على غزة أن تحذر الانتحار بخروجها من بحرها وترابها إلى رمال الصحراء المتحركة فأبواب غزة للقدس وإلا فالانتحار والتيه الذي لا يعرفه احد كبني إسرائيل الذين سيكونون الأسعد بقدرتهم على انجاز مبادلتنا أرضنا وحياتنا وحقوقنا بالتيه الذي خبروه حيث لا من ولا سلوى.
منذ عرفت الثورة الفلسطينية الجيش والتجييش وسعيها للتحول إلى جيش كلاسيكي منذ تجربة الأردن وتجربة لبنان وأخيرا تجربة غزة وهي لا تعرف مع هذه المحاولات سوى التراجع تلو التراجع فتجربة العودة من الأغوار والعمل السري الثوري الحقيقي في محاجر قباطية وأحراش يعبد وجبال الخليل إلى شوارع العاصمة عمان وصلت بنا إلى الخروج من اقرب نقطة للحاضنة الحقيقية للثورة الفلسطينية فالأغوار الأردنية هي امتداد طبيعي وإنساني للأغوار الفلسطينية والعكس صحيح لكن محاولتنا التحول إلى جيش وسلطة بلا مبرر نقلتنا إلى خطوة ابعد عن حاضنتنا وهو ما لم نستفد منه أبدا في تجربة لبنان التي حولت الثورة الفلسطينية إلى جيش نظامي في بيروت والجنوب والمدن اللبنانية بمعسكرات حقيقية وعلنية تماما كأي جيش نظامي.
اليوم تكرر كتائب القسام ما فعلته فصائل الثورة الفلسطينية في الأردن ولبنان وبدل التعتيم والسرية والمناورة حد تعجيز العدو نتحول إلى استعراضات عسكرية في الشوارع وأمام شاشات التلفاز ونقدم أنفسنا كقوة عسكرية لا تقهر ونحاول تقليد جيش الاحتلال في حربه علينا وعلى شعبنا فنطلق الصواريخ من منصات ثابتة ونقيم المعسكرات المعلنة على ارض غزة التي تشبه البساط المفتوح لكل من يرغب بمعرفة ما يريد فلا جبال ولا أحراش ولا حتى مساحات شاسعة من الأرض ولا أعداد هائلة من البشر بحيث يصعب على العدو إيجاد نقاط إطلاق الصواريخ ومراكز التدريب ومخازن الأسلحة.
لم يتمكن الجيش الأمريكي وقبله الجيش الفرنسي من إلحاق الهزيمة بثوار فيتنام الشمالية آنذاك مع ان جيش عميل في فيتنام الجنوبية كان يساندهم لكن محاربة ثوار في الأدغال والحارات والجبال أمر يشبه المستحيل ولن يستطيع جيش نظامي مهما كان عتاده وعدده ان يجاري مجموعات من الثوار لا يمكنه أن يدري من أين سيأتون.
الأحزاب والقوى والفصائل في الضفة الغربية جميعها تقريبا وتحديدا ممن هم أعضاء في منظمة التحرير باتوا يعلنون صراحة إيمانهم بالمقاومة الشعبية أو السلمية أو اللاعنف لكنهم أبدا لم يمارسوا ذلك ولم ينتقلوا بشكل جدي خطوة واحدة إلى الأمام وترك الأمر إلى مبادرات مجزوءة هنا وهناك كعبلين والخان الأحمر ونعلين وفيما عدا ذلك فلا شيء يذكر على الإطلاق وغني عن القول أن الثورة المسلحة باتت خلف ظهور الجميع تقريبا.
في غزة التي لا زالت تمثل الحالة المعلنة للمقاومة المسلحة يدور الحديث عن جيش حقيقي بلباس مميز واليات عسكرية خفيفة ومتوسطة وأماكن تواجد علنية مما جعل من كتائب القسام وسرايا القدس وغيرهما مكشوفة الظهر والبطن وقد أدت الحروب البشعة التي شنتها إسرائيل على القطاع إلى التوصل لاتفاقيات عسكرية لوقف إطلاق النار ولكنها لم تأت بخطوة ايجابية واحدة للحالة الكارثية التي يعيشها القطاع وكل انتصار عسكري أعلناه عاد بنا مرة أخرى إلى مربع الحصار والعقوبات, من جانب نحن نعلن الحرب ثم نسعى لوقف إطلاق للنار دون أن نحقق شيئا مما أعلنا الحرب من اجله وكل حرب عسكرية نخرج منها ببيانات عن النصر الذي لا يشق له غبار ولا شيء من ذلك على ارض الواقع فالحرب الأخيرة على غزة خرجنا منها بآلاف الشهداء والجرحى وعشرات آلاف المشردين وتدمير البنية التحتية والمساكن والمصانع والورش وبطالة لا مثيل لها في العالم ومع ذلك لا زالت الحالة الكارثية متواصلة وتتفاقم أكثر فأكثر ولا زلنا نعلن عودتنا لاتفاق وقف إطلاق النار.
