لا بدائل عن وكالة الغوث

بقلم: وسام زغبر

تتعرض قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة لخطر كبير ومحدق في ظل المشاريع الأميركية والإسرائيلية وبعض الطروحات والمواقف الخطيرة لبعض الأطراف الفلسطينية بغض الطرف عن النوايا، من مدخل تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ليست عجزاً مالياً
الدلائل تشير إلى أن الأزمة المالية لـ"الأونروا" ليست عجزاً مالياً بحتاً سببه عدم التزام الدول المانحة بالتزاماتها اتجاه الوكالة، بل هي قضية سياسية بامتياز تكشفت معالمها مع تخفيض الولايات المتحدة الأميركية مساهمتها المالية من 365 مليون دولار إلى 65 مليوناً، تمهيداً لإعلان وفاة وكالة الغوث، وتجفيف مواردها المالية وإفراغها من وظائفها وإحالة خدماتها إلى الدول المضيفة.
من الغريب والمستهجن في الوقت نفسه أن يطالب البعض بإعفاء وكالة الغوث من واجباتها عبر طرح بدائل بتأسيس "منظمة عربية واسلامية" لرعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين وخدماتهم في الدول العربية المضيفة، بذريعة أن "الأونروا" تتقاعس في تأدية مهامها، وأنها تمارس سياسة إذلال اللاجئين، وتحت ذريعة التحرر من "تحكم الدول والجهات المانحة بالدعم المالي المقدم للاجئين وتوظيفه لأغراض سياسية"، ما يقود عملياً إلى إعفاء الدول المانحة والمجتمع الدولي والأمم المتحدة من مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية عن ولادة قضية اللاجئين، وعن حلها بموجب القرار 194 الذي كفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
بدائل لـ"الأونروا"
ويرى ناشطون في حركة اللاجئين، أنه بدلاً من طرح بدائل لـ"الأونروا" كـ"منظمة عربية وإسلامية"، من الأولى مطالبة الدول العربية والإسلامية بالالتزام بتعهداتها في دعم موازنة الوكالة وبنسبة 7.8% تنفيذاً لقرارات جامعة الدول العربية، والعمل على تجنيد القوى والضغوط على الجهات المانحة لتفي بالتزاماتها نحو وكالة الغوث، لتؤدي خدماتها، باعتبارها حقاً مكتسباً من حقوق اللاجئين لا يسقط إلا بالعودة إلى الديار في فلسطين المحتلة عام 1948.
ويضيف الناشطون، أن من يرغب في تقديم المساعدات إلى اللاجئين الفلسطينيين، يمكن ذلك عبر المنظمات الأهلية الناشطة في المخيمات الفلسطينية، ضمن مشاريع مدروسة ومخطط لها، دون أن يعفي ذلك "الأونروا" من واجباتها.
وحسب ناشطين فإن تلك الدعوات وغيرها تتقاطع (بغض النظر عن النوايا) مع دعوة البيت الابيض الى تعديل تفويض عمل وكالة الغوث الدولية بذريعة أنها تتحمل المسؤولية عن "استمرار وتفاقم أزمة اللاجئين وليس حلها"، والرسائل بين كبير مستشاري الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنر وعدد من كبار المسؤولين من بينهم مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، كشفت عنها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تدعو لإسقاط قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات وإنهاء عمل وكالة "الأونروا"، وتلتقي مع دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (11/6/2018) لتفكيك وكالة "الأونروا" ودمج مؤسساتها في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، على اعتبار أن الوكالة تخلّد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلا من حلها، وكذلك دعوة الحاخام اليهودي بني آيالون لإلغاء "الأونروا"، وتوحيد اللاجئين في مفوضية الأمم المتحدة.
تهميش والتفاف على "اللاجئين"
ليس خافياً، أن القيادة الرسمية الفلسطينية تتحمل مسؤولية تهميش قضية اللاجئين الفلسطينيين في اتفاق أوسلو بإحالة ملفها إلى قضايا الوضع الدائم، علماً أن ذكر القرار 194 لم يعد كافياً بحد ذاته، بعدما توافق الجانبان المتفاوضان الفلسطيني والاسرائيلي، على أن ما يتم الاتفاق عليه بشأن قضية اللاجئين هو "التطبيق العملي" للقرار المذكور.
ولم تقف عند هذا الحد، تنازلات القيادة المتنفذة في منظمة التحرير بل تجاوزت ذلك بالموافقة على مبادرة السلام العربية (2002) والالتفاف على قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر "حل عادل ومتفق عليه وفقاً للقرار 194"، بما يناقض النص الصريح بـ"العودة إلى الديار والممتلكات" الذي يكفله القرار 194. ولم تتوقف القيادة المتنفذة عن الحديث على العودة إلى "الدولة الفلسطينية"، وليس إلى "الديار والممتلكات التي هُجِّر منها اللاجئون منذ العام 1948".
بالمقابل، استغلت إسرائيل المفاوضات التي استمرت لنحو 25 عاماً لتصعد موقفها من قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، بإطلاق "قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية"، في سياق العمل على فبركة قضية جديدة تسلح المفاوض الإسرائيلي بورقة إضافية في رفضه الاعتراف بحق العودة. فإسرائيل موقفها ثابت من حق العودة وهو رفض المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية عن ولادة قضية اللاجئين ومأساتهم.
خلاصة القول، إنه أمام الحلول الأميركية والإسرائيلية، والطروحات المشبوهة والتصفوية التي تواجه قضية اللاجئين وحق العودة، على حركة اللاجئين ومجموع القوى الوطنية ودائرة شؤون اللاجئين، خوض معركة الحفاظ على وكالة "الأونروا" كشاهد حي على قضية اللاجئين وتشريدهم، ومجابهة المشاريع المشبوهة التي تطرحها "صفقة القرن"، والتصدي لمشاريع شطب حق العودة للاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، وتصفية وكالة الغوث عبر بدائل أخرى، أو إعادة صياغة تفويضها أو تعديله، برفض تخفيض خدماتها أو تجفيف مواردها، أو إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني.

بقلم: وسام فتحي زغبر