عندما تتجدد عروض الكونفدرالية على الفلسطينيين من الجانب الإسرائيلي أو من الجانب الأمريكي كما حدث هذه المرة , تعود مخيلتي لما كان قبل عام "1967" عندما كانت الضفة الغربية تحت وصاية الأردن , وغزة تحت وصاية مصر , وكانت الجيوش العربية متماسكة ومتحدة , والأنظمة كانت مهتمة بالقضية الفلسطينية , بدليل إنشاء منظمة التحرير عام 1964 بقرار عربي وناصري , فكان بإمكان الدول العربية أن تمنحنا الدولة الفلسطينية المستقلة أناذاك , على حدود ما نسميه الآن 67 , ومر علينا أكثر من خمسين عاما ونحن لا زلنا نطالب بهذه الدولة والتي كانت تحت وصاية العرب .
هناك بعض الكتاب والمؤرخين يقولون أن وصاية الأردن على الضفة , ومصر على غزة قبل عام 67 , كانت أشبه بالنظام الكونفدرالي , وهناك من يقول أنه كان نظام فدرالي , وهناك من يقول أنه كان إحتلال , كما يزعم اليهود في تقييمهم لوصاية الأردن على الضفة والقدس آناذاك .
وبعد هذه التوصيفات في سياقاتها التاريخية يجب أن نوصف نحن الكونفدرالية التي يريدونها الأمريكان في المبادرة التي طرحوها على الرئيس .
الكونفدرالية في مفهومها القانوني والسياسي والإجتماعي أيضا , عبارة عن ميثاق وإتفاق وإتحاد بين دولتين أو أكثر , على أن تكون هذه الدول مستقلة وكاملة السيادة , فهل فلسطين مستقلة وكاملة السيادة ؟ وهل كونفدرالية الأردن وفلسطين تحتاج الى عروض من أمريكيا في حال كانت هي الحل , أم هي قرار مستقل من الدول المعنية بهذا المشروع ؟ وهل في حال وافقنا كفلسطينيين على نظام كونفدرالي , ستوافق مصر والأردن ؟ بالطبع لا إجابة على هذه الأسئلة قبل أن تكتمل أركان الكونفدرالية التي يريدونها منا الأمريكان .
من الواضح أن الكونفدرالية التي طرحتها أمريكيا على الرئيس أبو مازن , تختلف تماما عن الكونفدرالية المتعارف عليها في العالم , ومن المؤكد أنها ستقتصر على علاقة الضفة الغربية بالأردن , وغزة ليس بالحسبان لأن غزة مفصولة أصلا , وبحكم الواقع الجيوسياسي والأمني وبالإضافة الى الإنقسام , فغزة محسوبة على مصر دون أي إتفاق على الورق .
أما ما تبقى من الضفة الغربية دون القدس الشرقية , فأمريكيا تريدها تحت إدارة الأردن كما كانت قبل عام 1967 , وذلك تحت مسمى كونفدرالية , وحتى المبادرة الأمريكية لم يرد فيها توضيح ما إذا كانت إسرائيل ستعترف بأجزاء الضفة الغربية كدولة مستقلة , أم ستعتبرها مجرد إقليم تابع للمملكة الهاشمية الأردنية , بحسب ما ورد عن صحيفة هآرتس العبرية .
من البديهي جدا أن نعلم مخططات أمريكيا وإسرائيل لطمس الهوية الفلسطينية , تحت مسميات عديدة وآخرها الكونفدرالية التي تريدها أمريكيا , ولكن الأهم أن نراقب أدوات التنفيذ والتوقيت الذي تختارة أمريكيا لطرح مبادراتها علينا .
أصبحت أمريكيا تستخدم القوة الإقتصادية لتسهيل مهامها , والتي تتمثل في حجب المساعدات عن وكالة الغوث وعن الحكومة الفلسطينية أيضا , وذلك بالتزامن مع طرح مبادراتها , لتكون القضية الفلسطينية أرض خصبة لإستقبال هذه المبادرات والتعاطي معها بأي ثمن , ومن حسن حظنا أن القيادة الفلسطينية واعية لقواعد اللعبة , وتم القبول المشروط للمبادرة بأن تكون إسرائيل جزء من الكونفدرالية , وهذا يعتبر رفض بإمتياز , بالإضافة الى وعي الأردن أيضا ورفض المبادرة على لسان وزيرة الخارجية الأردنية .
الكونفدرالية بحد ذاتها مقبولة لدى الفلسطينيين في حال إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 , وعاصمتها القدس الشرقية , فهي ستكون ميثاق وإتحاد بين دولة فلسطين والأردن , وهذا جيد لمساندة ونموا الدولة الرضيعة .
أما الكونفدرالية التي تريدها أمريكيا فهي ليس أكثر من قطعة أرض بسكانها تنضم الى الإدارة الأردنية بمعزل عن دولة غزة , وهذا بالطبع مرفوض من القيادة الفلسطينية والأردن أيضا ,
بقلم/ أشرف صالح