“المصالحة وإنهاء الانقسام“ الجزء الأخير

بقلم: علي الصالح

هل يمكن أن يشكل ما ينشر من تصريحات متفائلة على ألسنة مسؤولين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حقا الجزء12 والأخير من المسلسل الدرامي الفلسطيني "المصالحة وانهاء الانقسام"؟
هذا المسلسل الذي تفوق بعدد اجزائه على مسلسل "باب الحارة" السوري الذي عرض منه في رمضان الماضي الجزء العاشر. الفارق بينهما أن "باب الحارة لا يزال يشد اهتمام المشاهدين، وإن يكن على نحو أقل، أما المسلسل الفلسطيني فقد فقد بريقه وضجرت منه جموع الناس، التي خيب ظنها في كل أجزائه.
أحد عشر عاما و37 يوما بالتمام والكمال، يكون قد مر اليوم على الانقسام الذي يجسد وصمة عار على جبين كل فلسطيني، ليس لأن الانقسام حصل أصلا، وسالت بسببه دماء فلسطينية طاهرة، وأزهقت نتيجة له مئات الأرواح، لأول مرة على أرض الوطن، ونأمل أن تكون الأخيرة، على أرض فلسطينية غالية هي أرض غزة "غزة هاشم" التي كانت دوما مقبرة للأعداء لا الأشقاء. ليس لهذه الاسباب فحسب، بل لأنه تسبب في إحداث شرخ طولي في مجتمع غزة، الذي كان دوما متجانسا ومتحابا ومعطاء، وتسبب في جروح حتى على مستوى الأسرة الواحدة، نأمل أن يكون الزمن كفيلا بدملها.
أحد عشر عاما و37 يوما مرّت على أسوأ انشقاق سياسي فلسطيني، تعزز بالتباعد والفاصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
أحد عشر عاما و37 يوما ذهبت هدرا من تاريخ النضال الفلسطيني، استغلها المستفيدون والانتهازيون والمتربصون والأعداء، تتقدمهم دولة الاحتلال وحاول جميعهم اللعب على التناقضات وتكريس هذا الانقسام.
أحد عشر عاما و37 يوما علق عليها الفشل في تحقيق "السلام" وقضمت فيها الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية قطعة قطعة. وأصبحت كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها المسجد الأقصى مستباحة على نحو غير مسبوق والحفريات من تحته، ومن تحت المتحف الإسلامي تهدد بانهياره في أي هزة أرضية، وقد شهدت فلسطين التاريخية أكثر من خمسين هزة في غضون أسبوع، وينتظرون الهزة الأكبر التي ستكون مدمرة.
أحد عشر عاما و37 يوما تكاد فيها مدينة الخليل أن تكون معزولة عن بقية فلسطين، والحرم الإبراهيمي هوّد وغُيرت ملامحه الداخلية ليتناسق مع الرواية التلمودية، وهل تعلمون أن سلطات الاحتلال منعت رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي نحو645 مرة خلال 2017 .
أحد عشر عاما و37 يوما شهد الكثير من الاتفاقات والإعلانات عن قرب تحقيق المصالحة، وفي كل مرة تتصاعد الآمال ونشاهد فيها المسؤولين في الصور وهم يرفعون الأيدي وشارات النصر.. وفي كل مرة تخيب الظنون ويعود "الأشقاء الأعداء" للتراشق الإعلامي وتوجيه الاتهامات وإلقاء اللوم على الطرف الآخر. هذه المرة لا نريد صورا ولا شارات نصر وعناقا… ولا نريد أقوالا بل أفعالا على الأرض أرض غزة والضفة.
بعد أحد عشر عاما و37 يوما آن الأوان لوضع حد لهذا المسلسل المهزلة المسمى الانقسام، لأنه فعلا أصبح مضرا ومملا ومكررا وممجوجا، وبعد أحد عشر عاما و37 يوما ذاق خلالها شعبنا في غزة والضفة أيضا الأمرين، آن الأوان لرفع المعاناة عن هذا الشعب الذي يستحق حياة أفضل ومستقبلا واعدا خاليا من المآسي والدمار والقتل، فقد عانى شعبنا في غزة بما فيه الكفاية وما لا يتحمله بشر، جراء الاحتلال الغاشم والحصار الظالم المتواصل منذ أكثر من12 عاما تخللها ثلاث حروب في غضون 5 سنوات اولها حرب (2009/2008) وثانيها حرب2012 وآخرها حرب صيف 2014،، والحبل على الجرار، فها هم قادة الاحتلال يتوعدون بحرب رابعة ردا على الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، التي تطلق من غزة نحو بلدات إسرائيلية في غلاف غزة. ثلاث حروب قدّم خلالها شعبنا في غزة آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى ناهيك عن الدمار الذي فشل المجتمع الدولي رغم وعوده، بإصلاحه.
