حماس وعباس معزولان في الطريق لمصالحة أو لحرب أهلية

بقلم: طلال الشريف

مفارقة المفارقات أن تتنافس كل الأطراف من جديد علي غزة الفقيرة الحزينة المهملة.
عقد ونيف من زمن غزة تركوها لتغرق في البحر، هشموا كل ما فيها وخدشوا وجهها الجميل.
رغم ما تعرضت له غزة من حصار ودمار واعاقات حد الموت وخيل للبعض أنها أصبحت نسيا منسيا لا قيمة لها بعد إن فعلوا بها كل فعل مقيت.
معقول الذي يجري ؟ كل المنطقة تعود للصراع علي غزة ولماذا؟
غزة لم تكن يوما مطمعا بتروليا ولا مهبطا للوحي ولا قدسا من الأقداس، فقط كل ثروتها كتلة من البشر الصابرين،
حماس لا تزال تطبق علي غزة بفكيها كفريسة وقعت في زمن السهو .
مصر تريد أن تستعيد إلي حضنها وشائج القربي في أهل غزة لتتقي شرها.
دحلان يهيم حبا في غزة وهي تبادله الغرام من تحت ركام السنين في قصة حب للحياة من جديد كغودو.

قطر تحب غزة من طرف واحد وتريد قتلها لو لم تستجب لهذا الحب.

إيران تهوي غزة وتساعد بعض من فيها وتتمني التبعية.
تركيا تبحث في غزة عن مجد عثماني جديد.
إسرائيل حزينة بخبث علي حال أهل عزة الذين يحرقون أرض أجدادهم في رحلة يأس لا يفهمونها فتريد رفع الحصار عنهم وزيادة واتات الكهرباء.

كوشنير وجرينبلات لا يتركون فرصة لتصفية القضية بحجة فك أسر الغزيين "الغلابة".
أهل غزة من أوس وخزرج وقريش ومرتدين وقرامطة ويساريين وشعبويين ومن دينهم دينارهم سحقوها لكنهم يقولون إنهم يعشقونها.

طرفان يكرهان غزة حد العمي، اسرائيل وعباس.

اسرائيل تتمني أن يضرب غزة زلزال بعد أن لم يتحقق حلم غرقها في البحر.

عباس لا أحد يعرف لماذا يكره غزة سوي أنه وفريقه يكرهون دحلان ويحقدون عليه حد العمي وعلي ما يبدو أضاعوها بغبائهم.

الفرس والعثمانيين واليهود والسنة والشيعة ودينوف وبلا دينوف وشركاه لم يستطيعوا جميعا العيش دون عشق غزة.. فغزة تجيد فن الإغراء ولله في خلقه شؤون.

ها هم عادوا جميعا يقلبون أوراق غزة ويقبلون جباهها الدامية،،

تري غزة ستعشق من ؟ ولمن ستعطي قبلة الحياة؟

الأهم من كل ذلك هل عقم المصالحة مرتجع أم غير مرتجع ؟

سؤال مهم لابد من فهم الحالة بالضبط بغض النظر عن حيثيات الحدث وضغط بعض الضاغطين والمسهلين لعملية الإنقسام حينها والمدعين الإنقاذ حاليا، وكل من تداخل في الشأن الفلسطيني وله أجندته الخاصة سواء كانت مصالح دنيا أو آخرة.

قضية الإنقسام لها بيئة محلية خاصة يهمنا فهمها أكثر من التدخلات أيا كان صنفها رغم أهميتها.

مع بداية إنطلاق النواة الأولى للإسلاميين كجسم من خلال المجمع الإسلامي قبل انطلاق الجهاد وحماس وتبلور التشكيلات الإسلامية على شكل تنظيمات على السطح، كان واضحا رغبة إسلامية في الإنخراط في دائرة السياسة الفلسطينية وكان التيار الوطني بتلاوينه يأتلف في إطار جامع هو منظمة التحرير الفلسطينية التي قادت العمل النضالي خارج وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وبغض النظر عن إختلافات القوى المنضوية تحت عباءة المنظمة في حينه لم يكن الصراع الداخلي صراع إزاحة أو إحلال ولكن كان نوع من التسليم بواقع العدد والإمكانيات لكل تنظيم وعلاقاته مع الأصدقاء من العرب والأقليم والعالم.

بعد أوسلو ونشوء السلطة قوى عود التنظيمات الإسلامية وبدا واضحا المنافسة على قيادة الشعب الفلسطيني والرغبة المبكرة لحماس لدخول منظمة التحرير بالحصول علي أربعين في المئة من مقاعد المجلس الوطني وعينهم علي الإحلال والإزاحة.

وصلنا لسلطة أوسلو وأصبح التنافس أكثر شراسة بين الإسلاميين والوطنيين خاصة بعد أن قوى عود حماس والجهاد أثناء الإنتفاضة الشعبية الأولي وإزداد الوضع حدة في عملية التنافس مع التيار الوطني ومن الطبيعي أن يحتدم الصراع مع القوة الأكبر في المنظمة وهي التيار الوطني المركزي “فتح” وأصبح هناك دوافع داخلية وخارجية تزكي هذا الارتفاع في منسوب التنافس المستمر حتى الآن.

