ثمة ماهو مهم ان يذكر ، أن البعض او الغالبية قد خصصوا صفقة القرن منسوبا للقضية الفلسطينية ووضعوا حلول جذرية لها على حساب الشعب الفلسطيني ، ولكن ماهو جدير بالذكر وان كان التخصيص الابرز للقضية الفلسطينية فإن جوانب هذه الصفقة و أجنحتها لا يمكن أن تتم بدون الوسط العربي التاريخي والجغرافي الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني .
و من قاعدة أساسية أن منطقة الشرق الأوسط لا تخضع لتصورات رئيس لأمريكا بل هناك ثوابت للخارجية الأمريكية و اللوبي الصهيوني و عجلة رأس المال الأمريكية و العلاقة المتجذرة بين رأس المال هذا و اللوبي الصهيوني .
صفقة القرن ليست وليدة هذه المرحلة اي مرحلة ترامب ، و ان كان ترامب و الخارجية الأمريكية قد كلفوا بمرحلة قد تؤدي الى نتائج واضحة ، فقرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس كان بتاريخ النصف الثاني من التسعينات و لم تأتي مرحلة نقل السفارة و مناخات تؤدي الى ذلك الا في فترة ترامب ، فلقد كانت الخارجية الامريكية و البنتاغون الامريكي في عهد اوباما يكرسون ما صنعه بوس الابن من تدمير اول مربع في الامة العربية و هو العراق ، و اجتياحها وتدمير جيشها وبنيتها التحتية ، واتى اوباما ليكرس ايضا نظرية كوندوليزا رايس في 2004 الشرق الاوسط الجديد او الفوضى الخلاقة ، و بدؤوا في رسم واضح و حقيقي لتنفيذ ما يسمى صفقة القرن ، من خلال ما يسمى الربيع العربي و تفكيك الأنظمة الوطنية التي كان لها ثوابت من وجود اسرائيل في حد ذاته ، في العراق و ليبيا و اليمن و المحاولات المتكررة في مصر و التي مازالت تعاني من الارهاب الممنهج الذي تدعمه امريكا و اسرائيل على حدود مصر الشمالية و الشرقية و الغربية .
الاعداد لصفقة القرن الواحد و العشرين كان له اساسيات و خلفيات من الاعداد الممنهج بناءا على دراسات استراتيجية تقوم بها الصهيوينية و المسيحية الصهيوينية في امريكا تقودها عجلة رأس المال و القوة العسكرية الفتاكة لأمريكا التي جعلت من اسرائيل قاعدة لها .
الاعداد لصفقة القرن : -
كان الاعداد لصفقة القرن من خلال القرن العشرين تنفيذا ممنهجا و بالقطع لصالح نظرية الأمن الاسرائيلي و قبولها في المنطقة ليتم عد ذلك في القرن الواحد و العشرين تصفية القضية الفلسطينية المرتبط بإحداث تغييرات في المنطقة ما حول فلسطين و ظهور داعش و المد الشيعي الممنهج التي كانت تدرك أمريكا جيدا بغزوها للعراق بأنه سيخلق نظام شيعي مرتبط بإيران ، قد يكون من المهم ايضا قرار ترامب بسحب الاعتراف بالاتفاق النووي وهو لصالح ايران و ليس ضدها ، فعن طريق السلوك الامريكي الممنهج تمددت ايران بمصالحها و امنها القومي الى عمق المنطقة العربية و برفض امريكا ان تكون الوسيط المحايد و الفاعل لحل القضية الفلسطينية بأدنى شروط وضعها الفلسطينيين على دولة في 67 لا تمثل أكثر من 18% من اراضي فلسطين التاريخية و تمدد اسرائيل في الاستيطان و تهويد الضفة الغربية والقدس قد وضع تقاسما بشكل او بأخر للنفوذ في المنطقة على حساب الفضاء العربي و لصالح اسرائيل و ايران ايضا التي ستنتهي بتوازن استراتيجي بين ايران و اسرائيل على حساب الجغرافيا العربية في المنطقة و ان كانت السعودية الان تبذل جهود حثيثة لأن تبني مفاعلا نوويا و ان نجحت بعد الاعتراضات الاسرائيلية على تخصيب اليورانيوم فإنها ستكون نقطة بداية فضاء عربي في مثلث التوازن في المنطقة اسرائيل ايران السعودية هكذا هو التصور .
