الهجمة الأمريكية المسعورة التي تستهدف ثوابت القضية الفلسطينية ,هي إستمراراً لمخطط ترسيخ المشروع الإستعماري في فلسطين ,وشرعنة وجود دولة الإحتلال ودمجها في محيطها العربي, صفقة القرن مسمى لمؤامرة خبيثة , تستهدف تصفية القضية الفلسطينية , تتدحرج ككرة تدميرية على صدر الكرامة العربية والإسلامية ,يحاول المتصهين ترامب من خلال فصول الصفقة الخبيثة, أن يثقل واقع الأمة بالهزيمة والشعور بالهوان , ليقع الإستسلام ويفرض رؤيته ومخططه على منطقتنا ,وفي أولوياته تهويد الأرض الفلسطينية ومقدساتها وتثبيت عرش اليهود في فلسطين.
الخطير في صفقة ترامب العدوانية , تمرير المخطط بنظام القطعة , حيث تتوالى الصدمات وتنعدم المواقف الجادة والردود المؤثرة , لينتهي المشهد بجريمة مكتملة الأركان وقد حققت أهدافها , فالقدس المحتلة أعلنت عاصمة لـ " إسرائيل " , فهل تحرك ساكن أو غضب كائن من جاكرتا إلى الدار البيضاء ؟! , وقبلة الإسلام الأولى تهود بقرار الحليف الأمريكي لأغلب الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية ! .
ويظهر من مسار الأحداث أن صفقة القرن , تستهدف الثوابت الراسخة في قضيتنا الفلسطينية , بعد مدينة القدس المحتلة , يأتي الإستهداف لقضية اللاجئين الفلسطينيين وتعمل خطة ترامب على إنهائها بكل الوسائل الممكنة , لما تحمله من سند تاريخي تدعمه قرارات دولية , تؤكد على حق العودة المكفول للاجئين الفلسطينيين , إلى ديارهم التي هجروها منها تحت وقع الحروب والمجازر , التي شنتها العصابات الصهيونية في عدوانها على الشعب الفلسطيني وأرضه.
ويبدو واضحاً من خلال ما كشفت عن مجلة "فورين بوليسي" الامريكية في عددها الصادر يوم الجمعة 3-8- من رسائل البريد الإلكتروني الداخلية لمستشاري البيت الابيض، دعا فيها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه إلى بذل ما وصفه بـ "جهد صادق" لعرقلة وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة لصالح الفلسطينيين , ويضيف كوشنر أيضا في مراسلاته عن وكالة الأونروا "هذه الوكالة تديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، وغير فعالة ولا تساعد على السلام".
وهذا يتوافق ما ذكره المبعوت الأمريكي للتسوية جيسون غرينبلات في لقاء مع القناصل الأوروبيين بالقدس المحتلة في فبراير 2018م بأن المخطط الأمريكي يسعى إلى إنهاء عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين , قائلاً: "لا يُعقل أن تظل الوكالة تعمل إلى أبد الدهر، يجب أن نضع تاريخًا محددًا لعملها".
فما يحدث في وكالة الأونروا من تقليص للخدمات وفصل للموظفين , والتهديد بالتوقف عن كثير من الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين , يأتي في سياق المخطط الذي تقوده إدارة ترامب , في ظنهم أن قضية اللاجئين سوف تنتهي مع إنهاء عمل وكالة الأونروا , وهذا يكشف عن ضحالة تفكيرهم ونظرتهم القاصرة للقضية الفلسطينية , فلا يمكن أن تكون قضية اللاجئين إنسانية بحتة يقتصر حلم اللاجئ فيها على كيس طحين أو علبة سردين , تقدمها وكالة الأونروا من أموال الدول المساهمة طوعا في ميزانية الأونروا , فلا يمكن إغفال بأن اللاجئ الفلسطيني له قضية وطنية سياسية , ومسعى للحرية من نير الإحتلال ,ومطمح مشروع بالإستقلال وتقرير المصير.
وكالة الأونروا شاهد على جريمة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه , وبموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949 كان ميلادها, بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين, وبدأت العمل في مهمتها في الأول من شهر أيار عام 1950م , رغم التحفظات الكثيرة على سياسات وكالة الأونروا , الا أن وجودها أخرج مصطلح اللاجئ من نصوص الوثائق الدولية , إلى عنوان كبيرة لمؤسسة تابعة رسمياً للأمم المتحدة , جاء في قرار إنشائها أن مهمتها تنتهي بإنجاز حق العودة للاجئين إلى ديارهم.
يتضح أن الإستهداف الأمريكي للأونروا , محاولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين , فهل تنجح أمريكا في عرقلة أو تقليص أو إنهاء عمل وكالة الأونروا ؟ , قد يكون ذلك وراداً وهي المتبرع الأكبر والداعم لمشاريع الأونروا ,فلماذا لا نعمل على إيجاد داعمين جدد وممولين يسدوا النقص الشديد في أموال الدعم للأونروا , من خلال حشد دول العالم الإسلامي أو الدول الصديقة لهذه المهمة , و ذلك يحتاج إلى جهد كبير وترويج واسع للفكرة حتى نضمن إستمرار عمل وكالة الأونروا في خدماتها للاجئين الفلسطينيين , وفي أسوء السيناريوهات التي نفترض فيها تمكن المخطط الأمريكي من إنهاء عمل وكالة الأونروا ,فإن ذلك لا يمكن أن يلغي أو يشطب حق العودة , ,ولا تستطيع قوة في العالم أن تجبر اللاجئ الفلسطيني عن التنازل أو التفريط في حق العودة إلى أرضه ووطنه, وهو الحق الثابت الراسخ لا يمكن التنازل عنه و لا يسقط بالتقادم وهو حق تتوارثه الأجيال , وأن عشرات القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار "194" الصادر عن الأمم المتحدة يؤكد على حق العودة الذي لا جدال فيه , وأمام هذه الحقائق فإن العار سيلحق كل من يتساوق مع مخططات ترامب في تصفية قضية اللاجئين ,والتي تملك الرصيد الإنساني والقانوني والتاريخي والوطني في عدالتها ومشروعيتها , وشعبنا لن يسمح لكائن من كان , بتوقيع أي إتفاقية أو الموافقة على أي صفقة تمهد لقبر القضية الوطنية , مقابل بعض المشاريع والحلول الجزئية تحت دعاوي الواقعية أو إختلال موازين القوى .
بقلم/ جبريل عوده