رغم رفض إسرائيل لها، وقد وصفها شارون "بأنها لا تستأهل الحبر الذي كتبت به". الإسرائيليون لا يفصلون بين الصراع مع الفلسطينيين والصراع مع العرب، ويأتي البعض منّا للأسف ليفصل بين المسألتين.
الحركة الصهيونية وفي مؤتمر كامبل بنرمان في عام 1907، اتفقت مع الدول الاستعمارية الغربية على إنشاء دولتها في المنطقة، التي تفصل الجزء الآسيوي من الوطن العربي عن جزئه الآخر في إفريقيا، لتمنع توحيد الجزئين مستقبلاً، وهذا ما أكّدته معاهدة سايكس بيكو. الإسرائيليون يتآمرون على الجبهات الداخلية في الأقطار العربية، وصولاً إلى الدعم العسكري لبعض الأطراف المنادية بتجزئة الدولة الواحدة، صدّروا آفة القطن لمصر، وهم وراء تهريب المخدرات إليها وإلى بعض الدول العربية الأخرى أيضاً، وهم يشكلون فرقاً للتجسس على هذه الأقطار. والدليل على تدخلهم التخريبي في العالم العربي، الدور التخريبي الذي تمارسه إسرائيل في كل من العراق وسوريا والسودان والصومال واليمن وغيرها من الأقطار العربية الأخرى. ولن ننتهي من تعداد آلاف الأدلة الأخرى على تآمر إسرائيل وجرائمها، وتدخلاتها السافرة في الأقطار العربية، ومع ذلك يأتي البعض علينا بإطلاق مصطلح الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
أما كلمتا (النزاع) و(الخلاف) التي يطلقها البعض على الحالة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فهما تسطيح للحقيقة وجهل كبير في حقيقة الصراع، فما بين الطرفين ليس نزاعاً أو خلافاً على قضية بسيطة، بل هو صراع أزلي ما بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وبين إسرائيل والحركة الصهيونية من جهة أخرى. تسمية الصراع مع إسرائيل بأنه محدود بالفلسطينيين، هو إغراق في القطرية الكريهة، وهو تجاوب مع الاتهامات الصهيونية وبعض الغربية الأخرى، بأن ما من جامع بين الأقطار العربية، وتجاوب مع مقولة انعدام وجود الأمة العربية، وانعدام وجود الثقافة والتاريخ والاقتصاد، وغيرها من العوامل المشتركة بين الدول العربية. الأدق تعبيراً في استعمال المصطلحات هو التسمية بالصراع العربي – الإسرائيلي الصهيوني. أما استخدام المصطلحات التي تريدها اسرائيل فيجري استخدامها للأسف بشكل واسع للدلالة على اسرائيل. الذي نسأله لهؤلاء: ألا تستطيعون التوصيف بتعبيرات مثل: اسرائيل، الكيان الصهيوني؟ ثم أين هي حقيقة وجود (المجتمع) الإسرائيلي الذي ترددونه؟ أليس من الأفضل استعمال كلمة: الشارع بدلا من مجتمع لا يملك مقومات بناء المجتمع، فالإسرائيليون هم غزاة لفلسطين جاءوا من أقطار متعددة، لا تجانس بينهم ولا تاريخ ولا عادات مشتركة، إلى آخر مكونات المجتمع. موضوع المصطلحات هو حرب دائرة بيننا وبين اسرائيل، هذا أولا.
ثانيا، في المرحلة الراهنة، ليس أسهل من أن يقع العديد من المثقفين العرب في المطبات الكثيرة المنصوبة، بطريق مباشر، أو غير مباشر، ومن أهمها: تتبع النهج التاريخي في التوراة! حقيقة الأمر، أن الحاخامات اليهود، وجدوا أن أفضل وأنجح طريقة يمكن اتّباعها لربط التاريخ اليهودي بأقدم العصور، ولجعل ما يسمى بـ "عصر" اليهود متصلا بأقدم الأزمنة، هي استعمال مصطلح "عبري" وشبيهاته من المصطلحات التي ذكرناها، للدلالة على اليهود بوجه عام، وبذلك يكون تاريخ فلسطين، تاريخا واحدا مرتبطا ومتصلا منذ أقدم العصور بـ"الشعب" اليهودي.
لقد تمسك الباحثون – يهوديو الديانة- على مرّ التاريخ حيث عاشت تجمعاتهم، بالنظرية التي اخترعها حاخاماتهم القدامى، بأن "العبرية" تعني بشكل كامل اليهودي، وقد أطلقوا على نظريتهم "العبرانية التوراتية"، واعتبروا "العبرية" هي أقدم لغة سامية معروفة، متجاهلين وجود الكنعانية القديمة، قبلها بعدة قرون، ومحاولين ربطها قسرا بالتاريخ اليهودي واليهود، رغم أنها وفقا لباحثين كثيرين ليست لها علاقة باليهود لا من قريب ولا من بعيد.
يؤكد ما سبق الحرص الكبير للحركة الصهيونية منذ نشأتها على إيجاد قواسم مشتركة بين اليهود، بمحاولة ربط اللغة "العبرية" بما سمته "الأهداف السياسية القومية" التي طرحتها. وفي هذا المجال، يقول أحد المنظّرين لما يسمى "الثقافة اليهودية الواحدة" مناحيم ريبالو: (لم تكن العبرية لغة الماضي فحسب، بل لغة المستقبل، لغة البعث من جديد، اللغة التي تضمن لليهود البقاء "كشعب واحد").
وبالانتقال إلى بعض نصوص التوراة، التي جرى الإستناد إليها كمسوّغات صهيونية إسرائيلية لممارسة الموبقات الأفظع في التاريخ، ونحن لا نتحدث هنا عن اليهودية كديانة، وإنما عن نصوص دينية مختلقة، اخترعها الحاخامات اليهود في العصور الوسطى، لتسويغ قهرهم، وتدعيم سلطتهم على الفقراء اليهود، بالتحالف مع كبار الأغنياء من التجمعات اليهودية في البلدان المختلفة. واجب المثقفين والكتّاب العرب الانتباه جيدا في استعمال التعابير المتعلقة بالصراع العربي- الصهيوني.

د. فايز رشيد

كاتب فلسطيني