حينما تنهض الشعوب ينتهي مفعول لعبة الأمم

بقلم: عبد الحميد الهمشري

حينما نهض الشعب الألماني أسقط جدار برلين وأنهى الانقسام ، فما صنعه أولاً أزال ما صنعته الهزيمة وما فرضته رغبة المنتشي بجلوة النصر بتجزئة بلده إلى نصفين، فتوحدت ألمانيا وصار يشار لها بالبنان كقوة اقتصادية عظمى تسعى للبناء والتعمير ، وحينما انهار الاتحاد السوفييتي بعد أن جرى تفكيكه بمساعدة عملاء روس متنفذين في الحزب الشيوعي السوفييتي وفي المخابرات السوفييتية ، أدرك الروس أن النخب الغربية كاذبة ، كلها خداع ونفاق ، لن تعمل على تطوير روسيا، ولن تسمح لها ببناء اقتصادها ، بل أخذت تعمل على نهب تلك البلاد وتخريبها ، فدمرّوا مسيرة 70 عاماً من المعرفة والبناء والعطاء .

وبعد عقدين من العمل الواعي البناء ها هي روسيا تتمكن بفعل المخلصين فيها من استعادة هيبتها ومنعتها وأعادت بناء القوة التي كان يملكها الاتحاد السوفييتي قبل الانهيار ، ونجحوا في ضمان أمن وموارد روسيا، وفي إعداد مجتمع تتكامل فيه السياسة والاقتصاد والقوّة والأخلاق ، فأنهوا بذلك لعبة العالم الغربي الذي يسعى دوماً لنهب خيرات الأمم الأخرى وتدمير بناها التحتية ليبقيها في الحضيض ، وبناء حضارتهم على أنقاضها وعلى ويلات الأمم الأخرى ومصائبها ، كما فعل وما زال يفعل ضد دول عالمنا العربي والإسلامي التي مع الأسف الشديد استكانت لهيمنته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولغاية الآن ، وسلمت أمرها له ووضعت كل بيضها في سلاله رغم علم شعوب دوله بذلك ، ورغم ما يصنعه من تحكم في مواردها والتدخل في شؤونها واحتضانه للمشروع الصهيوني المُمَثَّل بالكيان العبري .. فنهب خيراتها وحال دون ارتباطها بغيره حتى لا تقوم لها قائمة وتبقى دفائن بلادنا وما نستهلك تصب في صالح خزائنه ، لنبقى البقرة الحلوب له تدر عليه كما يقال السمن واللبن والعسل الذي يتسبب في سعادته وتعاستنا وشقائنا ، فشعوبنا مكتوب عليها الجوع والتعاسة والشقاء ، لا تملك أمناً غذائياً ولا أماناً اجتماعياً ولا الاستقرار الذي نحلم به أسوة بكل شعوب الأرض ، فنتحمل فوق ما لا تطيقه الجبال ، والخلاف والاختلاف هو سيد الموقف بين كياناتنا ، لدرجة أن البعض يدفع له الخاوات عن طيب خاطر ، وكل من ينبت له ريش ويحاول الطيران تجري قصقصة أجنحته بتدمير بناه التحتية كما فعلت في العراق وليبيا وسوريا واليمن والبقية تأتي ، ليبقى بصفة دائمة بلا أجنحة ولا يقوى على الحراك ، والأدهى والأمر من ذلك وضعته في شراك لا يمكنه الخلاص منه ، الفرقة والصراع الداخلي بين مختلف أقطاره وبإقامة كيان المكر والخديعة الاحتلالي الإحلالي في فلسطين ، تزوده بالسلاح الفتاك والمتطور بالمجان وتحسم أثمانه من أرصدة بلدان الطاعة والولاء.

فصنع في فلسطين كيان احتلالي إحلالي ومع ذلك بقينا نسير خلفه ونتقبل بما يمليه علينا ، سواء عن طيب خاطر أو مرغمين ، تحت حجج واهية غالبيتها من صنيعه ، سواء لمحاربة الشيوعية تارة والفكر المتطرف تارة أخرى والتي هي بترتيب منه وتأليب هذا على ذاك ليبقى حيلنا بيننا في سبيل فرقتنا ومحاربة بعضنا بعضا ، ولشغلنا عما يحوطنا من مخاطر ومفاسد ومهالك ، لنبقى ندور في الحلقة المفرغة دون أن نتمكن من السير في ركب الحضارة الإنسانية.

