لا بد وأن أغلبية الناس شاهدوا مسرحية "ضيعة تشرين" للممثل السوري العريق دريد لحام.. وربما البعض ما زال يَذكر تلك المقولة التي كانت تختم بها "زينة" المحضر اليومي عن أحداث الضيعة وتقول.. "رزق الله ع ايامك يا مدبر حلوم". وقد ذكرني واقع مسرحية "ضيعة تشرين" بواقع شفاعمرو غداة انتخابات عام 1998. ومما يتوجب ذِكرهُ أن واقع "الضيعة" بعد رحيل "البيك" لم يكن أفضل من واقعها في أيامه.. فأن بقاء الوَضع على ما هو عليه.. مع حدوث تغيير طفيف هنا أو هناك.. هو أسوءُ مقارنةً بما كان قبلهُ، لأن الناس ترنوا إلى الأفضل، فمع التطور الطبيعي للحياة، والتقدم العلمي والتكنولوجي، يطمح الناس إلى لمس تطور ملحوظ على صعيد الخدمات والكرامة الإنسانية، فحين لا يكون ذلك ملحوظًا، يسود الشعور العام، والشعور الشخصي أيضًا.. حالة من اليأس والتذمر.
للحقيقة والتاريخ فان الرئيس الراحل إبراهيم نمر حسين، حاول قدر استطاعته تطوير البلد وتحسين الخدمات فيها، والحفاظ على العلاقات الاجتماعية لاهلها على قدر ما سنحت له الظروف بذلك.. ولا ننسى أنه كانت هناك قوى لها تأثير كبير على عمل البلدية، وخاصة على اختار الموظفين فيها وتوجيه سياستها العامة، كي يخدم ذلك مصالحها ويحافظ على امتيازاتها، إن كان ذلك من خلال تأثير صداقة قديمة، أو من خلال قدرتها في التأثير على نتائج الانتخابات، بالدعم أو الحَجب، مما كان يؤدي الى أخطاء وتجاوزات خطيرة. ومن خلال إستذكار الماضي وما كنتُ شاهدًا عليه، في الفترة ما بين عام 1983 وحتى عام 1889.. فإن ذلك يمدني بكثير من الحقائق التي تلزمني على احترام وتقدير الرحل أبو حاتم. ولا أريد أن أدخل في سجال حول تلك الحقائق، وأعتقد أن الكثيرين ممن عاصروه من اهالي شفاعمرو، ورغم الاختلاف معه على بعض الامور، يُكنون لهُ الكثير من التقدير والاحترام. حتى جاء عام 1998 حيث انتشرت أجواء شعبية تدعو إلى التغيير، ومما ترك فرصة قوية لتفاقم هذه الأجواء.. هو بقاء السيد إبراهيم نمر حسين تسعة وعشرون عاماً في سدة السلطة.. وعامل آخر زاد في الطين بلة، هو خروج أحد أكثر المقربين اليه ضدهُ، وهو السيد عرسان ياسين، زوج ابنته، فأعطى ذلك شعوراً قوياً بإمكانية نجاحه وفشل أبو حاتم.
ومنذ ذلك التاريخ تبدل على سدة السلطة في شفاعمرو ثلاثة رؤساء.. فكان في الفترة الأولى تطور ملحوظ على صعيد البنية التحتية، إلا أنها كانت فترة حملت أجواء سياسية مهينة لشفاعمرو وتاريخها، من الاحتفال بعيد الاستقلال في البلد ودعوة شخصيات يمينية عنصرية للمشاركة فيه.. إلى ارتداء العلم الصهيوني والتباهي به.. عداك عن التصريحات السياسة المعادية لشفاعمرو وشعبنا قاطبة. وقد ساهمت هذه الظاهرة بنجاح عدد آخر من رؤساء المجالس والبلديات العربية، ممن تماثلوا مع احزاب صهيونية عنصرية.. وقد تتعمق هذه الظاهرة في العديد من المدن والقرى العربية الأخرى، تحت ذريعة المثل القائل "إذا الك مصلحة عند الكلب، قول له ياسيدي" وإلى ترويج أجواء المهادنة، بأنه علينا أن نكون جزء من الدولة (الحكومة) لا أن نقف في وجهها، حتى نتمكن من الحصول على بعض الاعتراف بوجودنا، والحصول على ميزانيات من فتات موائدها.. وقد اثبتت الأيام فشل هذا النهج على جميع الاصعدة، إلا أنه نجح في تفكيك قوى النضال الجماهيري، وظهور تعددية سياسية، من حركات وقوى طائفية جاءت لتخدم مصالح المؤسسة الصهيونية.
