كلنا باختصار نفاوض الاحتلال في الداخل المحتل من اجل المساواة وفي غزة لرفع الحصار وفي الضفة لوقف الاستيطان والتهويد وتقسيم المقسم والعقوبات التي لا تتوقف ويفعل العرب فعلنا بطرق مختلفة وتشاركنا موسكو كما هي واشنطن
تقول الحكاية المضحكة أن أحد الجهلة ذهب في زيارة لأحد البلدان المتطورة وحين قرر العودة وجد على بوابة المطار مرآة يقف أمامها كل شخص قبل الدخول وفعل الرجل ما فعله من سبقه فقالت له المرآة بصوت واضح وأبلغته أن عليك أن تكون على الكاونتر رقم كذا الساعة كذا والبوابة رقم كذا الساعة كذا لان طائرتك ستقلع الساعة كذا فاستغرب الرجل الحكاية فذهب وغير بشكله وعاد ليجد نفس الجواب وفعل ذلك مرارا وتكرارا إلى أن ارتدى لباس امرأة ووضع نقابا يخفي وجهه وعاد ليقف أمام المرآة لتقول له وهي تضحك واصل هبلك يا سيد كما تريد فطائرتك قد أقلعت.
حين كان المشروع القومي المصري يحارب في اليمن ضد المشروع السعودي كانت مصر والسعودية ودون تنسيق تتفق على محاربة دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين ولو قولا وحين اختلفت العراق مع عديد الدول العربية ظل عداء دولة الاحتلال هي عدو الأعداء العرب المشترك فكانوا يقتتلون فيما بينهم ويتفقون ولو قولا في سعيهم للتخلص من وجود دولة الاحتلال على ارض فلسطين ولم يجرؤ احد من العرب على الإطلاق للإعلان عن استعداده لإقامة أية علاقة من أي نوع كان مع العدو المحتل لأرض فلسطين وكانت اكبر الجرائم أن يتم اكشف عن لقاء أي عربي أيا كان مع أي ممثل للمحتلين وعقوبة من يلتقي بهم من العرب كان الإعدام على اقل تقدير ويصل الأمر حد نبذ من بقي من أسرته وأقاربه أكان ذلك في فلسطين أو في الأقطار العربية قريبها وبعيدها ولم يكن بإمكان احد أن ينبس ببنت شفة عن حكاية التطبيع أو التفاوض وظل العرب لعقود وعقود متمسكين بلاءات الخرطوم الثلاث والتي ( لا صلح ... لا اعتراف ... لا مفاوضات ) ولم يحاول احد من العرب أن يتجاوز هذه الخطوط الحمراء حتى نهاية حرب أكتوبر وبدء نظام السادات مسيرة التفاوض بدءا من مفاوضات وقف إطلاق النار والكيلو 101 وانتهاء بكامب ديفيد والتي قادت مصر إلى قطيعة كليه مع العرب وصلت حد إخراجها من جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة الى تونس احتجاجا ورفضا لاتفاقيات كامب ديفيد التي لم تعد سيئة الصيت أبدا بعد سلسلة الاتفاقيات التي عقدها العرب والفلسطينيين مع دولة الاحتلال نفسها ولكن هذه المرة بعد أن أتمت احتلال كل الأرض الفلسطينية وليس جزءا منها كما كان الحال أثناء رفض الصلح والاعتراف والمفاوضات حين كانت كان تحتل جزءا من الأرض الفلسطينية وهذا الجزء المحتل كان من المفترض انه هدف العرب من التجييش والحشد لتحريره بما في ذلك الخطوات التي قام بها الراحل جمال عبد الناصر بإغلاق مضائق تيران والتي أدت إلى اشتعال حرب عام 1967م وما آلت إليه الأوضاع بعدها من هزيمة بشعة.
اليوم وبعد عديد الاتفاقيات الرسمية بين إسرائيل ودول المواجهة بما في ذلك سوريا ولبنان عبر وقف إطلاق النار ووجود قوات الطوارئ الدولية والتوافق العربي على أن تبقى مسالة إقامة باقي الدول العربية علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال متوقفة على تحقيق الحقوق الشرعية الأبسط للشعب الفلسطيني والمختزلة بحق إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 م وقبول القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني بذلك عبر قرارات المجالس الوطنية والمركزية ومؤتمرات الفصائل المتعاقبة والتي انضمت إليها مؤخرا حتى حركة حماس التي ظلت تعلن عن هدف تحرير كل الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر كهدف مقدس بات اليوم هدف يمكن القفز عنه لصالح دولة على حدود الرابع من حزيران أو وقف لإطلاق النار طويل الأجل ليس مقابل الحرية لبقعتي الأرض تلك ولا لشعبها بل بعض التحسينات على حياة الشعب الواقع تحت أبشع صنوف القهر ومن الجميع في غزة وبدل حكاية التحرير التي يبدو أن أحدا لم يعد يذكرها ظهرا حكاية رفع الحصار ووصل الكهرباء وفتح المعبر كأهداف وطنية عليا للشعب الفلسطيني الذي صار بإرادتنا أو رغما عنا شعوب لا شعب واحد.