عاد الحراك في الأيام الأخيرة، مجددا إلى ملف المصالحة برعاية مصرية، ولا أحد يعرف الدوافع والأثمان والنوايا، وكما يقول المثل "ما في شي ببلاش".
المسؤولون الفلسطينيون الذين تحدثت اليهم مؤخرا يؤكدون على أن خطوات إنهاء الانقسام تسير بسرعة غير مسبوقة، وأن هناك جدية حقيقية، ونفسا ايجابيا خلت منه المحاولات السابقة، وما يبشر بالخير أنه لن تكون هناك حوارات أو اتفاقات أو وساطات جديدة. بمعنى أنه لن تكون هناك محادثات ماراثونية، بل تنفيذ للاتفاقات الموقعة سابقا، لا سيما اتفاقي 4 مايو ايار 2014 والقاهرة في12 اكتوبر/تشرين الأول 2017.
وهناك أيضا مؤشرات إيجابية من جانب قادة حماس التي عبر كبار مسؤوليها عن قبولها للرؤية المصرية لانهاء الانقسام. وفي حال انهاء الانقسام فإنه ستجري الدعوة للانتخابات بشقيها الرئاسي والتشريعي، في غضون أشهر، ويفترض أن يعاد ترتيب المجلس الوطني لمنظمة التحرير ومؤسساتها الاخرى على أسس عصرية قادرة على مواجهة التحديات والمستجدات.
وأخيرا فإن كل ما تقدم ـ حتى الان ـ ليس إلا كلاما يحتاج إلى ترجمة على الأرض، وكما ذكرنا سابقا، فإن الشيطان في التفاصيل والتنفيذ. ونأمل في هذه المرة ألا نستمع إلى الشيطان بل الشياطين وأن نحسن النوايا ونصْدُقها. فالاوضاع والظروف والمؤامرات التي تواجهها القضية الفلسطينية والضربات الإسرائيلية المتتالية، لا تحتمل المماطلة، فمن "صفقة القرن" إلى الإجراءات المتسارعة لسلطات الاحتلال على الأرض، منها إطباق الخناق على القدس وعزلها عن الضفة الغربية، بهدم كل التجمعات البدوية من حولها مثل الخان الأحمر، ومصادرة المنازل في حي سلوان والمنازل المحيطة بالأقصى والحفريات تحت المتحف الإسلامي إلى المطالبات بقطع مخصصات الأسرى والشهداء، وتضييق الخناق على غزة. وسن قوانين عنصرية آخرها قانون القومية. وفتح جبهات عديدة اخرى لا تعد ولا تحصى لتفريق الجهد الفلسطيني، ونحن أصبحنا بردود أفعالنا كدجاجة مقطوعة الرأس لا نعرف بأي اتجاه نسير.
تحقيق المصالحة وانهاء الانقسام لم يعد خيارا، بل ضرورة ملحة ليس من اليوم بل من اليوم الأول الذي وقع فيها الانقسام في ذاك اليوم الأسود من يونيو/حزيران 2007. يجب وباسرع وقت، دمل هذا الجرح الدامي، الذي علقت عليه كل المشاكل التي تعيشها القضية الفلسطينية.. فحتى ما يسمى بعملية السلام يزعمون أنها توقفت بسبب الانشقاق الحاصل، مع أن الانشقاق جاء بعد 14 عاما على توقيع اتفاق اوسلو المشؤوم، عادت فيها قوات الاحتلال إلى احتلال الضفة الغربية، واستباحت كل بنود ذاك الاتفاق.
واختتم بالقول: اسحبوا البساط من تحت أرجل المدعين والمزاودين والمتربصين والأعداء، وحدوا الصفوف لمواجهة ما هو مقبل والمقبل أعظم.
سياسة رد الفعل التي كانت ولا تزال نهجنا على مدى سنوات اتفاق اوسلو المشؤوم لم تعد مجدية واثبتت فشلها فللعدو اليد العليا، وهو القادر على إدارة هذه المعركة بحرفية.
استبدلوا هذه الاستراتيجيات البالية بأخرى أكثر عصرية كفيلة بالتصدي لمؤامرات "الاشقاء العرب" قبل الاعداء.
لا تتركوا ثغرة تمكن العدو من التسلل من خلالها لإحداث مزيد من شق الصفوف.
إدركوا جيدا أن المبادرات الإنسانية نحو غزة ما هي إلا طعم سام هدفه فصل القطاع عن الضفة، وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وتذكروا أن الوضع الإنساني الكارثي في غزة ليس وليد الامس، بل قائما منذ فرض الحصار الاحتلالي عليه قبل أكثر من12 عاما، ولم يحرك المتباكون عليه إن كانوا عربا او أمريكيين او إسرائيليين، فدموعهم ليست إلا دموع تماسيح.. واجعلوا من هذه المصالحة فعلا الجزء الاخير من هذا المسلسل الدامي.


علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"