الأزمات تعصف بالجسد الفلسطيني والانقسام ينهش به، والوطن بلا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب، إناس يفترشون الأرصفة من أجل الحصول على حفنة شواكل لشراء ربطه خبز أو قنينة حليب لأطفالهم، وإناس آخرون يصطفون طوابير طويلة للحصول على نصف أنبوبه غاز لطهو الطعام لهم ولأبنائهم، برلمان معطل ووزارات منقسمة بين هنا وهناك، مؤسسات أهلية يديرها إناس جشعين همهم كيف يكونون ثروات كبيرة، ومؤسسات دولية قاتمة لا لون لها ولا طعم ورائحة هدفها إذلال الجماهير لتمرير مشاريع تخصهم هم وحدهم، بؤس وشقاء في المخيمات والأزقة والحواري الشعبية، أمراض منتشرة ولا عقاقير تداويها، فقر مدقع ولا برامج وإستراتيجيات لإنقاذ الجماهير، احتلال بشع بربري يحاصر الوطن من كل الجوانب والاتجاهات هموم وأحزان، تدمير وتخريب ممنهج، فهل كتب علينا نحن الجماهير الفلسطينية أن نبقى أبدا مكسوري القلوب والخواطر؟ وهل كتب علينا أن نبقى نتسلى بذكريات آبائنا وأجدادنا عن فرحة لم يدم عمرها عدة سنوات؟
حزن صامت وقضية مستباحة، ننظر إلى مستقبلنا على طاولة قمار اللاعبين عربيا وإقليميا ودوليا؟ فيحاولون أن يغتالوها ويجعلوها معوقة بل ويدفنونها في سراديب الهيئات الدولية والأممية، وحين تتنافر قلوب السياسيين ويختلفون في كل شيء إلا في حالة واحدة وهي حين يضعون الوطن على لائحة التشريح، ويتقاسمون دمه ولحمه وشحمه وعظمه في السر والعلن، دون أي خوف أو وجل من الله، ويتركون بعض الفتات إلى عباد الله المحرومين والمسحوقين لسنوات طويلة شاقة منهكة فيها البؤس والشقاء، من أية نعمة أوجدها الله في وطنهم، حينئذ تدق أجراس الخطر على مشارف الوطن.
سياسيون أوصلتهم الجماهير إلى المجالس التشريعية والقضائية والتنفيذية والوطنية والثورية، هاجسهم الأول والأخير مكاسبهم وامتيازاتهم لهم ولعائلاتهم، أنانيتهم ورغبتهم في الثراء الفاحش على حساب الجماهير المغلوبة أمورها تجاوزت كل حد معقول، ولم يعد يخفي نوازعهم أي كلام معسول، فإذا اقتسموا الغنائم يتحولون إلى سمن على عسل فيما بينهم طالما بقوا راضين على ما تقاسموه، أما إذا تنافرت مصالحهم فإنهم يتحولون إلى أعداء يتربص أحدهم بالآخر، ويهاجم أحدهم الآخر بأقذع الكلمات وأفظع الجمل، ويدعي كل منهم بأنه إمبراطور الزمان الوطني، وإنه الضحية وفي غاية البراءة والطهر والإخلاص للجماهير والوطن، دون أن يكون للوطن ومصير الوطن أي اعتبار في قاموسه الحقيقي.
في أعماق كل منهم تصرخ نفس أمارة بالسوء، نهمها وغلواءها خلف مغريات الدنيا ليس له حدود، وحين تشعر بأن هذه المطامع والشهوات المحرمة قد مسها ضرر تصاب بالهياج والانفعال صارخة متوعدة كاشفة عن نرجسيتها البالغة إما أنا أو ليأتي من بعدي الطوفان.! لم تسمع منهم الجماهير منذ سنوات وسنوات سوى زخرف القول، وبات لسان كل مواطن صدق بأقوالهم لفترة من الزمن، ووضع ثقته فيهم بعد أن نال من أطنان وعودهم الكاذبة، ومشاريعهم الخاوية يقسم اليمين بأنه سيلفظهم وسيلفظ وعودهم.
مثل هذا النوع من السياسيين الذين ضربوا مصالح الجماهير عرض الحائط لا تهمهم مصالحهم لا من بعيد ولا من قريب، ولا مصير الوطن إن عشعش بين ظهرانيه الخراب، أو اشتعلت في كل أرجائه الحرائق، أو سفكت على بطاحه أنهارا من الدماء!!! وحين تعم الكوارث، وتتوالى المحن والمصائب على الوطن وفقرائه حينذاك أيضا يتراشقون التهم كالسهام فيما بينهم وكل يلقي باللائمة على شريكه في الحكم بأنه هو السبب الأول والأخير في هذه المأساة.!!! فيا لها من مأساة ودوامة لا تبدو لها نهاية في فلسطين الفجائع والجراح والآهات.
ولو كانت هذه اللقاءات والعداوات نابعة من جوهر الحرص على الوطن ولمصلحة المواطن لهان الأمر، لكن الواقع يؤكد إن المصالح هذه لا تمس الجماهير والوطن لا من بعيد ولا من قريب، وإن الجماهير باتت تعيش بين طاحونة الانقسام والشروخ والمهاترات الرهيبة التي تعصف بهم، وبين صراعات السياسيين المستمرة ولا أمل يرتجى بوضع حد لهذه الطاحونة الدموية التي باتت مستمرة ولا تبدو لها نهاية، ولكي أعمم هذه الحالة على الجميع، فالساحة الفلسطينية لا تخلو من سياسيين ومؤسسات وجمعيات وقادة من ذوي الضمائر الحية المتوقدة بنور الحق والأخلاق، والتي لم تلوثها الأطماع الشخصية والفصائلية والأهواء الشخصية، لكن تأثيرهم ودورهم ضعيف وضئيل وغير مؤثر في الساحة.
بقلم/ رامي الغف