هي الحقيقة المرة فيجب أن نتجرعها ولا ننكرها , إنها أزمة الثقة والتي تنهش الجسد الفلسطيني من الداخل والخارج , كما أن أشقائنا العرب لا يثقون بنا بسبب الإنقسام , فنحن أيضا لا نثق ببعضنا البعض شعبا وأحزابا وحكومات , فهناك أزمة ثقة حقيقية في صفوف الفلسطينيين , الشعب لا يثق بالأحزاب على الإطلاق , فالعلاقة بين الشعب والأحزاب والتي تتمثل في إنتمائهم لأي حزب لا تتعدى الرواتب والمنفعة الشخصية , ولو فتحت أبواب الهجرة على مسرعيها لما وجدنا ولا شاب ينتمي الى الأحزاب , فإذا كانت الأحزاب لا تثق ببعضها البعض فكيف للشعب أن يثق بالأحزاب , وهناك أزمة ثقة أيضا في داخل الحزب الواحد بين أفراد الحزب وقياداته أيضا , فكل قيادي أو شخص له توجهاته الخاصة والتي تعتقد من خلالها أنه الأفضل على الإطلاق دون منازع أو شريك , فالأفراد في الأحزاب لا يثقون في قياداتهم وذلك بسبب أزمة الثقة العامة والتي باتت تشكل منظومة متكاملة تنهش الجسم الفلسطيني , وهكذا نكون قد فقدنا الشراكة في الرأي والحوار الهادف والبناء , وأيضا فقدنا القدوة والتي يشكل العمود الفقري للكيان الفلسطيني , ومن خلال أزمة الثقة وصلنا الى طريق مسدود في مسيرة النضال ضد إسرائيل منذ سبعين عاما , فمن ينادي بالحرب لا يثق بمن ينادي بالسلام , والعكس صحيح , ومن ينادي بدولة المؤسسات لا يثق بمن ينادي بدولة الأحزاب , والعكس صحيح , ومن ينادي بالدولة المدنية لا يثق بمن ينادي بالدولة الدينية , والعكس صحيح , ومن ينادي بتركيا وقطر وإيران لا يثق بمن ينادي بالسعودية ومصر والأردن , والعكس صحح .
ولم تكتفي أزمة الثقة أن تجعلنا مكانك سر في مواجهة الإحتلال , ولكنها أوصلتنا الى إنقسام أبدي لا رجعة عنه , بحسب ما قرأت صباح هذا اليوم في تطورات المصالحة , فانا غير متفائل في موضوع المصالحة الأخير والورقة المصرية , لأن الموضوع بالنسبة لي بات يتمثل في أزمة الثقة بين "فتح وحماس" بالإضافة الى أزمات أخرى كفيلة أن تفتك بالمبادرة المصرية الأخيرة , وهذا ما جعلني أكتب مقدمة طويلة عن أزمة الثقة بين الفلسطينيين , لأنها وبكل صراحة مربط الفرس في موضوع المصالحة الفاشلة .
رغم أن حماس لا تثق في فتح على الإطلاق ,والعكس صحيح , إلا أنها وافقت على الورقة المصرية الأخيرة بسرعة وبدون قيد أو شرط , بسبب لهجة القوة التي تستخدمها المخابرات المصرية مع حماس , فمن الواضح أن المخابرات المصرية تتحكم عن بعد في قرارات وتوجهات حماس , لأن المخابرات المصرية تمتلك أوراق قوة كثيرة من الممكن أن تستخدمها ضد حماس في غزة , ومن أبسط هذه الأوراق تقفيل معبر رفح بشكل كلي , والسيطرة على جميع الأنفاق بين مصر وغزة وتدميرها , فهذه الخطوات وحدها كفيلة أن تقضي على ثلثي قوة حماس في غزة , بالإضافة الى وسائل كثيرة ممكن أن تستخدمها المخابرات المصرية ضد حماس , وحماس تدرك ذلك تماما ولهذا لاحظنا في الفترة الأخيرة أن حماس تتعاطى مع المصريين بشكل أيجابي جدا , حتى وصلت الى الموافقة على الورقة المصرية الأخيرة للمصالحة وبشكل سريع وغير مسبوق .
ولكن للاسف الشديد ما كنت أتوقعه حدث بالفعل , ردود حركة فتح والتي إنتظرناها أكثر من عشرة أيام غير إيجابية , وهذا يعيدنا الى المربع الأول والمشكلة الجوهرية للمصالحة وهي "أزمة الثقة" , فالبنود الأربعة التي علقت عليها فتح على الورقة المصرية كفيلة أن تفتك بالمصالحة والى الأبد , وفيها البند الذي يخص سلاح القسام فحركة فتح لا تثق بعدم تدخل القسام في حكومة الوفاق , رغم أن المصريين قيدو سلاح القسام من خلال البند الذي ينص على ضبطه , وأيضا البند الذي يخص الموظفين العسكريين في غزة , فحركة فتح لا تثق بأنهم سيتجردون من إنتمائهم لحماس في حال تقاضوا رواتبهم من حكومة الوفاق , والبند الذي يخص تمكين الحكومة أيضا , فحركة فتح لا تزال غير واثقة بأن حماس ستعطي الفرصة كاملة لحكومة الوفاق في غزة للعمل بأريحية , والبند الذي يخص الجباية أيضا فتح رفضت أن تستلم الجباية من حماس كفتورة آخر الشهر , فهي تريد أن تقوم حكومة الوفاق بتحصيل الجبايات بنفسها كي تظمن أنها ستصل كاملة لخزينة الحكومة , وذلك حتما يعود لعدم الثقة بين الطرفين .
لا زالت المصالحة تراوح مكانها بسبب عدم الثقة بين جميع الأطراف , وأخص بالذكر فتح وحماس , ولكن لا زال الأمل موجودا طالما أن المخابرات المصرية أخذت على عاتقها حل ملف المصالحة , وذلك بإيعاز من الرئيس السيسي وبتوكيل من الأنظمة العربية الشقيقة .
برأيي أن حماس ستقدم مزيد من التنازلات بسبب سيطرة المخابرات المصرية عليها بشكل قوي , ولكن بإستثناء البند التي تريد حركة فتح من خلالة التلميح الى تسليم سلاح القسام بشكل كامل , فهذا البند غير مقبول لدى حركة حماس على الإطلاق , لأن حماس خسرت كل شيئ بإستثناء ورقة القوة التي تحكم بها غزة , وهي تتمثل بسلاح القسام , والتي باتت لا تملك غيره من أدوات الحكم .
بقلم/ أشرف صالح