لم استطع ابدا تخيل الفرح المؤجل في بريد يحتجزه الاحتلال منذ 2010، ولا الحزن المؤجل على جثامين الشهداء التي يحتجزها الاحتلال منذ عشرات السنين، لكنني استطيع تخيل الفرح الغامر بقدرة المحتل على خلق فلسطيني معلب بصلاحية محددة.
اصبحنا كفلسطينيين بلا فرح وبلا حزن وايضا بلا مواد حافظة، نتلف بسهولة، نأمل بسلام مؤجل وحلول مؤجلة انتهت مدة صلاحية اتفاقياتها ونسعى لأي فرح ظاهري وبأي شكل.
وربما لان الحزن والفرح وظيفتان بشريتان طبيعيتان، نسعى بكل جهد الى تبني اي مظهر كاذب للتعبير عنهما، ففيما الحزن الالكتروني بايموجي حزين يكفي لاظهار الحزن، تصبح صناعة السراب والفرح الاسمنتي والزجاجي رائجة. هنا اعمال تجارية غير حقيقية بالالاف تتمثل بمطاعم ومقاه وسيارات فارهة وشقق فخمة نمتلكها بقروض بنكية، ومحلات ملابس راقية يضطر البعض لاخذ قرض دوار او جار مدين لاستيفاء شرط الشكل او الفرح الظاهري، والان تصبح الضفة مستنبتا للحشيش والماريغوانا وغيرها وفي حواضن الكترونية لا يمكن بحال تصنيعها هنا لاننا بلد لا يبني لاقتصاد صناعي بل لاقتصاد استهلاكي وبطبقة وسطى تتضاءل الى حدود مقلقة جدا لانها لصغرها غير قادرة على حمل مشروع نهضوي بمعايير اقتصادية بسبطة ولا حتى حمل مشروع دولة بمقومات لها صفة الديمومة. وعليه، لا يصبح الاحتلال متهما بتوريد الاشتال او خلق مستنبتات في الضفة بل وفي توريد التقنيات، تقول مصادر مطلعة.
هل يحتاج الفلسطيني للمخدرات كي يعيش بمستوى معطيات الوهم الحداثوي الذي تمت صناعته ويحتاج الى اموال طائلة بيسر كي يستوفي كل مظاهر الانفاق المطلوبة ام انه بحاجة لها لتطول مدة تعليبه وكي يحس بأنه يسرق الفرح من فم الزمن المعلق في فلسطين. هذا الفرح نقيض للفرح الملغي في غزة وحيث ينظرون الينا نحن في رام الله اخوة وعربا وآخرين على اننا نعيش وبما يكفي كي نعاقب على هذا الفرح احيانا بان نحرم من التعاطف او حتى الحق في الحديث عن نضالنا اليومي وبؤسنا الذي تحتكر فئة 10% ملكيته الفارغة والامتيازات الاخرى التي تمكن من العيش برفاهية ليست نحن، ولا ندري الى مدى يمكن ان تستخدم هذه الصورة ضدنا وعلى عدة اصعدة ليس اقلها الكلام وليس ابعدها الحقد الذي يحرك نحو الانتقام.
نحن نناضل ليس على جبهة الاحتلال فقط بل وعلى جبهة السراب الحداثوي ونظهر كأننا نرغب في ممارسة انسانيتنا حيث تسمح لنا الظروف التي يخلقها الاحتلال ايضا ونريد ان نحل تلك المعضلة التي تظهرنا على اننا سعداء جدا فيما ترتفع نسبة الاصابة بالسرطان نتيجة لملوثات مستعمرات الاحتلال الصناعية التي تلاصق مدننا وقرانا والان انتشار المخدرات بأنواعها. ويبقى الموت او الاعاقات برصاص القناصة فعلا يوميا في كل الوطن والاعاقات المجتمعية رد فعل على كل شئ كأننا نحتمي بالنار منها.
بنك الجلد البشري في دولة الاحتلال هو الاكبر في العالم، وبنوك الاعضاء تعمل بشكل ممتاز، هل التقارير الاسرائيلية عن استخدام الشهداء الفلسطينيين لرفدهما صحيحة؟ البريد الاسرائيلي يحتجز الرسائل والفرح ثمانية اعوام والوكيل الاسرائيلي لكل البضائع حتى الاحذية يصر على ان يربح كما التاجر الفلسطيني المضطر الى الشراء منه بسعر كيانه المحتل. جوجل يرفض ان يسمينا فلسطين وما نستورده مباشرة من الموانئ التي كانت لنا ندفع ضرائب باهظة عليه لصالح الاحتلال ثم نبدو بمعجزة او مؤامرة كأننا نعيش بفرح اغلبه مستورد او مقلد وغالي الثمن وندفع ثمنه باهظا من مشروعنا الوطني والانساني واليومي وحتى علاقاتنا في ظل تبادل الاتهامات بالطبقية او مقارنات بين من يعيش اقل، من يعيش افضل!
في القدس يشجع الاحتلال الشباب على تناول المخدرات بطرق غير مباشرة، فبينما يرتفع معدل البطالة والتسرب من المدارس لسببين: اسرلة المناهج المدرسية في المدارس العربية التابعة لبلدية الاحتلال والرغبة في المساهمة في العمل لسداد ضرائب الارنونا العالية جدا والمزدوجة على العقار السكني والتجاري مملوكا او مؤجرا لا فرق، تدفع سلطات الاحتلال الاف الشواكل للمتعاطين تحت بند مساعدة اجتماعية وتشترط لحصول المتعاطي على المبالغ فحص دم شهري يثبت وجود المخدر في دمه وقيام زوجته او قريباته باداء الخدمة الاجتماعية في مرافق يديرها الاحتلال، مجانا.
الوضع المركب هنا وفي القدس لا يسمح لنا بأن نمارس نضالا مباشرا او موتا مباشرا؛ يا له من بؤس معلب بتغليف فاخر ومواد مبتكرة لصلاحية اطول او أقل يحددها الاحتلال.
بقلم : نداء يونس