من عوامل الدفع الكبيرة لذلك التنافس ما تولد عن الواقع الجديد بنشوء السلطة واتفاقها مع الإسرائيليين على تنفيذ خطوات وبنود الاتفاق المرحلي أوسلو والتي لم تعجب الإسلاميين في حينها وذهبت حماس في اتجاه معاكس وصعدت العمليات والمقاومة وكان الدافع المستجد الهام أيضا هو المصلحة والمنفعة والرغبة في تقاسم السلطة إن لم يكن الاستحواذ عليها حتى وصلنا للإشتباك والإنقسام وها نحن على ذلك الانقسام منذ أحد عشر عاما ورغم كل المحاولات للمصالحة وإستعادة الوحدة للنظام السياسي الفلسطيني لم يفلح المتنافسون ولم يفلح الوسطاء في مغادرة الإنقسام.

الإنقسام هو صراع أخذ شكل التنافس على السلطة والمقدرات ومحاولات الإزاحة كما كل المتنافسين على حكم أي بلد ولكن الفارق الذي يميز فلسطين عن غيرها هو أننا جميعا تحت الاحتلال والتنافس بين الوطنيين والإخوان المسلمين.

بعد تغيير ميثاق حماس لوثيقتها وموافقتها على إقامة دولة على حدود يونيو حزيران للعام 1976 أصبح واضحا وبدقة أن التنافس الآن مرتبط بالصراع على الحكم وقيادة الشعب الفلسطيني أكثر من كونه صراع مع المحتل رغم الحروب الدامية على غزة ورغم الصلف الإسرائيلي والأمريكي بعدم الرضا حتى الآن عن برنامج القوتين المتنافستين المتماثلتين بالقبول بدولة في أراضي ما قبل حرب حزيران 1967 إلا أن هذا التنافس إستمر وبشدة وأصبح المجتمع الفلسطيني رهينة الصراع على السلطة والحكم وسيستمر وإرتبط بالمصالح الحزبية الفئوية أولا وليس بالقضية الوطنية النضالية أولا رغم تهديد الجميع بالعودة للنضال السابق ولكن هيهات فالبيئة تغيرت ونحن أمام إشكاليات مصيرية بعد قرار ترامب بمصادرة القدس من حقوق الشعب الفلسطيني وإستمرار حالة الضعف الفلسطيني ولنا أن نفهم سيرورة هذا التنافس الحزبي بالضبط وصيرورته ومن هنا تأتي صعوبة الوضع المنقسم لحين تلبية مطالب المتنافسين التي لا تتماشى مع رغبة كل منهما للإستحواذ على السلطة والحكم وخاصة بعد أن أعاقوا الطريق الديمقراطي للتنافس وهو صندوق الإنتخابات وليس من حلول غير العملية الإنتخابية لحل الصراع الداخلي وتبادل السلطة عبر صندوق الإنتخابات فمتى وكيف نفهم ويفهمون ذلك؟ ومتى وكيف يمكن تتوفر بيئة مناسبة للإنتخابات ؟؟ وسوريالية اللوحة الفلسطينية المحزنة تظهر فلسطين وهي تضيع وأحزابها تتصارع على السلطة والمصالح.

الآن بدأ ذوبان الجليد يجرف الجميع بعد التدخل المباشر في الوضع الفلسطيني من الجميع إنسانيا وسياسيا وسيناريوهات حل الصراع .

حماس ومعها كثيرون وجدوا مخرجا لأزمتهم مع النظام والحصار بما يطرحه الوسطاء رغم خطورة ما يجري من عزل لحماس ولغزة عن النظام السياسي والاداري بسبب رغبتها في فك الحصار وكسب أرض سياسية جديدة وشرعية وسطاء مشروخة دون صندوق الانتخابات ورحلة ضبابية لا أحد بعرف نهايتها دون مصالحة.

ورئيس بعد مشوار من التخبط في الادارة وصلت لدرجة قطع رزق المواطنين الموظفين وحصارهم دون مسوغ مقنع وتأخير متعمد غير مفهوم في إدارة ملف المصالحة حد انعزاله عن الواقع الغزي وما يجري لغزة وفي غزة وأصبح الرئيس الآن يركد مسرعا للحاق من نصحوه للإمتثال للحل فرفض فتجاوزوه وهو الآن والسلطة في موقف المعزول عما يحدث.

كما نري حماس تفك الحصار إلي العزلة عن النظام وما سيترتب علي خطوات الوسطاء، وعباس كذلك إلي العزلة عن غزة وحلولها وما سيترتب علي خطوات الوسطاء... حالة جديدة جديرة بالبحث والقراءة الموضوعية لنعرف كيف سيتم صياغة مستقبل غزة ومستقبل النظام السياسي الفلسطيني في ظل حالة العزل للطرفين المنقسمين وهل هي طريق للمصالحة بعد ذلك أم قفزة لمعاناة أكبر للشعب الفلسطيني... سؤال ستجيب الأيام القادمة عليه والإجابة محصورة بين مصالحة وبين حرب أهلية لا يراها الكثيرون بين أصابعهم بعدما يصبح الصراع بين الفلسطينيين أكثر ضراوة بحكم التغيرات السياسية الجديدة القادمة من خارج فلسطين والمتغيرات علي الأرض للحزبين الكبيرين.
* إشارتان في سياق التصعيد نحو المجهول الأولي عقد مجلس مركزي لا يعبر عن الكل الفلسطيني يضع علامة إستفهام علي مصير منظمة التحرير ، والاشارة الثانية بيان كتائب شهداء الأقصي خارج غرفة عمليات غزة وإعتقال أمن حماس لقياداته خوفا من اختراق التهدأة وجلب حرب إسرائيلية إستئصالية لحماس.

 

د. طلال الشريف