ومن أجل توضيح ما أرنو إليه في نهاية المطاف، أود أن أُذَكر من نسيّ أو تناسى.. أنه منذ الانقلاب "الاعتباطي" كان هناك وعداً لأهالي شفاعمرو بتوزيع قسائم بناء في الاحياء الأربعة، وقد جاء الاعلان عن هذا المشروع على أساس تقسيم طائفي، الحي الاسلامي، الحي المسيحي، الحي البدوي والحي الدرزي.. ولم يتجرأ أي رئيس منهم على اعلان توزيع القسائم على أساس بلدي وليس طائفي، وذلك من خلال تحديد توزيع القسائم على أبناء البلد دون اعتبار للإنتماء الطائفي، وذلك على أساس ايجاد أماكن بين الاحياء المنفصلة، حتى يتسنى لهذه الاحياء أن تعطي نموذجاً للتعايش الاجتماعي، الذي ساد شفاعمرو، ومعظم البلدات العربية، حتى أواخر الثمانينيات، وكي يتعمق التواصل والإلفة بين أبناء الشعب الواحد. أما الأسوء من كل ذلك، والذي أعتبره أفضل من تنفيذ المشروع وتوزيع القسائم على أساس طائفي.. هو أن هذه الوعود التي تغنوا بها.. "وسطلوا سمانا" على أنغامها، على أنه مشروع لتطوير شفاعمرو، لم يتحقق منه شيء!! في حين أن الكثير من القرى والمدن العربية إستطاعت تحقيق ذلك، منها على سبيل المثال قرى منطقة الشاغور.. فماذا تبقى لهم؟
لا شك أن الوصول إلى رئاسة مجلس أو بلدية، هو أساسًا مفتاح للثراء والحصول على إمتيازات هائلة، ذلك على الصعيد الشخصي والعائلي أيضًا، ويؤهل صاحب السلطة من التحكم بكثير من الامور المالية والاجتماعية والسياسية أيضًا. وبما أنه تحت ظل سلطة حكومات عنصرية، لم يحدث (على ما أذكر) أنه تم إجراء تحقيق عيني موضوعي بعمل البلديات والمجالس المحلية العربية. فكيف يمكن أن نصدق محاكمة عدد لا بأس به من الرؤساء اليهود، أو أعضاء كنيست أو وزراء.. وحتى رؤساء حكومات.. بتهمة إستغلال السلطة والفساد، في حين وعلى مدار السنين، على ما أذكرأيضًا، لم يحدث أنه تم اتهام رئيس عربي بإساءة استغلال السلطة أو الفساد.. وكأن كل الرؤساء العرب، وأعضاء مجالسهم، قاطبة.. هم أنبياء مرسلون لا يخطؤون!! لو أن مؤسسة السلطة تريد الخير لنا، أو أنها تتعامل مع أية ظاهرة فساد ما تعاملاً قانونياً، دون اعتبارات عنصرية سياسية.. لوجدنا أن هناك عدد لا بأس به من الرؤساء العرب وألأعضاء خلف القضبان.
إن واقع بلداتنا الخدماتي والاجتماعي، والسياسي أيضًا.. هو واقع سيء بكل المقاييس، فما دامت أصوات الأكثرية من الناس يوم الانتخابات، تذهب بالاتجاه الطائفي أو العائلي الحمائلي، بقناعة قبلية عنصرية متوغلة فكرًا وممارسة، فإن هذا الواقع لم ولن يتغيير.. (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11])، ربما أن التذكير بهذه المقولة الانسانية، يغيير ولو قليلاً في نفوس من بقي بهم ضمير حي.
شفاعمرو - آب 2018
كتبها: زاهد عِزَّت حَرَش