إرهابهم ضدنا متشعب ، فكري ثقافي اجتماعي ديني عسكري اقتصادي علمي استخباري ونفسي ، فهم يحاربوننا بمعتقدنا ، بعاداتنا ، بتقاليدنا ، بلغتنا ، بثقافتنا ، بتحلفاتنا ، بتطورنا العلمي والارتقاء بنهجنا الفكري ..

يمارسون إرهابهم علينا ويتهموننا بالإرهاب ، يتدخلون بشؤوننا ، حتى بأسلوب معاشنا ، فرضوا كياناً دخيلاً علينا ومكنوه من تحقيق انتصارات برغبتنا ، والآن ملكوه الشجر والحجر والأرض والتراث والمقدسات تمهيداً لقلعنا ، مثلما صنعوا في بلاد الهنود الحمر وشكلوها وأطلقوا عليها تسميات بعد أن أبادوا سكانها ، فعلوا ويفعلون في فلسطين الآن ذات الشيء وسيفعلوا في منطقتنا ما يشاؤون إن استمر حالنا على ما هو عليه ، هكذا هم يعتقدون ويفعلون ويسعون لتكون بلداننا العالم الجديد المختلف الأصول والجذور ، ليكون العالم الذي ينشدون ، العالم الجديد بعد غسل الأدمغة والعقول ، بعد فرض الإرادة الصهيونية عليها . لكن دعوني أقول أنهم جد واهمون وبئس ما يفعلون ويصنعون، صحيح أن عدونا الصهيوني بخطى ثابتة يسير ويصنع ما يريد دون ضجيج ، كأن لا أحد يدري بما يجري ، الموقف الرسمي لدينا ، أقولها وبكل أسف متفدم على مواقف الشارع الشعبي ومؤسسات المجتمع المدني من نقابات ومؤسسات وجمعيات ومنظمات ، صحيح أنها لا تسمن ولا تغني من جوع ، لكنها تبقى موقف متقدم على الموقف الشعبي النقابي والحزبي وباقي مؤسسات المجتمع المدني ، فيه على الأقل احتجاج وإدانة وشجب واستنكار فما أقدم عليه العدو الصهيوني من الحصول على موافقة الكنيست الصهيوني - برلمان الكيان الصهيوني المشرع لكل قوانينه - على قانون يهودية الدولة سيجعل بموجب هذا التشريع الأرض الفلسطينية بتتكلم عبري والمقدسات من ينظم أمورها عبري وسماءها كله عبري بعبري ، بعد طمس الوجود العربي والإسلامي منها بدعم الغرب اليورو - أمريكي ، ومع ذلك لا موقف شعبي من ذلك بل فقط موقف إدانة رسمي والشعبي ما زال أذن من طن وأخرى من عجين ، فلقد طفح الكيل ولم يعد هناك مجال للقبول ولا مكان للتهاون فأصبحنا جميعاً في عين العاصفة والمخاطر تحدق بالجميع وتستقصد الجميع .. مطلوب منا صنع ما صنعه الشعب الألماني وقادته وما صنعه الروس وقادتهم إن أردنا الخير لمجتمعاتنا ولبلداننا ولأجيالنا القادمة والخلاص من الهجمة الاستيطانية الإحلالية الاحتلالية والتي لن تكون إلا بتضافر جهودنا جميعاً رعاة ورعية لأنه لا حاكم ولا محكوم في ظل هيمنة صهيو يورو أمريكية لأنه حينما تنهض الشعوب فقط ينتهي مفعول لعبة الأمم ويتحقق الاستقرار والاستقلال بمعنى الاستقلال الحق والعزة والرخاء والأمن والأمان والتي تتوق لها كل أمم وشعوب الأرض .

بقلم/عبدالحميد الهمشري