من خلال جلسة ودية جمعت بيني وبين أحد أساتذة العلوم السياسية في إحدى الجامعات , كان النقاش حول الفرق بين الحركة والحزب , وإختلفت معة على أن حركتي فتح وحماس لا زالتا حركات تحرر أم تحولوا الى أحزاب سياسية , فكان رأيي أن فتح وحماس وبعض الفصائل التي تشارك في الإنتخابات التشريعية والرئاسية , قد دمجت بين كونها حركات تحرر لا زالت تقاتل من أجل التحرير , وبين أحزاب سياسية تمارس عملها في إطار دولة تحكمها مؤسسات رسمية وسيادة القانون , وهي تمارس عملها السياسي سعيا للوصول إلى الحكم .
ومن هذه المقدمة نستطيع أن نقول أن حركة حماس أبسط مما نتصور , بمعنى أن حركة حماس ليس حركة دينية وعقدية بإمتياز, ولا تسعى لتطيق الشريعة الإسلامية , ولا تسعى أن يكون حكمها بنظام الخلافة والولاية , إنما هي تؤمن بالدولة المدنية "العلمانية" والتي ترتكز على النظام الديمقراطي والمؤسساتي والقوانين الوضعية , وغيرها من أدوات الحكم والتي لا صلة بينها وبين الخلافة الإسلامية والشريعة والحدود , وكل ما يربط بينها وبين تسميتها كحركة إسلامية هو سيطرتها على المساجد في قطاع غزة , وتنسيب الأعضاء الجدد الى الحركة من خلال جهاز الدعوة والذي يعمل من خلال المساجد , مستندا على تحفيظ القرآن وأصول الفقه والشريعة , وهذا السلوك ليس غريبا ولا جديدا على المجتمع الفلسطيني , فقد نجد أن تحفيظ القرآن في كل البيوت , والمؤسسات الخيرية والأهلية تعمل على تحفيظ القرآن , وأيضا الجامعات والمدارس تعمل على تحفيظ القرآن , فتحفيظ القرآن وأصول الدين أصبح جزء كبير من ثقافة وتركيبة الشعب الفلسطيني , دون أن يقتصر على حزب معين , وهذا لا يميز حركة حماس عن باقي المجتمع الفلسطيني والمتدين بالفطرة .
رغم أنني أختلف كثيرا مع حماس , إلا أنني لا أجد أي داعي للقلق والخوف من دخولها في الحكم والمشاركة في الحياة السياسية , لأن الفجوة بينها وبين الحركة المنافسة لها سياسيا "فتح" ضيقة جدا , بحيث لا يوجد خلاف عقدي بين فتح وحماس , إنما هو خلاف سياسي بإمتياز , وهو خلاف سياسي محصور جدا , لأن فتح وحماس تتفقان على مصطلح دولة فلسطينية على حدود 67 , وتتفقان أيضا على الكثير من المصطلحات السياسية والمتعلقة بذلك , فالخلاف بينهما ينحصر في توزيع الأدوار والصلاحيات فقط .
من خلال مقارنة بين حركة حماس وباقي الحركات السياسية في داخل فلسطين وخارجها , وجدت أن حماس الأقرب الى فتح دينيا وسياسيا , فلو قارنا بين حماس والجهاد الإسلامي لوجدنا المسافة بعيدة جدا , فحركة الجهاد الإسلامي لا زالت حركة تحرر ولا تؤمن بالإنتخابات والدخول الى الحكم , وهي لا زالت تنادي بتحرير فلسطين من النهر الى البحر , ولا تؤمن بدولة على حدود 67 كما تؤمن حماس .
ولو قارنا بين حماس وحزب التحرير , والسلفية الجهادية وبعض الحركات الجهادية الموالية لهما , لوجدنا أن المسافة بينها وبين حماس بعيدة جدا عقديا وسياسيا , فحزب التحرير والسلفية تناديان بالخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة والحدود , وحركة حماس تنادي بالدولة المدنية "العلمانية" , وفي مقارنة بين حماس كونها تتحدث بإسم الدين وبين داعش مثلا , لوجدنا فارق كبير بين من يتحدث بإسم الدين من خلال الدولة المدنية , وبين من يطبق الدين من خلال الإعلان عن خلافة إسلامية , بغض النظر عن الشبهات الموجودة في داعش ولكننا نتحدث عن أيديولوجيات , إتفقنا معها أو إختلفنا .
ولو قيمنا حركة حماس سياسيا وعسكريا لوجدنا أن نقوها لا يتخطى حدود قطاع غزة , وإنها تعمل بمنظومة عسكرية وأمنية لا تختلف عن باقي الفصائل المسلحة والكثيرة في قطاع غزة , وبما أن حركة حماس تمتلك ماكينة إعلامية قوية , أظهرتها بحجم أكبر من حجمها الطبيعي , وفي ذات الوقت أظهرت باقي الفصائل المسلحة في غزة صغيرة جدا , ولا ننسى الإعلام العبري والذي بدورة أعطى حركة حماس حجما أكبر من حجمها الطبيعي , وذلك بهدف سياسي وأمني وعسكري يعود الى تخطيط إسرائيل وأهدافها من ذلك , وتضخيم الإعلام العبري لقدرات حماس ساهم في الترويج لحماس أمام الرأي العام .
رغم أن حركة حماس بعيدة كل البعد عن قضية التكفير , وأيضا عن مشروع الخلافة الإسلامية , إلا أنها لها طموح سياسي في الداخل والأقليم , وخاصة بعد تخليها عن الإخوان وإندماجها تدريجيا مع الأنظمة العربية , ومحاولة كسب صداقات وحلفاء , ففي المشهد السياسي المهيب الذي يجمع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة , من أجل ملفي الهدنة والمصالحة , نجد أن حماس أول من يذهب للحوار وآخر من ينسحب , وهذا بحد ذاته يشير الى إستعداد حماس للتعاطي مع كل أدوات الحكم في المنطقة , وأيضا إستعدادها التام للحوار مع إسرائيل .
السؤال الذي يطرح نفسه , بما أن المسافة بين فتح وحماس قريبة جدا دينيا وسياسيا , إذا لماذا إستمر الإنقسام إثنا عشر عاما ؟ ببساطة النزاع بين فتح وحماس ليس على من يمثل الدين فكلاهما يطبق النظام العلماني , وليس على من يمثل فلسطين في الخارج , فالمسألة محسومة عربيا ودوليا , فليس هناك ممثل شرعي ووحيد غير منظمة التحرير والتي تقودها حركة فتح , فالنزاع الحقيقي بين فتح وحماس هو في إدارة دولة فلسطين في الداخل , حماس تسيطر على غزة , وفتح تسيطر على الضفة الغربية , فالمشكلة تكمن في حالة دمج غزة مع الضفة , حينها من يسيطر على المساحة الأكبر وخاصة في غياب المؤسسة التشريعية , وغياب حق المواطن في الإنتخابات .
إذا أردت الحديث بتفصيل أكثر في هذا الموضوع قد أحتاج الى عشرات الصفحات , لأن هناك ملفات كثيرة تحتاج التوضيح والدراسة , ولكنني سأكتفي بالقول بأن حركة حماس أبسط مما نتصور , ورغم أخطاءها المتراكمة إلا أنها بعيدة عن قصة التكفير , وأيضا بعيدة عن مشروع الخلافة وتطبيق الشريعة , فيجب على حركة فتح إستغلال التقارب بينها وبين حماس دينيا وسياسيا , والعمل على الشراكة .
بقلم/ أشرف صالح