بعدما أعلنت حركة حماس موافقتها الرسمية على الورقة المصرية للمصالحة بكل تفاصيلها بلا شرط وبلا قيد , إستمرت حركة فتح عدة أيام من المشاورات في بنود الورقة , والتي تتكون من عشرة نقاط وأربعة مراحل , ومن المقرر أن يتم الرد النهائي على الورقة اليوم , وكنت أتوقع بحسب متابعتي للموضوع أن تعديلات حركة فتح على الورقة ستركز على البند المالي الذي ينص على أن السلطة ترفع العقوبات عن غزة من خلال تأمين رواتب كاملة لموظفين السلطة , وعودة الكهرباء وبالإضافة الى موازنة تشغيل الوزارات , وذلك خلال إسبوع فقط حسب الورقة , توقعت أن السلطة ستقول أن إسبوع ليس كافيا لتأمين موازنة كبيرة تشمل رواتب وكهرباء وتشغيل وزارات , وخاصة أن هذه البنود في المرحلة الأولى من الورقة , وأيضا البند الثالث من المرحلة الثانية للورقة ينص على أن تسلم حركة حماس الجباية للحكومة مع إقتطاع جزء من أموال الجباية لصرف رواتب موظفين حماس العسكريين لحين إنتهاء اللجنة الإدارية والقانونية , وأيضا هذا ما توقعت أن ترفضه حركة فتح , ولكني تفاجئت اليوم بأن التعديل الأساسي والوحيد لحركة فتح على الورقة هو التمكين , فأدركت أن مصطلح التمكين لا زال كابوسا يزعج أحلام المصالحة , فاصبح لدى الناس علامات إستفهام كثيرة حول مصطلح التمكين , فما هو التمكين ؟ كلمة التمكين في حد ذاتها أصبحت تستخدم في سياقين , السياق السياسي والسياق الإداري , ولأن النزاع بين فتح وحماس لا زال قائما فكان للسياق السياسي نصيب الأسد من كلمة التمكين .
قبل أن نشرح عن التمكين يجب أن نعلم أنه من الخطأ التركيز عليها من قبل حركة فتح وفي هذه المرحلة بالذات , لأن المخابرات المصرية كتبت المرحلة الأولى من الورقة أن تعود الحكومة لغزة لإستلام وزاراتهم على نفس الهيكلية الإدارية الموجودة حاليا لحين إنتهاء عمل اللجنة الإدارية والقانونية , وهذا بحد ذاته تمكين للحكومة ولكن بالشكل المهني والأكثر واقعية , وأيضا كان على حركة فتح أن تدرك أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هو بند رئيسي في الورقة , وسيتم خلال خمس أسابيع وهذا يعني أن عمر حكومة الوفاق في غزة لا يزيد عن خمس أسابيع , فمن الخطأ التركيز على حكومة سينتهي دورها خلال خمس أسابيع .
ما هو التمكين ؟ برأيي أنه يجب أن نفهم واقع غزة كي نفهم التمكين , حركة حماس تسيطر على قطاع غزة منذ إثني عشر عاما بكل تفاصيله , وهناك مؤسسات للحركة يجب فصلها عن الحكومة كي نحصر كلمة التمكين في مكان واحد , حركة حماس في قطاع غزة تتكون من حكومة وقضاء وتشريعي ودعوة وقسام ومكتب سياسي يتحكم في كل هذه المؤسسات , وكل هذه المؤسسات شكلت في غزة منظومة حكم واحدة لا أحد يستثني الأخر , بالإضافة الى التدخلات التي تفرضها مؤسسة القسام والدعوة على باقي المؤسسات , وإستمرت هذه المنظومة الواحدة في غزة منذ إثني عشر عاما وحتى هذه اللحظة , فيجب أولا فصل مؤسسات القسام والدعوة عن المؤسسات الحكومية بشكل كامل كي نحصر التمكين في مكان واحد , وكي يتسنى لحكومة الوفاق التناغم مع مؤسسات الحكومة في غزة , وفي حال فصلنا جهازي القسام والدعوة عن الحكومة , أيضا موضوع التكمين لا يكون سهلا ولكنه سيكون مقبولا الى حد ما , والسبب لأنه يوجد إثنين وأربعين ألف موظفا لحماس في غزة يسيطرون على مفاصل الحياة , ومن بينهم وكلاء وزارات ومدراء عامون ومدراء دوائر ورؤساء أقسام ... إلخ , فمن الصعب أن يأتي شخص بصفته وزير وبعد سنوات طويلة أن يسيطر على هذه المنظومة في يوم وليلة , فيجب أن يأخذ وقتا كافيا كي يتناغم مع الهيكلية الإدارية الموجودة على أرض الواقع .
كلمة تمكين ليس سهلة كما يظن البعض , وخاصة إذا وضعناها في سياق سياسي ونسينا أن مهمتها الأساسية إدارية , فيجب أن ندرك أن التمكين يحتاج وقت كافي بعد عزلة إثني عشر عاما , ويحتاج مرونة أكثر من الطرفين .
برأيي أنه من الخطأ التركيز عليها في هذا الوقت الحساس , وخاصة أنه من المفترض أن تنتهي مهمة حكومة الوفاق فور تشكيل حكومة وحدة وطنية بحسب ما تنص عليه الورقة المصرية , وخاصة أنه في حال تشكيل حكومة وحدة وطنية , ستتغير معالم التمكين الذي نتحدث عنه في الوقت الراهن , لأن معظم الفصائل ستشارك في الحكومة , وسيتم تقسيم الأدوار عليها , وسننتقل من مرحلة التمكين الى مرحلة المحاصصة .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي
فلسطين – غزة