بدأ " الإسرائيلي " الخفض من سقف مطالبه التي اعتمدها في خطابه السياسي والإعلامي وحتى العسكري منذ بدء العدوان الكوني على سورية . من كان يستمع لقادة الكيان ومحلليه ومراكز أبحاثه مع المراحل الأولى للأحداث التي اندلعت في سورية ، كان يدرك مدى الحاجة الإستراتيجية " الإسرائيلية " لسقوط الدولة السورية ورئيسها ، والقضاء على جيشها . وهي من أجل ذلك لم تخفي رغبتها التي تحولت مع سنوات الأوضاع الكارثية في سورية إلى أفعال وتدخل مباشر في تعقيد تلك الأوضاع وتسعيرها أملاً في الحصول على هدفها ، ألاّ وهو سقوط نظام لطالما كان وسيبقى مصدر قلق إستراتيجي لكيان هجين وغريب يعيش في أحشاء منطقة بدأ تمزيقها وهدمها بمعاول ودماء وثروات أبنائها ، ليبقى هو السيد والمقرر في شؤون الرجل المريض النظام الرسمي العربي .
اليوم ومع تغير الواقع الميداني وتدحرجه بالانتصارات المتسارعة لصالح الدولة السورية ، التي يواصل جيشها وحلفائه استعادة مناطق الجنوب السوري إلى كنف الدولة وسيادتها ، بدأ الكيان " الإسرائيلي " يغير من لهجته الإستعلائية وخطابه السياسي والأهداف التي كان قد طرحها ، والتي لم تعد خافياً . هذا التحول في المواقف " الإسرائيلية " لم يأتي بسبب مراجعات وقراءات عبثية ، أو لأن هذا الكيان وقادته قد أدركوا أنهم ارتكبوا أخطاءً شنيعة ويريدون التكفير عن تلك الأخطاء ، بل جاءت نتيجة لمتغيرات في وقائع الميدان السوري . لذلك نرى نتنياهو وجوقة حكومته كيف بدأت عملية استبدالها للأهداف في سورية ، فبدل إسقاط نظام الرئيس الأسد ، تطرح وبالصوت العالي خروج القوات الإيرانية ، ودون ذلك فهي الحرب التي لم يعد في مقدورها ضمان نتائجها على غرار ما حصل في حرب تموز عام 2006 ، التي تحتفي المقاومة في لبنان ونحن معها في ذكراها السنوية .
ومن أجل ذاك الهدف المقلق إستراتيجياً للولايات المتحدة و" إسرائيل " وعربان التطبيع الخليجي ، حطّ نتنياهو في موسكو طالباً تدخل الرئيس بوتين من أجل استخدام نفوذه للضغط أولاً على الرئيس الأسد ومن ثم على إيران لسحب قواتها من سورية ، لأن تواجدها هناك يمثل تهديداً مباشراً للكيان " الإسرائيلي " وأمنه ولربما وجوده . ونتنياهو ولإبداء حسن النوايا المشكوك فيها أصلاً ، قد وافق على وصول الجيش السوري إلى المناطق التي كان يتواجد فيها قبل تفجر الأحداث في آذار من العام 2011 ، وبالتالي تصريحه قبيل مغادرته العاصمة الروسية موسكو : " ليست لدينا أية مشكلة مع نظام الأسد ، وعلى مدى 40 عاما لم يتم إطلاق رصاصة واحدة على مرتفعات الجولان " ، مضيفاً : " أن إسرائيل لا تعارض استعادة سيطرة الرئيس الأسد على سوريا ، حال إبعاد الإيرانيين من البلاد " .
اللقاء الذي جمع بوتين ونتنياهو في موسكو ، ليس المهم ما حمله الأخير من مطالب وحسب ، بل المهم موقف الرئيس الروسي من تلك المطالب ؟ ، وهل من وعود قد أعطيت ومن شأنها أن تبدد هواجس ومخاوف نتنياهو ؟ . الأجوبة متروكة إلى ما بعد قمة الرئيسين الروسي والأمريكي وما سينتج عنها . ولكن على الجميع ألاّ يغيب عنه أنّ هناك دولة سورية ورئيس والأحداث التي عاشتها سورية ولا زالت أكدت للقاصي والداني ، أن يدقق في حساباته بعد مراجعتها ، بمعنى أن لا أحد في مقدوره أن يملي على الرئيس الأسد ما متوجب أن يفعله أو يُقدم عليه ، وهذا لا يعني أن سورية غير ملتزمة مصالح حلفائها ، وبما لا يعرضها سيادتها واستقلالها للأذى . وهنا يفرض السؤال نفسه بقوة ، إذا كان الهدف " الإسرائيلي " خروج الإيرانيين من سورية ، فما هو الثمن المقابل لذلك ؟ . هل يكفي قول نتنياهو : " ليست لدينا أية مشكلة مع نظام الأسد ، وأن إسرائيل لا تعارض استعادة سيطرته على سوريا " ؟ ، وهو يعرف أنه ليس مقرراً في هذا الشأن . بتقديري أن الثمن يتمثل في استعادة الجولان بما فيها ضفاف بحيرة طبرية ، حيث كان الجندي العربي السوري يضع قدميه في مياهها ، فهل يوافق نتنياهو على دفع الثمن ؟ .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني