بداية لا نريد أن ندخل في القراءة الإنسانية لدور الأونروا أو وكالة غوث اللاجئين وتشغيلهم المرافق لعملية النكبة وخروج أكثر من مليون فلسطيني من أرضهم وأملاكهم في عام 1948 والذين أصبح تعدادهم اليوم ما يفوق 7 مليون لأجيء فلسطيني يتمحور وجودهم بشكل أساسي في غزة والضفة والأردن ولبنان وسوريا وهناك تجمعات صغيرة في الشتات في أوروبا والأمريكتين واستراليا ومصر ودول عربية.
ولكن ماذا يحدث من إجراءات وممارسات وقرارات تتخذها الأونروا في هذا الوقت بالذات، ما هي المدلولات السياسية والأمنية لتلك الإجراءات، لقد أفادت عدة تقارير بأن الأونروا قد خفضت خدماتها للاجئين الفلسطينيين في قطاع التشغيل والتعليم وفي موازنات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويقال أن الأونروا الآن تتخذ قراراً بدفع نصف راتب للمعلمين والعاملين في الأونروا وتقليص في الإداريين والمدرسين وتشغيل البطالة وزيادة عدد التلاميذ في الفصول وتقليص تعداد المدرسين، فضلا عن إجراءات سابقة لتقليص خدماتها الغذائية للاجئين الفلسطينيين.
لقد كانت الأونروا مشروع دولي لتغطية حاجة اللاجئ الفلسطيني بينما تطبق قرارات الشرعية الدولية بالعودة إلى أوطانهم واستمرت خدماتها من الدول المانحة الطوعية لدفع تلك المبالغ لمؤسساتها .
ولكن تقول الأونروا الآن أن الدول المانحة قلصت من مساعداتها ومنها من لم يدفع مساعدات وبالتأكيد أن كندا والولايات المتحدة والنرويج ودول أخرى هي أكبر المساهمين في تمويل موازنة وكالة الغوث للاجئين.
نعتبر أن كل تلك الإجراءات التي تمارسها الأونروا بالتأكيد كمؤسسة غير مستقلة بل تابعة للدول المانحة ورؤيتها السياسية هي عملية من عمليات الحصار السياسي والثقافي والأمني المكتمل على الشعب الفلسطيني سواء في داخل الوطن أو خارج الوطن.
كل شيء محاصر في حياة الشعب الفلسطيني، صبيحة هذا اليوم قد يقر الكنيست الإسرائيلي استباحة باحات المسجد الأقصى وبشكل جماعي وفي نفس الوقت تطرح رؤية لتقاسم القدس زمانياً ومكانياً أما قضية الخليل والمسجد الإبراهيمي فهو خاضع للسيطرة الصهيونية أيضا.
هناك عدم تعاطي جاد مع المشكلة الإنسانية والوطنية الفلسطينية من قبل المجتمع الدولي سواء في موضوع الحقوق الإنسانية وحقوق اللاجئين إلى الحقوق الوطنية على الأرض الفلسطينية في الأراضي المحتلة إلى الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين والتي تتملص أحيانا من التزاماتها تجاه اللاجيء الفلسطيني وتترك الأمر إلى وكالة الغوث للاجئين.
قد اعترضت بعض الدول الحاضنة للاجئين الفلسطينيين على تقليصات الأونروا واعتبرت أن هذا يهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني في دولهم، وهي محقة في ذلك.
ولكن في اعتقادنا لا يخرج تقليص موازنة الأونروا من الدول المانحة عبثاً، بل ممنهجاً متفقا ومتوافقا مع الأطروحات السياسية وأهمها الأطروحات الكندية والأمريكية والصهيونية والإنسجام والإلتقاء في بعض محطاته مع برنامج السلطة الفلسطينية الذي لم يجزم بعودة اللاجئين بل استند إلى المبادرة العربية التي تقول “بحل عادل ومتفق عليه للاجئين” ولم ترجع المبادرة العربية بشكل يجزم لقرارات الشرعية الدولية.
في زيارة الرئيس الفرنسي للمقاطعة في رام الله قد قرن وقف الاستيطان بتنازل السلطة الفلسطينية عن حق العودة وهذا يعتبر من ضمن التهميش الفائق لقضية اللاجئين ذات البعد التاريخي والحقوقي والإنساني والوطني إلى أن تقرن بقضية الاستيطان وتوسع الاستيطان، هذا هو منظار الكتلة الدولية في العالم لقضية اللاجئين التي طرحت لها أكثر من حل من التوطين والتعويض.
مظاهر تستند إليها الدول المانحة قد تؤدي إلى إلغاء موازنة الأونروا كليا ومنح جزء منها لسلطة الحكم الذاتي وجزء آخر منها للدول الحاضنة للاجئين الفلسطينيين كتخلص تام من الخدمات وخاصة أن مظاهر اللجوء لم تعد موجودة في المكانية الجغرافية لأماكن التواجد من بنية تحتية كمشاريع الإسكان البديلة عن المخيمات، حيث أصبحت المخيمات الفلسطينية في بعض مناطق الوجود عبارة عن مدن حديثة، بالإضافة إلى أن الكثير من اللاجئين الفلسطينيين أصبحت تغطيهم رواتب السلطة باستثناء الفلسطينيين القادمين من الخارج الذين لم تتوفر لهم أي خدمات من الاونروا.
تلك المظاهر ربما تخضع لمراكز الدراسات الإستراتيجية العالمية في الدول الغربية وغير الغربية وهي حلقة من الحلقات التي يمكن أن تتذرع بها وكالة الغوث للاجئين بإيقاف خدماتها ومقايضة الحكومات والسلطة الفلسطينية بالمال المرافق لبرنامج سياسي لتحسين أحوال اللاجئين الفلسطينيين في كل من الضفة وغزة والساحة اللبنانية والسورية والأردنية.
ربما هذا المنظور استقرائي مبني على الشواهد والقرارات المتتالية والتراجعات في خدمات الأونروا وما يتوافق مع البرنامج السياسي الفلسطيني الهابط والفاشل في إحياء قضية اللاجئين كقضية حيوية بمتطلباتهم الإنسانية والقومية والوطنية.
فلم يعد في برنامج السلطة ومنظمة التحرير أي لوحة من لوحات مبادئ التحرير للأرض وإقامة الدولة على الأرض الفلسطينية بل قد انتزع البرنامج الفلسطيني 82% من الأرض الفلسطينية للاجئين من جغرافيته السياسية وإعطائها للصهاينة مقابل وجود دولة تستوعب أعداد محدودة من اللاجئين في حدودها على أراضي 1976 في منظور حل الدولتين الفاشل أيضا الذي لم تدع له إسرائيل مكاناً من استيطان وتغيير ديموغرافي واستيلاء على أراضي أمنية واقتصادية في الضفة الغربية تحيل تطبيق حل الدولتين.
إذاً ما يفكر فيه الغرب و(اسرائيل) ربما هو ينسجم بل مدخل لهم بناء على برنامج السلطة ومنظمة التحرير المعمول به.
وربما الشهور القادمة قد يزيد الحصار على الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده مع إنهيارات سياسية أهمها ستكون في الضفة الغربية لفشل البرنامج الفلسطيني وتشبع البرنامج الإسرائيلي بما له وما يطلبه في الضفة الغربية، حيث فقدت القيادة السياسية الفلسطينية كل الأوراق الممكنة لكي تفاوض فقط على شجر الزيتون أما القوة الأمنية فهي قوة منسقة تماماً مع (إسرائيل) وتنفصل تماماً في مهامها عن القيادة السياسية وهذا ما يرشح إنهاء
ور القيادة السياسية الموجودة الآن في رام الله واستبدالها بقيادات مكانية لتدير مجموعة مدن في الضفة الغربية ومشاريع اقتصادية وبتعاون أمني مرتبط بالشرق و(إسرائيل) أيضا مع تلك القوى.
إذاً قد نستقريء أن كل الإجراءات التي تقوم بها الأونروا ليست إجراءات تنم عن عجز مالي بل هي رؤية سياسية من الدول المانحة لكي تحيل ملف اللاجئين إلى الدول التي تستضيف اللاجئين مع فتح باب الهجرة أكثر فأكثر هذا ما نستطيع أن توفره الشواهد الحالية والمظاهر المهددة لكي تقوم وكالة الغوث بدورها الإنساني في حماية وتشغيل اللاجئين وفي ظل غياب مبدأ العودة.
بقلم/ سميح خلف