في كل مرة يقترب فيها موعد الإنتخابات لبلدية "القدس" ....تتعالى وتظهر اصوات مقدسية تدعو للمشاركة في الإنتخابات البلدية تحت يافطة وذريعة،ان فوز عدد من الأعضاء العرب في الإنتخابات البلدية،من شانه ان يساهم في انتزاع المقدسيون لحقوقهم المطلبية الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية من "أنياب" هذه البلدية التي تجبي من المقدسيون مالا يقل عن 28 - 30% من مجموع الضرائب التي تجبيها من سكان القدس،وبالمقابل لا تقدم للعرب المقدسيين خدمات لا تزيد عن 6% من قيمة الضرائب المجباة،حيث القسم الأكبر من ما يجبرون على دفعه لتلك البلدية من ضرائب يذهب لتطوير البنية التحتية للمستوطنات والبؤر الإستيطانية في قلب الأحياء العربية،او لتطوير وتحسين البنية التحتية في الشطر الغربي من المدينة... وبعض الأصوات من الداعين للمشاركة في هذه الإنتخابات قد تحركهم نوازع ودوافع انتزاع حقوق العرب المقدسيين من بلدية الإحتلال،ولكن هناك من يترشحون ويدعون لخوض الإنتخابات لتلك البلدية إرتباطاً بمصالح وأجندات في النهاية تحاول أن تجمل صورة الإحتلال،وأن تظهره بالمظهر الحضاري والديمقراطي،وبأن تلك البلدية لا تفرق بين مواطنيها ولا تمارس سياسات التمييز والتطهير العرقي بحق السكان العرب في المدينة....وفي المقابل الذين يدعون لمقاطعة تلك الإنتخابات والذين يشكلون اغلبية المجتمع المقدسي،يرون بضرورة تغليب الوطني السياسي على المطلبي،وبالتالي عدم المشاركة في هذه الإنتخابات،وخصوصاً بعد التطورات السياسية الأخيرة،من انتقال الإدارة الأمريكية من الإنحياز التاريخي لجانب دولة الإحتلال الى المشاركة المباشرة في العدوان على شعبنا الفلسطيني،بإعتراف الرئيس الأمريكي المتطرف ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال،ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس،ورغم كل الحقائق والوقائع التي يسوقها المقدسيون جماهير ونخب ومؤسسات لعدم المشاركة في تلك الإنتخابات إنتخاباً وترشيحاً،والتي ساتي على ذكرها في سياق هذه المقالة،ولكن تغيب عنها الرؤيا والإستراتيجية الفلسطينية عامة والمقدسية خاصة،لكيفية التعاطي مع الهموم الإقتصادية والإجتماعية للمقدسيين،وتاتي الأمور والمعالجات والحلول في إطار ردات الفعل والعمل على الهمة،حتى عندما تقرر اجراء الإنتخابات للسلطات المجالس المحلية،غابت الرؤيا العملية،لكيفية مشاركة سكان القدس الواقعين داخل جدار الفصل العنصري في تلك الإنتخابات،والسلطة والأحزاب كانت تبحث عن حلول لمشاركتهم،بعيدا عن خوض أي اشتباك سياسي علني مع الإحتلال مقروناً ومتسلحة بالشرعية الدولية،ولتكتفي بالقول كتعبير عن حالة العجز المستديمة،بأن مشاركة المقدسيين من خارج جدار الفصل العنصري،تحقق مشاركة المقدسيين في هذه الإنتخابات،او انها تبحث عن حلول لا تحمل أي قيمة او معنى، بإجترار الحديث الممجوج،والعمل على إحياء اجسام هلامية،عفى عليها الزمن،ولا يمكن لها القيام بأي دور فعلي وعملي على الأرض،تفعيل امانة القدس نموذجاً.
الرافضون من قوى وفعاليات ومؤسسات وشخصيات مجتمعية ونخب فكرية وثقافية ودينية وغيرها ينطلقون في رفضهم للمشاركة في هذه الإنتخابات،متسلحين بالموقف التاريخي الفلسطيني القطعي القاضي بعدم المشاركة "ترشيحًا وانتخابا" في الانتخابات الإسرائيلية لبلدية الاحتلال في القدس،معتبرين هذا الموقف يأتي "استنادًا والتزامًا بالموقف الوطني المحدد بالمبادئ التالية أولا،القدس مدينة محتلة من إسرائيل المخالفة للقرارات والمبادئ المفاهيم الدولية والانسانية. وثانيا، التأكيد على عدم الاعتراف بشرعية ضم القدس التي احتلتها إسرائيل عام 1967".
