لا للكونفدرالية اليوم كما لا للتوطين ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

إثنان وسبعون عاماً مضت على المأساة الفلسطينية وقضيتها المزمنة بكل قضها وضجيجها وتعقيداتها، وهي لا تزال تراوح مكانها دون تسوية تنهي آلامها وتزيل آثارها وتضع حداً للصراع في فلسطين وعلى فلسطين الأرض والمقدسات والتاريخ والمستقبل ...

رغم ما عنت به الأمم المتحدة ومن قبلها عصبة الأمم وصدر العديد من القرارات عنهما بشأن هذه القضية وهذا الصراع إلا أنها أي منها لم يجد طريقه للتنفيذ بعد، طبعاً التعنت الصهيوني والصلف الإستعماري الغربي ممثلاً اليوم بالولايات المتحدة وعلى رأسها إدارة الرئيس ترامب هو السبب في ذلك.

القضية الفلسطينية قضية وطنية بإمتياز لا يمكن حلها دون إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين، بدءا من حق العودة وإنتهاء بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وقد جهدت قوى عديدة دولية في البحث عن إمكانية إيجاد حلٍ للشعب الفلسطيني وقضيته خارج حدود إقليم فلسطين بما يسمى بالتوطين في المناف القريبة أو البعيدة ولكنها جميعها باءت بالفشل على صخرة ثبات وتمسك الشعب الفلسطيني بحقه بالعودة إلى وطنه وتمسكه بكافة حقوقه المشروعة فيه ..

يسعى الكيان الصهيوني وبعض القوى الدولية إلى تصدير القضية والشعب الفلسطيني إلى الجوار العربي وخصوصاً إلى الأردن ومصر عبر حل إقليمي مدعوم دولياً، وكأن العرب ومصر والأردن وسوريا ولبنان خصوصاً أي دول الجوار الفلسطيني هم المسؤولين عن مأساة الشعب الفلسطيني وقضيته وبالتالي عليهم يقع عبء الحل ..!

طبعاً هذا الحل مرفوض كل الرفض من الفلسطينيين شعباً وقيادة، أفراداً وجماعات، كما هو مرفوض عربياً سواء أردنياً أو مصرياً أو سورياً أو لبنانياً، ليس كرهاً بالشعب الفلسطيني، وإنما دعماً وتعزيزاً لصمود الشعب الفلسطيني في وطنه ودعماً وتعزيزاً لحق لاجئيه بالعودة إلى وطنهم وديارهم ومدنهم وقراهم التي هجروا وإقتلعوا منها عنوة سواء في عدوان 1948م أو عدوان 1967م .. لأن العدو الغاصب وحلفاؤه قد قصدوا من عمليات التهجير الجماعي والتطهير العرقي الذي مارسته العصابات الصهيونية والكيان الغاصب في حق الشعب الفلسطيني لإخلاء فلسطين من شعبها وتحميل مسؤولية الشعب الفلسطيني لدول الجوار العربي وغيرها، والتنصل من أية مسؤولية قانونية وأخلاقية وسياسية، تجاه الشعب الفلسطيني، وما فعلته في حقه من إبادة وتهجير وإقتلاع من موطنه والإستحواذ على أراضيه خالية منه، كي يتأتى للإستعمار الإستيطاني العنصري التوسع والبناء في أراضيه وإكمال سيطرة الكيان الصهيوني على كامل إقليم فلسطين، هذه السياسات المعتمدة لدى الكيان الصهيوني وحلفاؤه الأمريكان لا زالت تمثل جوهر تفكيرهم في حل الصراع وتصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني ...

