(ان العنف يشكل الشعوب المحتلة ويصبغ شخصياتهم بصفات ابداعية ايجابية ، وان ممارسة العنف تلحم الجمع ككتلة واحدة ويشكل كل فرد حلقة وفى سلسلة طويلة من العنف) فرانس فانون
تمرد الانسان على احتلال ارضه ومكتسباته بدأ مع بداية حياة الانسان على وجه هذه الارض ، بل ان الحيوان نفسه يغضب ويدافع عن ارضه ، فطبيعة البشر جبلت على المدافعة والمنافحة عن كل معتد عليها ، وحفيظة الانسان لم يستفزها شىئ قدر ما استفزتها الاستهانة به واقتحامه واحتلاله واستغلاله عنوة واقتدارا .
اذن فان للانسان حرمات لايسمح لاحد انتهاكها وان للنفس عزة لا تستطيع التنازل عنها ، وان للشعوب ارضا لا ترضى لاحد واحتلالها ،وهذه هى مشيئة الله فى خلقه وفطرته التى فطر الناس عليها ، وهذه هى قوانيين الطبيعة التى لا يستطيع احد ان يغيرها حتى بقوة السلاح ، واستباحة الارواح ، وهدم المنازل فوق رؤوس اصحابها..
عليه لابد من التأكيد على ان الحديث عن المقاومة وعن حركات التحرر الوطنى وعن حق الشعوب فى تقرير مصيرها كان لا يمكن ان يحصل لو لا وجود الاحتلال والاستيطان ووجود انظمة عنصرية بطبيعتها ، فمبرر وجود حركات التحرر الوطنى هو الاحتلال ذاته فالاحتلال هو الفعل والمقاومة هى ردة الفعل ، وبين الفعل وردة الفعل يظهر لنا قانون الطبيعة وهو مشروعية المقاومة فى مواجهة الاحتلال ومشروعية العنف فى مواجهة الاقتحام ومشروعية التمرد فى مواجهة الاستغلال ، وقانون الطبيعة هذا لم تسنه اتفاقيات ولم تشرعه برلمانات ولم يصادق عليه رئيس ، انما اوجدته متطلبات الطبيعة ، وشرعته فطرة الانسان الذى خلقه الله حرا فابى ان يكون خاضعا لاحد غيره. وايدته بعد ذلك شرائع الله السماوية كلها.
كان لابد للمجتمع الدولى ان يخضع للقانون الابدى المتمثل فى حق الشعوب فى مقاومة الاحتلال فشرع فى وقت باكر فى اضفاء الشرعية الدولية على حركات التحرر الوطنى وتقنيين حق الشعوب فى مقاومة الاحتلال بكافة الاشكال والصور حتى اصبح حق الشعوب فى تقرير مصيرها وحقها فى اللجوء الى القوة المسلحة كاسلوب لتحقيق هذا الحق امرا طبيعيا ومشروعا خاصة بعد ان حرم القانون الدولى العام الاحتلال العدوان. .
تنبه فقهاء القانون الدولى الانسانى منذوقت طويل الى ان النزاعات المسلحة التى تخوضها حركات التحرر الوطنى ضد الاستعمار والاحتلال يجب ان تندرج تحت مظلته ، لوضع الحماية الدولية لافراد تلك الحركات ، ولان ما يقومون به يعتبرعملا شرعيا بموجب المادة 2 من ميثاق الامم المتحدة التى تقرر ان يكون للشعوب الحق فى تقرير مصيرها ، وعليه فقد نص البروتوكول الاول الاضافى الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949م على اعتبارالنزاعات المسلحة التى تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعمارى والاحتلال الاجنبى والانظمة العنصرية وضعا ينطبق عليه البروتوكول الاول طبقا لما قررته المادة الثانية المشتركة من تلك الاتفاقيات والمادة 1 الفقرة 4 من البرتوكول الاضافى الاول لسنة 1977 الملحق بها والتى تنص على ان يطبق هذا البروتوكول على المنازعات المسلحة التى تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعمارى والاحتلال الاجنبى وضد الانظمة العنصرية وذلك فى ممارساتها لحق الشعوب فى تقرير المصير كما كرسه ميثاق الامم المتحدة والاعلان المتعلق بمباىء القانون الدولى الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الامم المتحدة ، كما نص القرار الصادر من الجمعية العامة للامم المتحدة الصادر فى عام 1973م فى الفقرة 3 منه على ان (النزاعات المسلحة التى تنطوى على نضال الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والاجنبية والانظمة العنصرية يجب النظر اليها باعتبارها نزاعات دولية مسلحة بالمعنى الوارد فى اتفاقيات جنيف لسنة 1949م ) .
