اللاعنف ... أن تنتصر فقط

بقلم: عدنان الصباح

لا تتنازل ولا تقبل باحتمال التنازل ودع الكل يشارك بشكل إرادي وحسب إمكانياته وطاقاته ولا تفرض شكلا ولا نمطا وليكن الكل واحد في النتائج لا في الوسائل فمن كل ما يمكنه وللكل النتائج

حرب اللاعنف تشبه الى حد بعيد لعبة عض الأصابع والتي ينتصر بها عادة من يحتمل أكثر وينهزم من يتنازل أولا وبالتالي فان محارب اللاعنف يدرك جديا أن المبدأ الأول لحربه هو عدم الانحناء أو التنازل أو التراجع مهما كانت المبررات والأسباب.

في الحروب العادية الخاطفة عادة ما تنتصر الجيوش على معارضيها لأسباب عديدة أهمها:

- الوقت المحدود للحرب

- الإمكانيات الأكبر والأكثر فتكا لدى الجيوش والأجهزة الرسمية للعدو المنظم

- التفاوت في القدرات والإمكانيات والعدد والعتاد لصالح الجهة المسيطرة أصلا

- الحماية القانونية الظالمة والغير عادلة التي يملكها الجيش من قبل الجهة التي يمثلها

- قدرة الجهة المسيطرة على التخطيط وجمع المعلومات والتنفيذ السريع والعلني

- اضطرار جبهة الثوار لتقديم تنازلات وعرض اتفاقيات مجحفة بحقها عند كل تراجع.

وعادة ما تفشل الجهة المعارضة أو الثائرة أو الرافضة للوضع القائم والساعية لتغييره للأسباب التالية:

- ضعف إمكانياتها

- استخدام نفس السلاح والعتاد الذي تملكه الجهة المسيطرة بما يفوق آلاف المرات جبهة الثوار والشعب

- قلة عدد جبهة الثوار والعمل الفردي المنعزل ضد جهات نظامية منظمة وقوية ومدارة جيدا

- اضطرار جهة الثوار للعمل بالخفاء وقدرة الأعداء على هزيمتهم فور انكشافهم العلني

- عدم القدرة على الاختفاء لفترات طويلة مقابل قدرة الجهة المسيطرة على ذلك

- حاجة المختفين إلى مصادر دعم مختلفة تبدأ من الطعام والشراب وتنتهي بالسلاح مما يضعف سريتها

- تغييب المشاركة الشعبية واستبدالها بفئة قليلة معزولة تحاول تقليد أدوات وبرامج عدو أكثر عددا وعتادا وقدرات بما لا يقاس

لهذه الأسباب يلجأ البعض بعد عديد التجارب إلى حرب اللاعنف وسيلة مختلفة لتحقيق النصر على الأعداء دون تقديم تنازلات قد يضطرون اليها مقابل احتياجات إنسانية بسيطة ولعل الأمثلة التي نعيشها في فلسطين نموذجا حيا على ذلك فبعد كل حدث ثوري أو معركة عسكرية نقدم تنازلا هنا وتنازلا هناك مجبرين نتيجة حاجات الناس اليومية وتلجا دولة الاحتلال إلى فرض عقوبات تهدف إلى إضعاف القدرة على الصمود أمام أهداف ومصالح الاحتلال وجبهته, فهناك ثمن لإدخال الوقود إلى غزة وثمن للأدوية والمواد الغذائية مما يضطرنا إلى القبول باقتراحات واتفاقيات مثل وقف إطلاق النار بعد اعتداءات العدو المحتل على شعبنا ونبدو بذلك أمام العالم وكأننا أنداد نقف بمواجهة قوة عسكرية نووية بنفس القوة والقدر ونقبل بذلك, وتدور هذه الأيام معركة على الطائرات والبالونات الحارقة وقد لجا جيش الاحتلال إلى منع إدخال الوقود إلى غزة إلا بشرط وقف استخدام هذه الأدوات ضده وقد نجد هناك من سيقبل بهزيمة من هذا النوع مقابل الوقود الذي سيبقى سلاح دائك بيد الاحتلال ما دمنا نطلق طلقة ثم نقبل بهزيمتها.

