اللاعنف ... أن تنتصر على ذاتك

بقلم: عدنان الصباح

حين تصل بعدوك حد الانبهار بك وبسلوكك وأخلاقك وتدفعه مجبرا إلى محاولة تقليدك ولا يستطيع فأنت بالتأكيد تكون قد ألحقت به كل الهزائم

ما هو اخطر من الأسلحة وقدرتها على إلحاق الهزيمة بالخصم في أي من الحروب والمنازعات وإشكال الصراع هو قدرة الخصم على إبهار عدوه ودفعه للشعور بالإعجاب بخصمه وبالتالي بالعجز عن القدرة على الوصول إلى مستواه وعادة ما تلجأ الدول الاستعمارية وجيوشها وأجهزتها إلى فعل ذلك بأشكال وصور مختلفة بهدف إفقاد الخصم ثقته بنفسه فعلا وفكرا وبالتالي إلحاق الهزيمة به حتى قبل شن الحرب العسكرية على الأرض, فشعور العجز والانبهار بالخصم هما اخطر عدوين لدودين ضد الذات وبالتالي فان تحقيق الانتصار على الذات هو المهمة الأولى الضرورية لتجهيزها ضد الهزيمة بكل أشكالها.

من غير المعقول أن تتمكن من إلحاق الهزيمة بخصم يمتهن النزاهة والشفافية والصدق ويواصل عمله ويقظته بلا توقف في حين تكتفي أنت بالصراخ ونفخ الذات في حين تتفشى لديك كل الأمراض بدءا من الكذب وانتهاء بالخيانة, في حين انك تدرك جيدا ما يتميز به عدوك بل وأنت نفسك تتغنى بهذا التمايز.

في الوطن العربي هناك كتاب واحد يصدر لكل 12 ألف مواطن بينما في انجلترا يتم إصدار كتاب واحد لكل 500 مواطن وتشير بعض الإحصائيات أن كل 80 مواطن عربي يقرؤون كتابا واحدا في العام بينما يقرأ الأوروبي 35 كتاب في السنة والإسرائيلي نفس عدد الكتب التي يقرأها الأوروبي تقريبا في السنة وفي تقرير نشرته مؤسسة الفكر العربي ذكرت فيه ان العربي يقرأ بمعدل ستة دقائق في العام بينما يقرأ الأوروبي 200 ساعة في العام وقد نشر في إسرائيل في العام 2014 7628 كتابا ورقيا و417كتابا الكترونيا و419 كتابا مسموعا بينما كان مجموع ما نشر في نفس العام في جميع الدول العربية 5000 كتاب فأين هي المقارنة الممكنة وكم نحن بحاجة لزمن لجسر الهوة هذه ان قررنا البدء بذلك ونحن لم نفعل حتى الآن. وحتى تجارة الكتب فه في السوق العربي لا تتجاوز 4 مليون دولار سنويا بينما يصل هذا الرقم إلى 12 مليار دولار سنويا في الاتحاد الأوروبي. فأي قدرة سيملكها من لا يقرأ ومن لا يستخدم عقله في التفكير وبالتالي من لا يمكنه ولا يملك حق النقد والانتقاد والتغيير في ذاته ومجتمعه لتحقيق النصر على خصمه.

في دولة الاحتلال العنصرية تمت محاكمة وسجن رئيس الدولة ورئيس الوزراء ويجري اليوم التحقيق مع رئيس الوزراء الحالي ويتم استدعائه إلى التحقيق هو وزوجته ومساعديه ولم يجر من قبله ولا من قبل حزبه ولا أعوانه أية محاولة لقلب نظام الحكم أو عزل المسئولين عن التحقيق أو اعتقالهم أو اتهامهم بالخيانة والتآمر أو اغتيالهم وقد نجد نتنياهو يحل محل اولمرت في السجن دون أن يتغير شيء في دولة الاحتلال العنصرية في حين لم يجري أي تغيير على الإطلاق على حالة الرضا المطلقة عن الذات وعن القيادات وعن المؤسسات في الجانب العربي والفلسطيني منذ عقود وعقود وأي تغيير يجري يأتي بموت صاحب السلطة ودفن ما اقترفه وإلغاء ما تركه من خلفه والبدء بعهد جديد ينتمي لصاحب السلطة الجديد ولا علاقة له على الإطلاق بالشعب وقضاياه وإرادته.