يتضح لنا مما سبق ان نضال الشعوب ضد الاحتلال بواسطة حركات التحرر الوطنى يعتبر نزاعا مسلحا دوليا تطبق عليه قواعد القانون الدولى الانسانى التى تحمى الجرحى والمرضى والاسرى من المقاتلين كما تحمى السكان المدنيين والمنشآت المدنية والطواقم الطبية بمختلف انواعها ، كما يعتبر قتالها ضد الاحتلال قتالا مشروعا لا يتعارض مع احكام القانون الدولى. .
بغير ما كان متوقعا فى استراتيجيات السياسة الدولية ظهر على واجهة الاحداث بعد هجمات الحادى عشرمن سبتمبر ما يسمى الارهاب واخذ بين ليلة وضحاها مكانا بارزا فى رسم السياسة الدولية التى بنى عليها تحديد معالم الصراع الكبير بين اقطاب العالم ، واصبحت مفردة الارهاب هى المفتاح الذى يحددوضعية الدولة فى محيطها الاقليمى ومجالها العالمى .
فما هو الارهاب –اذن- ؟ وماهى عناصره ؟ وما هى اسبابه ودوافعه ؟ وما علاقته بحركات التحرر الوطنى ؟ وماهو تأثير تلك العلاقةعلى مشروعية تلك الحركات؟
يعرف الدكتور شفيق المصرى الارهاب بشكل عام بانه استخدام غيرشرعى للقوة او العنف او التهديد باستخدامهما لتحقيق اهداف سياسية كما يعرفه الدكتور امام حسانيين عطا الله بانه ذلك الاسلوب او الطريقة المستخدمة والتى من طبيهتها اثارة الرعب والفزع بقصد الوصول الى الهدف النهائى . ومن خلال تلك التعريفات يمكن تحديد عناصرالجريمة الارهابية الرئيسية فى الاتى
العنف غير المشروع ، التنسيق والتنظيم ، ان يؤدى العنف الى خلق حالة من الرعب والفزع ، ان يكون الهدف منه تحقيق مآرب سياسية او دينية او عقائدية او عنصرية ، وبالنظر الى التعريف الجامع الذى اورده الدكتور صلاح الدين عامر لاعمال المقاومة التى تقوم بها حركات التحرر الوطنى والذى قال فيه انها عمليات القتال التى تقوم بها عناصر وطنية غير افراد القوات المسلحة النظامية دفاعا عن المصالح الوطنية او القومية ضد قوى اجنبية سواء اكانت تلك العناصر تعمل فى اطار تنظيم يخضع لاشراف وتوجيه سلطة قانونية او واقعية وكانت تعمل بناء على مبادئها الخاصة سواء باشرت هذا النشاط فوق الاقليم الوطنى او من قواعد خرج هذا الاقليم – نقول – بالنظر الى كل من التعريفين نجد ان هنالك فرقا واضحا بين الجريمة الارهابية وبين اعمال العنف والقتال التى تمارسها حركات التحرير الوطنية ويتجلى هذا الفرق الهدف النهائى من اعمال العنف ، فبينما يكون الهدف النهائى من الجريمة الارهابية هو تحقيق اهداف سياسية او عنصرية او عقائدية ، يكون الهدف النهائى من اعمال المقاومة المسلحة هى تحرير الوطن من الاحتلال .