ولكن دعونا نتحدث عن خلفيات ما يسمى صفقة القرن التي اعد لها و تم تنفيذها للوصول الى مرحلة اعلان ترامب عنها و ان جاءت على لسانه و لكنها هي دراسات مؤرشفة في الخارجية الامريكية و السي اي ايه الامريكي و البنتاغون : -
1 – نكسة 67 و تحطيم الجيش و الاقتصاد المصري الذي اثبت نفسه في المحيط الافريقي و العالمي حيث قال موشي ديان اننا اجهظنا قوة مصر لأكثر من 50 عاما و ستتغير المواقف بالنسبة لاسرائيل في المنطقة و سيكون هناك اعترافات بها .
2 – البدء بزيارة القدس من قبل الرئيس السادات بناءا على توازنات معركة تحرير سيناء و القناة في حرب اكتوبر الشهيرة .
3 – قبول منظمة التحرير بالتحول من مرحلة الثورة والكفاح المسلح الى دائرة العمل السياسي و محاولة الاعتراف بها من قبل امريكا على قاعدة قرار 242 و 338 و القبول بالحل المرحلي على ارض محررة و لم يذكر كيف و بأي الطرق و قد تمت ترجمة النقاط العشر و الحل المرحلي بشكل مخالف و خاطئ مما اتاح للقيادة السياسية لمنظمة التحرير للاتصال بالقوى الاسرائيلية في دول اوروبية على قاعدة التنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطني .
4- قد ذكرنا سابقا غزو العراق و ما هي النتائج التي حصدتها امريكا واسرائيل من اعادة رسم بعض الجغرافيات السياسية و الامنية في المنطقة و ظهور ايران كقوة اقليمية .
5 – اتفاق اوسلو و الذي كان بدايته "غزة اولا " و اضيفت اريحا بعد ذلك لتصبح غزة اريحا اولا على اعتبار هنا بالمفهوم السياسي و الأمني ان اي تصور لبناء فلسطيني و دولة فلسطينية سيكون في غزة ، و لقد كانت اتفاقية اوسلو التي تم توسيعها مرحليا في عملية تحايل على القانون الدولي لتقسم الضفة الى مناطق A, B , C لتحتكر اسرائيل سيطرتها الكاملة على المنطقة C والتي تقدر ب 60% من مساحة الضفة .
و في عام 2002/2003 أصبحت كل الضفة الغربية تحت سيطرة الادارة المدنية و الجيش الاسرائيلي و بقيت غزة بكل فصائلها تقاوم التدهور الذي احدثته اتفاقية اوسلو من تدهور للبرنامج الوطني و المطالب التاريخية للشعب الفلسطيني و ان كانت هناك بعض الاخطاء التي تؤخذ نتيجة الانقسام في ادارة قطاع غزة ، و النقطة الخلافية هنا في البرامج و بصرف النظر عن وجود حماس من عدمه ، فهل كان يقبل الشعب الفلسطيني بخارطة اوسلو و سيطرة اسرائيل على الارض التاريخية و بدائل لحل قضية اللاجئين و اعطاء الفلسطينيين مدن في الضفة و غزة التي لا تتجاوز مساحتها 375 كيلو متر فبحق ان اوسلو اعطت للاسرائيليين من صفقة القرن ما هو تحت الرغبة الاسرائيلية .
6 - اتفاق كامب ديفيد و تشريع وجود اسرائيل في العلاقات العربية .
7 – اتفاق وادي عربة و ما اعطت لإسرائيل حرية النفوذ على وادي الأردن و الغور .
8 – الربيع العربي الذي فتت الدول العربية و جعل الدول الوطنية دول فاشلة و الازمات الخليجية و اليمنية و الليبية و السورية و التونسية و المصرية التي تعرضت للارهاب و حصارها اقتصاديا لاشغالها في شؤونها الداخلية و وضع حاجز قوي عدم تدخلها في دول المحيط العربي و ان كانت مصر قفزت عدة قفزات نوعية على المستوى الداخلي من الاستقرار و حل بعض الازمات العربية في سوريا و ليبيا مع احتفاظها بشخصيتها في الازمة اليمنية .
9 – المبادرة العربية عام 2003/2004 و التي تنص على الأرض مقابل السلام و حل عادل و متفق عليه للاجئين مقابل اقامة علاقات و اعتراف مع اسرائيل .
10- ما تتعرض له الاردن الان من ضغوطات اقتصادية وعمليات ارهابية طالت العمق الاردني في السلط بهدف تمرير سيناريوهات قادمة على المنطقة مرتبطة ايضا بمحورية النظرة للامن الاسرائيلي وانهاء قضية اللاجئين الذي يمثل الاردن اكبر المستضيفين لهم بالاضافة لوصايته على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ، لقد تفجرت الازمات الاقتصادية في الاردن مرافقة لرفض الملك عبد الله الثاني قرار ترامب بخصوص القدس وبالتالي مع الازمات الاقتصادية المتفجرة رافقها مظاهرات واحتجاجات تغلغل فيها اجندات اقليمية ودولية وتخريبية
قد يكون حسم الموقف في سوريا لصالح النظام و القضاء على الإرهاب بمساعدة روسيا وايران قد اصاب صفقة القرن بالعطب او بجزئية كبيرة من مربعاتها وخاصة امتلاك النظام سيطرته على المعابر والحدود مع الاردن و لبنان وربما قريبا مع العراق ولكن هذا سيبلور تجذر النفوذ الايران في المنطقة و سيجعل نقاط التماس بين التوازن الاستراتيجي الامني في المنطقة بين ايران و اسرائيل على تماس ، قد يحدث نوعا من توازن الرعب لحرب باردة لا أكثر ، قد تكون النجاحات في مصر وسوريا قد احبطت التعديلات على سايكس بيكو التي انتجتها الفوضى الخلاقة لكوندليزا رايس .
هنا بالمفهوم التاريخي فلا شيء اسمه صفقة القرن ، ولكن هناك اطروحات متدرجة لثوابت في الادارة الامريكية و خارجيتها و اللوبي الصهيوني فلا تخطئوا ان تتحدثوا عن صفقة القرن كأنها وليدة المرحلة فإنها تخص منطقة بكاملها بجغرافيتها العربية وان كان محصلتها التغيير الواضح الذييريدون فرضه على واقع الجغرافيا و الاقتصاد و الامن لصالح نظرية الامن الاسرائيلي واستراتيجيتها .
كيف سنقاوم تلك الصفقة على المستوى الفلسطيني و العربي ، بالتأكيد ان العالم العربي مقسم و مجزء فهناك ازمة الخليج و هناك النفوذ الايراني و هناك دول فاشلة كالعراق التي تعاني من ازمة في انتخباتها و تعرضت لارهاب شامل من داعش وسوريا التي تحارب 87 فصيل و ليبيا التي بها اكثر من 43 مليشيا وتونس الغير مستقرة امنيا و اليمن التي تعاني من صراع على الشرعيات و ان كان الحوثيون المتربطون بإيران هما القوة الفاعلة في المواجهة مع التحالف و شرعية عبد ربه ، كيف نواجه الصفقة او نتائج ما اعد لها وهناك معاهدات سلام بين اسرائيل ودول عربية تحد من مناورات تلك الدول و قراراتها ضمن حدود الاتفاقيات ، كيف سنوجه صفقة القرن و هناك ارهاصات لعلاقات عربية اخرى مع اسرائيل لمواجهة ايران ، كيف يمكن مواجهة صفقة القرن و هناك تدخل تركي ايضا يحافظ على مصالحه و امنه القومي ، و خايرا كيف يمكن مواجهة صفقة القرن و السلطة الفلسطينية و منظمة التحرير لم تعطي شرعيات اكيدة لها من خلال مؤتمراتها و مجالسها و كيف يمكن اسقاط صفقة القرن و الفلسطينيون لم يسطيعوا حتى الان للتوصل لبرنامج سياسي و نضالي واحد يلفظ اوسلو و معطياتها و يسحب الاعتراف باسرائيل و يوقف التنسيق الامني ويعد الجبهة الداخلية لمواجهة هذه الصفقة و انهاء الانقسام على قاعدة سحب الاعتراف ووقف التنسيق الامني وانتهاج برنامج سياسي جديد يتعاطى مع المرحلة و تنفيذا لقرارات المجلس المركزي واجتماعات اللجنة القيادية المؤقته لمننظمة التحرير في بيروت العام الماضي.
بقلم/ سميح خلف