وترى القوى أن المشاركة في الانتخابات تعني اعترافا سياسيا بضم شرق المدينة المرفوض فلسطينيا وعربيا ودوليا،وبأن المشاركة في هذه الإنتخابات تعني تساوقا وتأييدا للقرار الأميركي القاضي باعتراف ضم شرق القدس ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة، وهذا القرار اللاقانوني واللاشرعي مرفوض من قبل كافة المؤسسات الدولية.
وموقف منظمة التحرير الفلسطينية،ليس بعيداً عن موقف القوى والمؤسسات والشخصيات المقدسية،فأمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة الدكتور صائب عريقات،قال في بيان صحفيّ إنّ اللجنة التنفيذية "تؤكد دعمها المطلق للموقف الثابت والصامد التاريخي لأبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته في القدس المحتلة بشأن عدم المشاركة في انتخابات بلدية الاحتلال". كما واكد على "الرفض الصارم لمنح الشرعية لإسرائيل باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال،ومنح الشراكة في فرض وتنفيذ سياسات الاحتلال الاستعمارية العنصرية على المدينة المقدسة".
واعتبر انه "على ضوء الاعتراف الأمريكي الأحادي وغير القانوني بالقدس عاصمة لإسرائيل فإن المشاركة في الانتخابات ستساهم في مساعدة المؤسسة الإسرائيلية في ترويج مشروع القدس الكبرى".
التذرع بخوض تلك الإنتخابات والمشاركة فيها انتخاباً وترشيحاً،تحت حجج وذرائع،تحصيل الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية للمقدسيين الفلسطينيين المسطي عليها من قبل بلدية الإحتلال،تعوزه المصداقية،فنحن ندرك تماماً،انه بإمكاننا ان نخوض نضالا مطلبياً ضد بلدية الإحتلال بأكثر من شكل وعبر اكثر من هيئات او لجان تشكل لهذا الغرض،دون ان ننجر او نتساوق مع سياسات الإحتلال،الرامية لدفعنا للمشاركة في هذه الإنتخابات،وبما يقفز عن الجانب السياسي،الذي يشرعن ضم المدينة والإعتراف بها كعاصمة لدولة الإحتلال،في وقت تشكل فيه بلدية الإحتلال،احد اهم أذرع هذه الدولة،في تنفيذ سياسة القمع والتنكيل والتطهير العرقي،بحق السكان العرب المقدسيين،عبر سياسات الإستيطان ومصادرة أرضهم وهدم منازلهم وفرض الضرائب الباهظة عليهم،ولنا في تجربة اخوتنا في الداخل الفلسطيني- 48- عبرة ومثالاً،فهم ممن تفرض عليه الجنسية الإسرائيلية قصراً،ويشارك جزء لا بأس به منهم في الإنتخابات ليس للبلديات والسلطات المحلية فقط،بل للبرلمان " الكنيست" الإسرائيلي،ولكن لا يستطيعون التأثير في القرارات الحكومية الإسرائيلية،ذات البعد الإستراتيجي القضايا الأمنية والإستيطان وهدم المنازل وملكية الأراضي وغيرها،ولذلك نحن في القدس والتي تعتبر مدينة محتلة وفق القانون الدولي،لا يجوز ولا يحق لنا أن نغلب المطلبي على الوطني السياسي،ونختلق الحجج والذرائع لخرق الموقف الوطني والتساوق مع سياسات ومشاريع الإحتلال،ورغم الضجة الإعلامية التي يثيرها الإحتلال،حول الحديث عن استعداد العرب المقدسيين للمشاركة في هذه الإنتخابات،وبان هناك تطور وتغير في موقف المقدسيين منها،فنحن نرى ان ذلك يندرج في إطار التضخيم والترويج لمواقف الإحتلال،فعلى مدار سني الإحتلال الواحدة والخمسين وضمه قسراً للمدينة،لم تزد نسبة مشاركة العرب المقدسيين،في تلك الإنتخابات عن 1%.
بقلم :- راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
14/7/2018
0524533879
[email protected]