لا يكفي إذن ان تشتري سلاح الأعداء لتحاربهم به فالإحصائيات تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق حوالي 4% من ناتجها المحلي على التسليح والصين حوالي 3%بينما تنفق السعودية حوالي 14% والإمارات حوالي 6% وفي حين تنفق إسرائيل على التسليح 9 بليون دولار في السنة فان السعودية تنفق 75 بليون دولار سنويا وفي حين تنفق إسرائيل أكثر من 11 بليون دولار سنويا على البحث العلمي تنفق السعودية اقل من 2 بليون دولار في السنة وبالتأكيد فان النتائج ظاهرة للعيان.

نحن نحارب احتلال منظم إلى أعلى درجات التنظيم وقادر على إدارة الوقت والجهد للفرد والمجموع بشكل لافت وهو حريص على بيته الداخلي بشكل ملحوظ فلا يترك شاردة ولا واردة لا في القمة ولا في القاع إلا ويهتم بها بأدق التفاصيل, عدو يعترف بأخطائه ويحاسب نفسه بشدة لافتة في ذلك وهو لا يسهو عن شيء يخصه ويحترم الأنظمة واللوائح والقوانين منشغل ببناء ذاته وهدم ذواتنا موحد لنفسه ساعي بكل ما أوتي من قوة لتمزيقنا فأين إذن هي السبل الكفيلة بجعلنا ننتصر عليه ونحن نغرق كل يوم في فوضى وانقسام وتعظيم كاذب للذوات بلا حدود ونقبل ما يأتي به الحاكم والقائد والمدير والمسئول حتى دون ان ننبس ببنت شفة ولو كان في ما نقول مصلحة حقيقية للحاكم نفسه فهو في بلادنا لا ينطق عن الهوى لذا نلجأ راغبين لتكذيب أنفسنا وأعيننا ونعلن تصديقه كذبا وحين يقع نكون أول من ننهش لحمه وقد كان في القذافي ومبارك وزين العابدين اكبر ثال على ذلك فلم يبق احد لم يشارك في ذبهم حتى من كان مستفيدا منهم ومطبلا مزمرا لهم فكيف يمكن لأمة تقوم أفعالها وإداراتها وأخلاقها وقيمها على الكذب أن تحرز نصرا أيا كان هذا النصر قبل أن تنتصر على ذاتها أولا وما ينطبق على الحاكم الأول ينطبق في بلادنا على الحاكم الأصغر وصولا إلى الأب في البيت وصاحب الدكان وهكذا.

قبل أن تحارب عدوك حاول أن تتفوق عليه بذاتك فعلا لا بأقوالك ورضاك المعلن كذبا عن الذات وفي سبيل ذلك حارب الكذب والفوضى وغياب الأخلاق في سلوكك واقهر عدوك ألف مرة بحسن الخلق والنزاهة والاستقامة والشفافية ونقد الذات وتحمل الصبر والأعباء أفرادا وجماعات وتعميق الانتماء سلوكا لا قولا وتقديم نفسك الفردية والجماعية كذات راقية خلوقة مستقيمة مؤمنة بالحق والعدل أينما كان فأنت بذلك تكون قد ألحقت الهزيمة بعدوك قبل أن تطلق عليه رصاصة واحدة.

حين تصل بعدوك حد الانبهار بك وبسلوكك وأخلاقك وتدفعه مجبرا إلى محاولة تقليدك ولا يستطيع فأنت بالتأكيد تكون قد ألحقت به كل الهزائم, وفي سبيل الوصول إلى ذلك فان الخطوة الأولى الضرورية هي التوقف المطلق عن حالة الرضا الأرعن عن الذات والتغني بها والعودة إلى مبضع الجراح فحصا ونقدا وتدريبا وتأهيلا حتى تتمكن من الوقوف في مصاف الأمم الحية والانتماء إليها ولذا فان عليك أن تسعى جاهدا لإحداث الفرق لصالحك بما يجعل هذا الفرق كبيرا وظاهرا للجميع حتى يتسنى لك التفوق على عدوك أخلاقيا فالأسلحة وحدها لا تصنع نصرا إن لم يكن لمن يستخدمها مبادئ وقيم وأخلاق وسلوك وأهداف تستحق النصر.

بقلم/ عدنان الصباح