لقد طالعتنا بعض الصحف والوكالات الإخبارية في الأسبوع الماضي بأن هناك وبرعاية من أحد الدول العربية يتم الترتيب لعقد لقاء بين جرينبلات وهنية؛ وأكدت ذلك مصادر صهيونية يوم الأربعاء الماضي عن ترتيبات تجري لعقد لقاء بين مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط "جايسون جرينبلات" وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. وقالت المصادر أن دعوات السلام الأمريكية التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب خلال الفترة الماضية لاقت استحسان لدى قيادة حماس التي تسعى إلى عقد هدنة طويلة الأمد في قطاع غزة. وحسب المصادر فإن الاجتماع يجري الترتيب له في إحدى دول الخليج العربي دون ذكر اسم الدولة أو موعد اللقاء؛ في حين أن الرئيس الفلسطيني السيد/ محمود عباس رفض طلباً من مبعوثي البيت الأبيض جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات زيارته في وقت سابق من الشهر الماضي، وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أن هذا الرفض جاء بسبب وجود قرار رسمي فلسطيني بمقاطعة الإدارة الأمريكية لمواقفها المنحازة "للكيان الصهيوني". وكانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت عن رفضها لأي وساطة أمريكية في المفاوضات مع الكيان الصهيوني احتجاجا على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة " للكيان الصهيوني " ونقل سفارة واشنطن إليها.
وبناءً على ذلك: أرى أن مثل هذه اللقاءات وفى هذه الظروف الصعبة والحرجة والغير مناسبة خاصة في وقت لم تتم فيه المصالحة بين الكل الفلسطيني أن يجرى لقاءات مثل ذلك مع أي جهات أو أشخاص يمثلون رؤساء دول أو إدارة لدول شركاء للكيان الصهيوني في الجرائم ومخططات التهويد يُعتبر خرقاً وانتهاكاً خطيراً للنظام السياسي الفلسطيني ومخالفاً للقانون والدستور؛ وبناءً عليه فأننني اقول بانه لا يجوز لأي فصيل أو حركة فلسطينية أو أي جهة غير رسمية أن تقوم بعقد أي لقاءات بخصوص القضية الفلسطينية إلاَّ من خلال منظمة التحرير الفلسطينية أو الجهات المختصة في دولة فلسطين والتي تستمد صلاحيتها من النظام السياسي الفلسطيني سواءً الدستور أو أي تشريع فلسطيني يقضي بذلك منعاً من تسرب العدو وأعوانه إلى الجسد الفلسطيني بمخططاته إلى أى فصيل أو حركة فلسطينية أو أي شخصية وطنية واستخدامها كأداة في ابتزاز القيادة الفلسطينية ومحاولة الضغط عليها أو توجيهها إلى أهدف لا تخدم المشروع الوطني الفلسطيني ومنها على سبيل المثال لا الحصر تعميق الانقسام وتعزيزه وتحويله إلى انفصال أو طرحهم كبديل للمشروع الوطني الفلسطيني.
إَّن هذا الخبر بهذا الشكل يُعتبر سلوكاً جديداً وخطيراً لأن أبو مازن بصفته رئيساً لدولة فلسطين ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيساً للسلطة الفلسطينية وهو الممثل للشعب الفلسطيني قد أعلن
رفضه إلى أي لقاءات مع الإدارة الأمريكية لأنها أصبحت غير مؤهلة لأن تكون راعية للسلام.
إَّن دول عديده حاولت أن تلعب دوراً كبيراً في الضغط على القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس أبو مازن والمحاولة في تقديم الإغراءات المالية والاقتصادية والإنسانية الإغاثية وتنفيذها بقطاع غزة إدراكاً من هذه القيادة بأن ذلك يُعتبر تنفيذاً لسياسة رئيس حكومة الكيان الصهيوني حيث أنه منذ توليه لمنصب رئيس الوزراء في حكومة الاحتلال وهو يصرح ويقول بأن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية إغاثية وليس سياسية، ويقول أيضاً بأنه لا يوجد أرضى فلسطينية محتله بل هي أرضي متنازع عليها، وأنه يُدير صراعاً ولا يرغب في إنهائه، وبهذا الوضع الراهن أن لم يكون هناك مصالحة عاجلة بين حركتي فتح وحماس فسيكون المشروع الوطني والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في خطرٍ، وسيتم استغلال الانقسام البغيض لتمرير صفقة القرن، وفى حالة عدم الاتفاق والمصالحة بين الأشقاء في حركتي فتح وحماس فإن فتح لن توافق على التهدئة وأن حماس من المتوقع أن توقع على التهدئة، ومن ثم الهدنه لكى تُنفذ المشاريع الإنسانية والاقتصادية وتقوم بإدارتها، وبذلك سيتم اقصاء أهم الفصائل وهى فتح وسيكون هذا الاجراء هو السبب الرئيس في فصل قطاع غزة عن الضفة الفلسطينية والقدس جغرافياً وسياسياً وديموغرافياً.
إنَّ التوقيع قانوناً هو من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ويمثلها حسب النظام السياسي الفلسطيني القيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن، وطالما أن فتح متمسكة بالتمكين وحماس متمسكة بالموظفين فلن يكون هناك مصالحة، وحماس ستذهب للتوقيع على التهدئة ثم الهدنة رغم أن المناضل الفتحاوي مروان البرغوثي قدم مبادرة من خلال عمل مؤتمر أو اجتماع للجنة المركزية بحركة فتح وأعضاء المكتب السياسي بحركة حماس لكى يتم الاتفاق والمصالحة بين الحركتين، وهذا جهد طيب ومشكور إلاَّ أن هذا يُعتبر في إطار المبادرات التي يقدمها دائماً كمناضل من داخل السجون الصهيونية ولا أحد يشك في إخلاصه وعمله الوطني وهو بطل ومناضل كبير له كل الاحترام والتقدير من أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن لا أتوقع أن تُطبق هذه المبادرة أو أن يتفق عليها كلا الحركتين لأن الثقة بينهما لم تعد قائمة أو موجوده وهى مفقودة منذ زمنٍ طويل، أما بالنسبة إلى الجهود والمبادرات المصرية في المصالحة الوطنية الفلسطينية فقد جاءات واضحة ولكن للأسف الشديد رغم كل الجهود التي يبذلها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي والأجهزة السيادية وعلى رأسها سعادة الوزير عباس كامل إلاَّ أنه حتى الآن لم يتم التوقيع على اتفاق المصالحة، ولم يتمكن كلاهما من تقديم مصلحة الكل الفلسطيني على مصلحة الحركة أو الحزب ليتم انهاء الانقسام وتوحيد الشعب الفلسطيني لمواجهة المخططات الصهيوامبريالية، وهذا واجبهم الوطني والقومي الذي من أجله تم إنشاء هذه الفصائل والحركات الفلسطينية.
وأخيراً انصح جميع الفصائل والحركات المعارضة والمؤيدة وجميع القادة من مستقلين ومثقفين وإعلامين ورجال إصلاح وخلافه بالاصطفاف خلف القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس حتى وإن اختلفنا معه في بعض القضايا أو في طريقة إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني حتى نثبت للعالم كله بأن الشعب الفلسطيني هو شعب حضاري ويستحق الحياة كباقي شعوب العالم ومن حقه أن يُنهي الاحتلال، وأن يُقرّر مصيره، وأن يكون له دولة وعاصمتها القدس الأبدية وأن يعود اللاجئين إلى قراهم ومنازلهم في فلسطين.
بقلم الدكتور/ عبد الكريم كامل شبير الخبير في القانون الدولي ورئيس التجمع الفلسطيني المستقل