الحلقة الثانية
الإرهاب الصهوني في فلسطين الممتد منذ فرض الانتداب وحتى قيام الدولة العبرية في العام 1948 كان الغرض منه فرض وقائع جديدة على الأرض من خلال الاستيلاء عليها لإقامة المستوطنات لصالح من يجري استجلابهم من اليهود من مختلف أنحاء العالم ومن روسيا ودول أوروبا الشرقية على وجه الخصوص ، وقد سعت الدول الأوروبية والصهيونية العالمية لتنمية روح العداء بين هؤلاء اليهود القادمين للسكنى في فلسطين والسكان الأصليين.. الذين أخذوا منذ البداية بانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية وإقامة صلواتهم فيها خاصة المسجد الأقصى المبارك والحرم الإبراهيمي في الخليل ، وارتكاب المجازر في المواجهات التي كانت تجري ، والكل يلحظ تجاوزات قطعان المستوطنين وتعرضهم للسكان العزل والاقتحامات المستمرة للتجمعات الفلسطينية والاعتقالات العشوائية وإحاطة التجمعات السكانية بمعسكرات الجيش الصهيوني تحت مسمى الاستيطان، كل ذلك كان يجري بتوجيه مدروس ومسبق من الحركة الصهيونية والساسة الغربيين ، والهدف كان إبراز الوجود اليهودي في فلسطين وإظهار الصراع على أنه بين معتدى عليه اليهود والمعتدي الفلسطينيون وفق وصفهم ، وهذا ما رسمه هرتزل في المؤتمر الصهيوني / اليهودي الأول ببال في سويسرا وسارت عليه بريطانيا وفرنسا في القرنين التاسع عشر والعشرين في سبيل تحويل يهود روسيا وأوروبا الشرقية لفلسطين لتكوين دولة يهودية تساندهم في السيطرة على الشرق الأوسط وتحول دون إعلان دولة عربية واحدة تخدم العرب عموماً ..
وفي عام 1947 تم إعلان تقسيم فلسطين أعقبه إعلان دولة إسرائيل التي تمكنت من تثبيت كيانها بعد قتال خاضته مع جيوش دول عربية حيث أقيمت على 78% من الثرى الفلسطيني وفي عام 1967هزمت جيوش دول الطوق العربية واحتلت كل فلسطين إلى جانب الجولان السوري وسيناء المصرية حيث انسحب من الأخيرة بعد اتفاقيات كامب ديفيد التي أخرجت مصر من ساحة الصراع . حيث أن إعلان وثيقة الاستقلال اليهودية نصت على " إنه لمن الحق الطبيعي للأمة اليهودية بأن تكون أمة مستقلة في دولتها ذات السيادة مثلها في ذلك مثل سائر أمم العالم ." بطبيعة الحال في هذا تزوير ومحض افتراء ، حتى الحركات القومية فيها طالبت بحق للشعب اليهودي في تقرير مصيره ومستقلاً في دولته حسب النص التالي" إنه لمن الحق الطبيعي للأمة اليهودية بان تكون امة مستقلة في دولتها ذات السيادة مثلها في ذلك مثل سائر أمم العالم ".
بعد حرب حزيران نجحت التيارات الدينية في الدولة العبرية من إيهام الرأي العام بأن انتصار جيشها كان معجزة تثبت صحة النبوءة الإنجيلية مما كان له من أثر لصعود الأحزاب الدينية فيها وهيمنتها على حكوماتها منذ سبعينيات القرن الماضي. وهذا ما حوّل الصراع على فلسطين من نزاع مدني على الحقوق إلى صراع ديني على الأماكن المقدسة، مما دفع باليهود القوميين على التفكير في تغيير قواعد اللعبة بالتصالح مع الفلسطينيين لوقف هيمنة التيار الديني على إسرائيل. وما إن سنحت لهم فرصة حكومة إسحق رابين في عام 1992 حتى عقدوا اتفاق أوسلو في عام 1993 مع الفلسطينيين بعيداً عن مركز المسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة، إلا أن التيار الديني سرعان ما اغتال رابين واستعاد السلطة فجعل من اتفاق أوسلو نسياً منسياً. في مقابل ذلك خسر اليهود تعاطف وصداقة العرب والمسلمين الذين كانوا يلجأون إليهم كلما تعرضوا للمضايقات والاضطهاد فيجدون عندهم الحماية والإكرام والمساواة، بدليل أن الإمبراطورية العثمانية كانت مفتوحة الذراعين واستقبلتهم حينما انتهكوا في إسبانيا الكاثوليكية وحينما استبيحوا في روسيا الأرثوذكسية وحينما طردوا من دول شمال أوروبا البروتستانتية، وساوت بينهم وبين المسلمين وجعلت منهم الوزراء والحكام وأعضاء مجلس الدولة، بل ودافعت عن حريتهم الدينية بالسلاح في عهد السلطان با يزيد حينما فرض البابا المسيحية على بعض يهود الإمبراطورية قسراً .
في الحلقة القادمة سنتناول ما وراء الهجمة الاستيطانية بعد العام 1967..
بقلم/ عبدالحميد الهمشري