يوميا تعتدي إسرائيل على غزة وشعبها ولا يوجد أية إمكانية لحماية أجواء غزة ولا شواطئ غزة ولا حتى بيوت غزة من القصف الإسرائيلي والتدمير الذي يتواصل باستمرار دون أن نصل بالحال إلى أكثر من معاودة موافقتنا على وقف إطلاق النار وتصوير الأمر أمام العالم وكان هناك حرب حقيقية بين جيشين رسميين لبلدين دون أن ندري كيف نقدم الصورة الحقيقة لشعب يقاوم الاحتلال بالثورة المشرعنة بكل السبل والطرق والأعراف والأنظمة والقوانين ويوميا نقبل بالانجرار إلى مربع الاحتلال بافتعال حرب والتنازل عن الثورة ثم وقف الحرب مؤقتا والعودة إليها مؤقتا.
اليوم يدور الحديث عن اتفاقيات محتملة بين حماس وإسرائيل وتأتي التسريبات عن وقف طويل لإطلاق النار مقابل تخفيف بعض العقوبات وفتح المعابر إنسانيا وإيجاد ميناء جوي وبحري لغزة خارج غزة وفتح آفاق لحل المشاكل الاقتصادية وقد يبدو الأمر وكأنه انجاز وطني لتحقيق بعض الانجازات لغزة وننسى أن كل ذلك سيكرس نهائيا فصل غزة عن الضفة الغربية والتأسيس لدولة فلسطينية يتيمة وضعيفة وعارية الظهر في غزة وحدها بينما تنقسم الضفة إلى ولايات وإمارات وكانتونات تكون الغلبة فيها لإمارة المستوطنين وجيش الاحتلال الذي يسعى تدريجيا لإلغاء القضية الفلسطينية بتفريغها من محتواها عبر تحقيق الشعار سيء الذكر دولتين لشعبين بدولة فلسطينية في غزة وكفى.
ماذا سنجني من وقف طويل لإطلاق النار وأبواب غزة ستفتح لمن يهاجر ولا يعود وتسريب أهلها منها إلى سيناء بألف حجة وحجة فمئات العائلات ستنتقل إلى خدمة المطار والميناء وآلاف العائلات ستنتقل للعيش حيث يعمل رب الأسرة ولا مانع من مناطق صناعية في سيناء مخصصة لأهل غزة وكل ذلك سيجري دون أن يقول احد أن هناك مؤامرة لتوسيع غزة في سيناء أو أن أيا العرب والفلسطينيين قد وافق على صفقة القرن.
صفقة غزة ستفتح أبواب غزة للخارج لا للداخل فسنجد أبواب دول خليجية تفتح للتشغيل ودول أخرى للتجنيس والهجرة وسيناء صالحة لمدن صناعية لغزة تنقل مئات الآلاف من الناس للعيش هناك وتتحقق بذلك على المدى البعيد ما أرادته إسرائيل لغزة بالتحول إلى بديل الدولة الفلسطينية ونفض اليد من شعار دولتين لشعبين ويصبح ثمن القوت والعمل والتنقل هناك هو كل القضية الفلسطينية.
ولكي لا نخسر غزة والضفة معا وكامل قضيتنا فلا بديل عن التمسك بالثورة ووحدة إرادة الشعب كل الشعب لا قواه المتناحرة فقط ولكي تفتح أبواب غزة إلى ذاتها الفلسطيني فان وقف إطلاق نار الحرب وليس الثورة يمكن تقديمه للأمم المتحدة لتلك السنوات المنوي إهدائها للاحتلال على ان يكون مشروطا بإلزامها " أي الأمم المتحدة وأعضائها " بتنفيذ قراراتها وفي المقدمة الشق المعطل من قرار التقسيم.
على غزة أن تحذر الانتحار بخروجها من بحرها وترابها إلى رمال الصحراء المتحركة فأبواب غزة للقدس وإلا فالانتحار والتيه الذي لا يعرفه احد كبني إسرائيل الذين سيكونون الأسعد بقدرتهم على انجاز مبادلتنا أرضنا وحياتنا وحقوقنا بالتيه الذي خبروه حيث لا من ولا سلوى ولا ما يحزنون لن يجد تائهي القرتن الواحد والعشرين بغبائهم ربا يرسل المن والسلوى لهو ولا نبيا يضرب بعصاه الصحراء ليخرج لهم ماءا للشرب.
علينا إذن أن لا نذهب لحربهم وعلى طريقتهم وبأسلحتهم كما يرغبون هم كي لا نتوه في الصحراء كما فعلوا بل أن ندعهم يتوهون هم في لهيب ثورة شعبية يستحيل الإمساك بها أو تدجينها أو هزيمتها فلا يوجد ولن يوجد على الأرض ذلك الجيش الذي يمكنه هزيمة شعب بأسره إن هو قرر الانتفاض والثورة بكل أشكالها وأنماطها ووسائلها المعروفة والمبتكرة وقرر التوقف كليا عن القبول بالحال حتى ولو جرت له كل عمليات التجميل فسلاح قضيتنا هي الثورة وجيشها هم كل الشعب ساعيا للحرية الكاملة بلا نقصان للشعب والوطن موحدين معا.
بقلم/ عدنان الصباح