قامت القوى الامبريالية بخلط المفاهيم المتعلقة بالمقاومة المسلحة التى تمارسها حركات التحرر الوطنى خاصة بعد احداث الحادى عشر من سبتمبر بحيث تصبح تلك المقاومة نوع من انواع الارهاب ، وقامت بتسخير آلة اعلامية هائلة لممارسة ذلك الخلط بحسب ما تمليه عليها مصالحها ومصالح حلفائها حتى اضحت كثير من تلك الحركات مدموغة بجرائم ارهابية لا لشىء الا لانها تمس مصالح حيوية بالنسبة لتلك القوى، وان مجرد حملها للسلاح للدفاع عن وطنها ضد الاحتلال يعتبر مساسا بتلك المصالح .
ان العالم الحر يجب ان يحافظ على المفاهيم التى ارساها القانون الدولى فيما يتعلق بمشروعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال لان تلك المفاهيم قد اصبحت فى خطر داهم جراء التفاف الامبريالية العالمية عليها والتى لاقت هوى لدى الكثير من الانظمة خاصة فى العالم الثالث ، والكل يعلم ان ذلك الهوى مرتبط بشكل اساسى ببقاء تلك الانظمة على سدة الحكم الى ما لا نهاية ، كما يعلم الكل ايضا ان هدف القوى الاستعمارية فى العالم هو تصفية كافة حركات التحرر فى العالم لانهم – كما يعتقدون- ان خريطة العالم قد تحدت وان نهاية التاريخ قد اذفت وان الانتصار النهائى والابدى قد تبدى فى الافق .
ان الخطر الحقيقي المحدق في القانون الدولي العام هو الهجوم الذي تشنه الإمبريالية الأميركية على هذا القانون، حيث إن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الدولي العام والتي ترسخت بعد نشوء الإتحاد السوفياتي والذي شكّل قوة مناهضة للإمبريالية وداعمة لدول العالم الثالث، وداعمة لنضال الشعوب في العالم، كل ذلك أرسى مبادئ مهمة وتقدمية للقانون الدولي العام ترجمت في ميثاق الأمم المتحدة، ففي القرن الماضي كان القانون الدولي يستثني دول العالم الثالث (لأنها لم تكن موجودة أصلاً) والقانون الدولي كان يرعى العلاقة بين الدول الكبرى فقط أما الدول التي ننتمي إليها نحن الآن، فكانت تنعت بـ"الآخرين".
إن عدم العدالة والإستغلال الحاصلان على مستوى العلاقات الدولية وخاصةً نشوء الكيان الصهيوني وجرائمه المستمرة بحق شعبنا العربي في فلسطين المحتلة ولبنان، كل ذلك دفع البعض لرفض القانون الدولي العام كونه لا يحقق شيئاً ولا يفعل شيئاً ضد العدوان الإمبريالي.
نحن نعتقد بأنه يجب الدفاع عن هذا القانون وعن مبادئه كون هذه المبادئ جاءت لصالح الشعوب والمشكلة ليست فيها إنما في التطبيق الخاضع لميزان القوى السياسي، نذكر على سبيل المثال بعض هذه المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي العام: إحترام السيادة، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، الحل السلمي لكل الخلافات الحاصلة بين الدول، عدم اللجوء الى القوة او التهديد بها، المساواة بين الدول، التعاون بين الشعوب في المجالات كافة، حق الدفاع عن النفس، حق الشعوب في تقرير مصيرها .
اذن فان متلازمة الارهاب وحركات التحرر الوطنى امر مصنوع يعلم صانعوه ان تلك الحركات تسير على طريق لا يرغبونه وانه لا سبيل الى ايقافها الا بدمغها بصفة الارهاب لانها صفة هلامية غير محددة المعانى ولا المفاهيم ولا النتائج ، وهى بذلك سبيل ميسر لتصفية كل ما لا يرغبون فيها.
بقلم ناجى احمد الصديق / المحامى