من عجائب الشرق الأوسط.. كيف تكون ديمقراطياً وقرصاناً معاً

بقلم: اماني القرم

رغم سن عدد من القوانين الدولية التي تحارب القرصنة، إلا أنها ماتزال تزدهر متخذة لنفسها أشكالاً وأساليب جديدة .. في الماضي السحيق كان المشرّعون الرومان يطلقون على القراصنة وسم "أعداء البشرية" لإظهار مدى الخطورة والتهديد التي يسببها اعتراض القافلات البحرية والاستيلاء عليها.. وفي ثلاثينيات القرن العشرين اشتهرت الدول الفاشية وخاصة نظامي "موسوليني"في إيطاليا و"هتلر" في ألمانيا  بالقرصنة على السفن التجارية والسفن المسالمة المارة عبر مضيق جبل طارق. وكانت ألمانيا الهتلرية تبرر استيلائها على البضائع التي تحملها تلك السفن بدعوى أنها مواد عسكرية مهربة !! وقد اعتبر الرئيس الأمريكي روزفلت هذا الفعل بأنه ليس قرصنة قانونية فحسب بل وأخلاقية أيضاً..

منذ سنوات يشهد الشرق الأوسط نوعين من القرصنة: الأولى هي القرصنة الصومالية على السفن المدنية والتجارية المارة بالقرب من القرن الأفريقي والتي تكاد تختفي تماماً. حيث قامت الدنيا ولم تقعد عليهاوأنشئت لمكافحتها حملات عالمية انضمت اليها جحافل وقوى دولية.

أما الثانية فهي القرصنة الإسرائيلية على سفن مسالمة تحمل ناشطين دوليين ومتضامنين لديهم رسالة سلام وحقوق لغزة المحاصرة يحاولون عبر سياسة اللاعنف إحداث ثقوب في الحصار الحديدي الذي تطبقه اسرائيل على غزة منذ العام 2008. ولكن على عكس الأولى، لأنهم مسالمين وحضاريين ويرفعون شعارين هامين هما رفض العقاب الجماعي وجميع اشكال العنصرية بما فيها معاداة السامية وكراهية الاسلام ، فلا عين دولية ترى ولا قانون عالمي يسمع..وذلك رغم تشابه الحالتين من الناحية القانونية،  فالقرصنة في القانون الدولي هي أي عمل غير قانوني من أعمال العنف والاحتجاز أو الحرمان أو التجريد يرتكبه أشخاص لغايات شخصية ضد ركاب السفينة أوالممتلكات على متن تلك السفينة في أعالي البحار.

قبل يومين، اعترضت الدولة التي تدعي بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، سفينة "عودة" وهي إحدى سفن قوافل كسر الحصار على غزة ، أثناء ابحارها في المياه الدولية قريبا من القطاع واعتقلت ركابها الستة وثلاثين ذوي الجنسيات المختلفة وسيطرت على ما تحمله السفينة من معونات. وهذه هي المرة الخامسة التي تمنع بها اسرائيل سفن بحرية تحمل ناشطين سلميين من الوصول لغزة بما فيها السيطرة الدموية على سفينة مرمرة التركية في العام 2010. ولم تكتف اسرائيل بقدرتها _ وبحكم القوة _ على السيطرة والاستيلاء على أي سفينة تتجه من وإلى غزة، بل شرعنت هذه القرصنة بإصدار المحكمة الإسرائيلية في القدس قراراً  يقضي بمصادرة سفينتي (كاريستين والحرية) المقرر مشاركتهما في قافلة السفن القادمة لكسر الحصار وبيعها في المزاد العلني وتسليم ثمنها، كتعويض مالي لعائلات قتل أبناؤها من قبل حماس! السؤال هنا في المقابل من يدفع تعويضات المدنيين العزل والأطفال ضحايا إرهاب الطائرات الإسرائيلية على غزة؟؟

تظل اسرائيل قادرة على إثبات أن قانون القوة هو القانون الشرعي الذي يحكم سير الأمور في الشرق الأوسط،والقوة هي من تجعل القوانين تتكلم حين تريد!وقوة سفن كسر الحصار تكمن في استمراريتها...

بقلم/ د. أماني القرم