قديما كان العرب يتشاركون عن قرب أو عن بعد العداء لدولة الاحتلال الصهيوني واليوم صاروا يتشاركون في صداقتها رغم عدائهم الأعنف لبعضهم فالسعودية ومصر والإمارات والبحرين يقيمون حلفا ضد قطر بينما يقيم الجهتان علاقات بدرجات متفاوتة ولكن علنية مع دولة الاحتلال تصل حد الحميمية مع إسرائيل والجفاء والعدوانية فيما بينهم بل إن بعض القوى التي تحارب بعضها في اليمن وسوريا والعراق وليبيا تقيم علاقات عمل وتعاون بكل الأشكال مع دولة الاحتلال هذه ويجري التشاور والتزاور والتنسيق بل وحتى التخطيط المشترك حد السعي للعمل المشترك ضد إيران وسوريا وحزب الله بأشكال وأنماط مختلفة.
مع ذلك فان لا احد من الشعب الفلسطيني كان يعول كثيرا على الأنظمة العربية وظل الأمل يعيش في أوساط الشعب مبنيا على م ت ف وفصائلها وحتى فيما بعد أوسلو وقبول المنظمة الرسمية بالاتفاقيات مع إسرائيل ظلت قوى عديدة في مقدمتها حركة حماس والجهاد الإسلامي تشكل مصدر الأمل للشعب وطموحاته وقد تواصل ذلك بلا انقطاع تقريبا حتى الحرب العدوانية الأخيرة على غزة بعد انفصال غزة عن الضفة رسميا وبدء مفاوضات إسرائيلية حمساوية بهذا الشكل أو ذاك وبوساطة مصرية أو قطرية وبدء العرب يتحولون علنا إلى وسطاء بين دولة الاحتلال وأجزاء من الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وتواصلت أشكال الوساطة إلى أن وصلت حد القيام بدور الضامن منذ السادات وسعيه لجلب الفلسطينيين للتفاوض بداء من مفاوضات المينا هاوس وجنيف مرورا بنظام مبارك ومرسي وانتهاء بالنظام الحالي حتى أصبحت الوساطة العربية مع إسرائيل مطلبا فلسطينيا لا غبار عليه وصارت مهمة المخابرات المصرية التوسط وإدارة المفاوضات ولم تعد ذلك البعبع الذي أخاف دولة الاحتلال لعقود وعقود ولم يعد احد يذكر حكاية السفارة الصهيونية في القاهرة ولا رفع العلم الذي يجمع نهري النيل والفرات على صفحته في قاهرة المعز.
لم يعد هناك حرب للتحرير ولا ثورة للتحرير بل أصبح الشعب الفلسطيني منقسما على ذاته عبر ملفات يديرها كل على طريقته ومصالحه ومعاناته ضد الحصار وقانون القومية والصفعة وغيرها فالشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والساحل يدير معركة مساواة وضد قانون القومية وتسانده الضفة في ذلك بأرفع وأجزل الخطابات والكلمات بينما تنشغل غزة وفصائلها برفع الحصار ووصل الكهرباء ورواتب الموظفين وتساندها الضفة لفظا وتحاربها على الأرض بمواصلة فرض بعض العقوبات, في حين لا تجد الضفة وسيلة لإدارة ملفات كبيرة كالقدس والاستيطان والمقاصة ورواتب اسر الشهداء والأسرى وتهجير المهجر وتقسيم المقسم حد سعي الاحتلال المعلن إلى تقسيم الضفة رسميا إلى كانتونات مرهون حضورها بغياب الرئيس محمود عباس بينما ينشغل من بالشتات بالعودة لمخيم اليرموك او تحسين ظروف الحياة في مخيمات لبنان أو السعي للحصول على جنسية مواطنة أية دولة على وجه الأرض شريطة أن لا تكون دولة عربية ولا يفعل العرب بالمقابل شيئا سوى فتح أبوابهم لاستيعاب شبابنا وإخراجهم من الوطن على حساب الوطن لصالح لقمة العيش.
في المقدمة أوردت حكاية مضحكة لنبكي على حالنا فنحن لا نمارس كل الهبل هنا وهناك منفردين ومنقسمين ليس على حالنا فقط بل وعلى قضيتنا أيضا التي قمنا بتقزيمها بأيدينا لتصبح قضايا وقضايا لا حلول لها ومفاتيحها جميعا بيد الاحتلال وجبهته وكل ما نفعله أننا نفاوضه عليها وقد نسينا كليا كل شعر كان ذات يوم عن الحرية والتحرير للشعب والوطن بعد أن صار الشعب جاليات والوطن مساكن وبطاقات مرور فلنواصل هبلنا إذن ما دامت الطائرة قد أقلعت.
كلنا باختصار نفاوض الاحتلال في الداخل المحتل من اجل المساواة وفي غزة لرفع الحصار وفي الضفة لوقف الاستيطان والتهويد وتقسيم المقسم والعقوبات التي لا تتوقف ويفعل العرب فعلنا بطرق مختلفة وتشاركنا موسكو كما هي واشنطن وتبدو إسرائيل اليوم بأرقى حالاتها إلى أن وصل تصنيفها الائتماني العالمي إلى أعلى درجاته وباتت قاسما مشتركا بين الجميع حتى من يعادون بعضهم فقد زار نتنياهو موسكو أكثر من واشنطن ويصادق من يقتتل من العرب أكثر من العرب أنفسهم ويفاوض أكثر من جهة فلسطينية كل على حدة ويهود ويسرق ويمزق بالأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني كما يشاء. فإلى أين إذن ستصل بنا سفينة الأعداء هذه.
بقلم/ عدنان الصباح