اللاعنف هو طريق الصمود وعدم الانحناء للأسباب التالية

- انه يأتي بقرار واعي وناضج وليس انفعالي

- انه يتيح المجال لقطاعات شعبية واسعة من الجماهير للمشاركة بغض النظر عن الجنس أو العمر أو الوضع الصحي

- انه طريقة حرب تستعص على الاحتلال وجيشه فهي حرب بلا إجازات وبلا مواسم

- انه سهل وصعب بنفس الوقت فلا يمكن لمن لا إرادة له ولا إيمان بقضيته أن يستطيع تحمل نتائجه

- طويل الأمد مما يرهق العدو ويربك صفوفه

- جماعي وغير مسلح ما يضعف قدرة العدو على استخدام السلاح وممارسة القتل بسبب انعدام المبرر المباشر وكثرة المشاركين

- يساهم في تشكيك العدو بشعاراته التي يختفي خلفها ويضلل جيشه بها وتفكيك جبهته.

اللجوء للاعنف وسيلة حرب يعني باختصار إطالة أمد هذه الحرب إلى الحد الذي لا تستطيع قوى الظلم والاحتلال تحمله وبالتالي تنقلب الموازين وتصبح هي المستعدة للتفاوض والتراجع وليس العكس وقد أدى صمود شعب جنوب إفريقيا بقيادة مانديلا إلى إجبار حكومة المستعمرين البيض إلى الرضوخ التام بعد ان جدت صمودا لا ينكسر ورفضا للتنازل مطلق من قبل الشعب وقيادته وهو ما لم تكن قادرة على تحمله أبدا.

هذا الصمود الأسطوري دفع شعوب العالم ومن ثم حكوماته إلى أن تجد نفسها تدريجيا مجبرة على الوقوف إلى جانب الكفاح العادل لشعب جنوب إفريقيا وهو ما يفتقده الشعب الفلسطيني حتى الآن بل وعلى العكس فهو يفقد تضامنا أكثر مما يستقطب مع مرور الوقت وينحصر التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني في مجموعات صغيرة منعزلة تفتقد لقوة التأثير في مجتمعاتها وبالتالي في السياسة العالمية.

إن ما يميز حرب اللاعنف عن حرب العنف هو قدرتها على المواصلة أكثر وأكثر وجذب المشاركين أكثر وأكثر وعدم القبول بالحلول الوسط والاستعداد للصمود بلا نهاية وانعدام الحلول السوبرمانية من قبل الظالمين ضد المظلومين شريطة أن تتحول إلى حرب حقيقية منظمة وقابلة للاستمرار بلا توقف ولا تردد ولا تراجع وان لا ترد في برامجها أفكارا وحلولا تقدم مخارج للظالمين والمعتدين أيا كانوا وخصوصا أولئك الذين يمارسون القهر والاحتلال على الشعوب الأخرى كحال شعبنا الفلسطيني.

حرب اللاعنف تعني أن لا تتنازل وأن لا تضع في برامجك احتمالات التنازل وان تقرر الصمود بلا حدود حتى الوصول لأهدافك شريطة أن تكون المشاركة حق مطلق مفتوح وإرادي لكل الشعب وحسب قدرات كل منهم وتلك حالة لا يمكن لجهة الظالم المرتشية والمرتاحة أن تحتمل مثلها مما يجعل المواجهة منحصرة بين جيش وقوى عسكرية معزولة ومهزومة بسلاح لا يجدي استخدامه أمام جماهير شعب لن يقبل الهزيمة ولا الانحناء ولا التراجع.

باختصار شديد إذن فان حرب اللاعنف هي أن لا تتنازل ولا تقبل باحتمال التنازل ودع الكل يشارك بشكل إرادي وحسب إمكانياته وطاقاته ولا تفرض شكلا ولا نمطا وليكن الكل واحد في النتائج لا في الوسائل فمن كل ما يمكنه وللكل النتائج وبذلك تضمن حربا لا حدود لها إلا حد تراجع الأعداء وهزيمتهم أمام إرادة شعب قرر أن ينتصر بعيدا عن الشعارات والخطب الرنانة والتمجيد الكاذب للذات وبعمل متواصل تراكمي بغض النظر عن حجمه شريطة أن لا ينتهي إلا بالنصر.

بقلم/عدنان الصباح