لذا تطالعنا بعض الأفكار الإسرائيلية والأمريكية بفكرة الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية، كأحد الأفكار التي يسعون من خلالها التخلص من عبء القضية الوطنية الفلسطينية والتخلص من الإستحقاقات المتوجبة بدءا من حق العودة إلى حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، .. بل أكثر من ذلك كي يواصل الكيان الصهيوني سياسة التهجير والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني تحت غطاء هكذا أفكار وحلول خادعة ظاهرها الوحدة والتعاون وباطنها التهجير وإفراغ الأراضي لحساب التوسع الإستعماري الصهيوني وإعفاءه من أية إلتزامات أو حقوق للشعب الفلسطيني في وطنه ... وتحميل ذلك لدول الجوار وفي مقدمتها الأردن الشقيق.

إن مثل هذه الأفكار لن تجد القبول من جانب الشعب الفلسطيني شعباً وقيادةً جماعة وأفراداً، وكذلك من الدول العربية وفي مقدمتها الأردن الشقيق وذلك إنطلاقاً من الحرص الأكيد والشديد على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين وتعزيزاً لصموده ومطالبه المشروعة ...

يغيب عن ذهن البعض ماهية الكونفدرالية، علماً أنها علاقة إتحادية بين كيانات مستقلة أي دول ذات سيادة، ولا يؤدي الإتحاد الكونفدرالي إلى تلاشي سيادات هذه الدول المؤسسة له لصالح الإتحاد الكونفدرالي بينهما والذي ينظمه دستور مشترك أو إتفاق معين يتم برضى الطرفين لتنظيم العلاقات المشتركة بينهما، ويحافظ على السيادة الخاصة لكل عضو من أعضاءه قائمة...

لذا فإن الطرح الخبيث لفكرة الكونفدرالية على الفلسطينيين قبل تحديد حدود دولتهم وإنتزاع إستقلالهم وإنهاء الإحتلال والإستيطان لأرضهم وممارسة حق العودة وتقرير المصير، ما هي إلا فكرة خبيثة والتفافية على هذه الحقوق الثابتة والمشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في وطنه.

ونحن نؤكد على رفض الكونفدرالية اليوم ليس من منطلق الشعوبية ورفض الوحدة وإنما تأكيداً على العلاقات المميزة بين الشعبين الشقيقين الفلسطيني والأردني وتأكيداً على دعم الشعب الأردني للشعب الفلسطيني الشقيق في حقه في العودة وتقرير المصير على أرضه في دولة مستقلة وعاصمتها القدس، وبعد إنتهاء الصراع فإن للفلسطينيين والأردنيين أن يقرروا في شكل العلاقة المميزة التي تربط بين الشعبين بإرادتهما الحرة والمستقلة.

لذا يقول الشعب الفلسطيني لا كبيرة للكونفدرالية كما قالها لا كبيرة لكافة مشاريع التوطين .. رغم ما يحظى به الشعب الفلسطيني من دعم وتأييد ومؤازرة من كافة أشقاءه في كافة الدول العربية وفي مقدمتها من الأردن الشقيق الذي تربطه به علاقات تاريخية وسياسية وعشائرية مميزة، إلا أن مثل هذا الطرح الآن ومثل هذه الأفكار هي المؤامرة بعينها لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته ...

إن مشكلة الشعب الفلسطيني وقضيته لا تكمن في شكل العلاقة التي تربطه بأشقاءه وبالأردن خاصة، إن مشكلته تكمن في إستمرار الإحتلال والإستيطان وتغييب الحقوق المشروعة له في وطنه وإغتصابها من قبل الإستعمار الصهيوني، وقبل البحث في أي صيغة مستقبلية لعلاقة فلسطين وشعبها بالأردن الشقيق، لابد من إيجاد الحل الذي ينهي الإحتلال الصهيوني والإستيطان العنصري لأراضيه، وتمكينه من ممارسة حقه في العودة إلى وطنه ودياره التي إقتلع وهجر منها، وتمكينه من ممارسة حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

لذا كما قال الشعب الفلسطيني لا كبيرة للتوطين، فإنه اليوم يقول أيضاً وبالفم الملآن لا كبيرة للكونفدرالية مع الأردن الشقيق، لأنه ليست هذه قضيته أو مشكلته رغم تميز العلاقة التاريخية بين الشعبين والقيادتين.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس