يبدو أن ماراثون السباق لم يعد باتجاه واحد فقط وهو ما اصطلح على تسميته بالمصالحة الفلسطينية بل بات الأمر يبتعد تدريجيا عن هذا الهدف باتجاه هدف آخر لم يكن في الحسبان أصلا وهو الصلح بين حماس وإسرائيل فالمفاوضات بين الطرفين سواء كانت مباشرة أم بواسطة فقد باتت هي الأكثر سخونة ولم يعد الأمر محصورا بموضوع الأسرى بل تعدى ذلك لينتقل إلى مفاوضات حول الطائرات الورقية والصواريخ ووقف إطلاق النار طال أمده أم قصر فهو قائم بكل الأحوال ويجري ترقيعه بين الفينة والأخرى بما يصل الى مفاوضات لفتح المعابر وحتى إقامة مطار وميناء خارج غزة لتخدم أهالي غزة بهذا الشكل أو ذاك.
تشير كافة التقارير والأخبار المسربة للإعلام عن مفاوضات وقف إطلاق النار بين غزة وإسرائيل أو بين حماس وإسرائيل إلى أن وتيرة هذه المفاوضات سريعة أكثر بكثير من سرعة لقاءات المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس وان تقدما كبيرا طرأ على تلك المفاوضات بينما غيبت مفاوضات المصالحة في الثلاجة ومن المسلم به أن أي تقدم في مفاوضات الصلح سينعكس سلبا على موضوعة المصالحة بشكل تام, ذلك أن أي اتفاق بين حماس وإسرائيل سيعني بالضرورة رفضا تاما له من قبل السلطة الفلسطينية في رام الله وبالتالي رفض التعاطي مع مخرجاته وسيعني أيضا استعداد الجهات الداعمة لهذا الاتفاق لإنجاحه بتقديم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي لأصحابه مما يساهم في تعميق الفجوة أكثر فأكثر ين غزة والضفة وهو هدف الداعمين الحقيقي.
محاولات تحقيق المصالحة في الفترة الأخيرة لم تعد قائمة على موضوعة الوطن والقضية ومستقبلهما ولا حول البرامج السياسية لكلا الطرفين بل بات الأمر الأكثر سخونة هي الرواتب والموظفين والكهرباء ومن يحكم غزة وكيف, وبالتأكيد فان الأقدر على تحقيق هذه المطالب ليست السلطة في رام الله بل أولئك المستعدين لدفع فاتورة تعميق الانقسام في واشنطن التي دعت إلى ورشة عصف ذهني في البيت الأبيض لتقديم العون إلى غزة حضرها حتى الأخوة الأعداء من العرب ما دامت أمريكا تريد ذلك, ولا يعني أمريكا وإسرائيل شيء على الإطلاق سوى الوصول بالانقسام حد القطيعة الأبدية عبر انجاز شكل من أشكال الاتفاق مع حماس يطال قطاع غزة فقط وهو ما تسعى إليه إسرائيل وأمريكا بكل قوة بهدف تنفيذ شعار حل الدولتين عبر دولة غزة المسلمة ودولة إسرائيل اليهودية وتلوين وتقسيم وتدمير الضفة الغربية لصالح كيانات حكم ذاتي منفصلة هنا وهناك وتغييب القدس في طيات التوراة.
التقارير الصحفية الإسرائيلية غير البريئة أبدا تتحدث بتواصل عن سباق تسلح في الضفة الغربية بين الطامعين بخلافة الرئيس عباس وصراعات على الإمساك بزمام الأمور وتشير تلك التقارير إلى مصلحة البعض في الضفة وغزة بعدم الوصول إلى المصالحة بين حماس وفتح ومنع عودة الوحدة لشطري الوطن بأي شكل من الأشكال ورغم أن تلك التقارير تتحدث عن صراع فتحاوي فتحاوي في الضفة إلا أن الأمر قد لا يكون كذلك تماما ولن تقف حماس مكتوفة الأيدي في حال حصل مثل هذا الأمر وسنجد أنفسنا أمام تلاوين عجيبة غريبة من المتصارعين أو المقتتلين في الضفة الغربية تشمل كل الفصائل بغض النظر عن قوتها أو تعداد أفرادها أو تسليحها فسيحتاج البعض هذه الفصائل ليبدو بصورة الأكثر شرعية حتى لو لم يعد منها سوى اسمها وقد نجد أيضا أسماء وقوى جديدة ما انزل الله بها من سلطان.
إسرائيل التي تروج لاقتتال فلسطيني تضع في الطريق أيضا فرضية أن ينتقل هذا السلاح إلى أيدي ترغب بمحاربة إسرائيل وبالتالي بتوجيه السلاح إلى جيش الاحتلال ومستوطنيه وهي بذلك تؤسس لفكرة حماية ذاتها من هذا السلاح الراغبة به للاقتتال الفلسطيني الفلسطيني فقط وهي في سبيل ذلك وتحت شعار حماية امن مستوطنيها جيشها ستجد في ذلك مبررا لتقطيع أواصر الضفة الغربي ومنع تواصلها بإغلاق المعابر الرئيسية الماثلة أمامنا وما قد يستجد كشكل من أشكال الحدود اليوم في زعترة ووادي النار وعنبتا وكذا بالكتل الاستيطانية هنا وهناك.
في الضفة سيجد الفلسطينيين تشجيعا على الاقتتال واقتسام الضفة يهدف إلى إضاعتها وفي غزة سيجدون تشجيعا على تحقيق اتفاق مع إسرائيل يفضي إلى إطلاق يد حماس كليا هناك بما يضمن تحويل قطاع غزة إلى دولة من دولتين سعى المجتمع الدولي إلى تثبيت مطلبهما عبر كل العقود السابقة وحتى يضمن تغييب حكاية حدود الرابع من حزيران والقدس والعودة فان أفضل الخيارات أن يتم انجاز هدف تقسيم وتشتيت الفلسطينيين كل خلف مطلبه ومصالحه فغزة تبحث عن الخروج من الطوق والضفة تبحث عن خلافة الرئيس والجليل والمثلث والنقب يلهثون خلف قانون القومية وفي الشتات بات بناء مخيم اليرموك يشبه بناء بيوت غزة وقد يصبح انجاز العودة إلى المخيم بديلا لانجاز العودة إلى الوطن.
بكل الأحوال فان كل السيناريوهات التي يجري الحديث عنها أو التأسيس لها أو حتى مجرد الترويج لها في الضفة وغزة والداخل والشتات لا تسعى سوى إلى هدف واحد وهو شطب القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضايا إنسانية هنا وهناك فغزة ستتمدد في سيناء عبر مطارها ومينائها ومدن صناعية هنا وهناك للتشغيل أصلا ثم لنقل عائلات العاملين للعيش حيث لقمة العيش وسيسعد الفلسطينيون في الجليل والمثلث والنقب حين ينتصروا عبر محكمة العدل العليا بوقف أو تخفيف قانون القومية ويحققون نصرا لقضاياهم أو يتم إجراء تعديلات هنا وهناك على القانون كما هو الحال بالمفاوضات مع القيادات الدرزية, أو نجد في إدارات ذاتية معزولة أيضا للقرى والتجمعات العربية حلا لا بديل عنه وقد نحقق في الضفة أكثر من انتصار عبر أكثر من موقع يقبل بشكل أو بآخر بحل مشاكله مع الاحتلال وجيشه ومستوطنيه مقابل قضايا حياتية بعد أن يتم انجاز التجربة نفسها في غزة التي يبدو أنها تحقق نجاحا قد نرى نتائجه قريبا وستجد كل من الأردن وسوريا ولبنان أنفسهم مجبرين على قبول مواطنين جدد على أراضيهم بعد أن يتم سحب تسمية لاجئين عنهم ويجري تحسين أوضاعهم الحياتية فمخيم اليرموك الجديد وكذا البداوي لن يكونا نسخة عن ما سبق بل نماذج لمدن وأحياء جديدة وماثل للعيان جيدا حجم الضغوط التي يتعرض لها الأردن حاليا ليتساوق مع مشاريع ترامي التدميرية.
الخلافات الفلسطينية الفلسطينية تطال كل شيء فلم يعد الأمر حكرا على فتح وحماس ولا على الضفة وغزة فقد قاطعت فصائل فلسطينية كالجبهة الشعبية المجلس الوطني وقاطعت الديمقراطية والمبادرة المجلس المركزي ولا احد يدري من سيلحق بهم غدا بما قد يصل بنا إلى مرحلة يصبح فيها هدم البيت أسهل من ترميمه وحرق روما أسهل من إنارتها حين يشارك الكل في الجريمة بما يضمن أن لا يحاسب أحدا احد ونغيب بأيدينا الذات الوطن لصالح الذات الأنا فردا أو جماعة.
حين تصبح غزة وطنا للكهرباء والماء والمعابر وتصبح جنين وطنا لا يلتقي بالخليل وتبحث أم الفحم عن حل لقوميتها وتغضب كفر عقب حين تكتشف أن القدس بعيدة عنها وتخضر هويات سكان العيزرية وتصبح قلقيلية معزلا كمعازل كندا وأمريكا ستصبح المصالحة أمر بلا معنى ويصبح الصلح أمر مفروغ منه وتفتح إسرائيل أبواب ديمقراطيتها للمصلين من كل الأديان ليسجدوا على بلاط الأقصى ويشعلوا الشموع في القيامة ولا احد سيذكر أن المبكى هو البراق وان القدس قبلة المسلمين والمسيحيين الأولى وسنجد من يقول لهم " أنى توجهت فثم وجه الله ".
بقلم/عدنان الصباح