يُحكى أنه كان هناك غابة واسعة الاطراف.. استوطنتها مجموعات من قبائل مختلفة، من الذئاب والحمير والكلاب، أضافة الى قبائل اصلية من الخراف البرية والمدجنة التي كانت تعيش فيها. فازدهرت الحياة في الغابة وعمها التقدم والرقي، فاقيمت في ربوعها الحدائق الغناء والبحيرات والنوافير، وبدت كأنها من اجمل غابات الدنيا، حتى اطلق عليها سادتها اسم غابة الحليب والعسل.
وحدث انه فى احدى الايام المشمسة، خرجت مجموعة من الخراف من حظيرتها، بغية التنزه في ربوع بعض حدائقها، فانسل خمسة خراف مبتعدين عن القطيع، ودخلوا الى حديقة لا تبعد عن الحظيرة سوى اميال قليلة، حيث انهم لم يرغبوا في تحمل عناء المسير لمسافات بعيدة. تنقل الخراف الخمسة في ربوع الحديقة، ومروا بمحاذاة روضة غنية بالازهار والورود الجميلة.. كما استمتعوا برؤية النوافير والبحيرات فيها، إلى أن وصلوا إلى بقعة مظللة باشجار كبيرة خضراء، تمتد تحتها مساحة مليئة بالعشب اليانع الأخطر، فطاب لهم المكان فلعبوا وضحكوا وغنوا وبرطعوا فرحين.
وفيما الخراف الخمسة جالسون على بساط العشب الأخضر، يتجاذبون أطراف الحديث فرحين سعداء.. وإذ بكلب أسود يتقلد سلسلة وضعت فيها نجمة زرقاء لامعة، تتراقص بانعكاس أشعة الشمس عليها.. يقترب منهم، فظنوا أنه عابر سبيل، إلا أنه حين أصبح بمحاذاتهم، نبح بصوت مبحوح وسألهم: - ماذا تفعلون هنا؟ فاجابه أحدهم، وكان خروف أسمر اللون تكلل رقبته فروة سوداء تدل على هيبته وجديته.. قال: نتنزه في الحديقة لبعض الوقت. فرد عليه الكلب الأسود قائلاً: - ألم تعلموا بالقانون الجديد الذي يحرم عليكم الخروج من حظائركم؟ فاجابه الخرروف: لم يُحرم القانون علينا التجول في الحدائق.. فهي بلادنا أيضًا. فقال له الكلب: لو أنكم تحترمون ما وهبنا لكم من رغد عيش وسعة حال ولم تتطاولوا وتتصرفوا بوحشية، لما اعترضنا عليكم ولا قام سيدنا الحمار الكبير بسن ذلك القانون الذي يحد من حقوقكم. فسأله الخروف مستغرباً: وماذا فعلنا حتى توجه لنا مثل هذا الكلام؟ فقال له الكلب: لماذا تحرشتم بتلك الكلبة الشقراء التي مرت من هنا قبل نصف ساعة من الآن؟ ذُهل الخراف الخمسة وارتعدت فرائسهم.. وبدأوا ينفون أية علاقة لهم بالأمر.. محاولين اقناعه بكل الطرق أنهم لم يعترضوا كلبته الشقراء ولم يتحرشوا بها. لكن الكلب الأسود نبح وزمجر وقال لهم: انتظروني هنا وسآتيكم بالدليل القاطع على فعلتكم.
عاد الكلب الاسود من حيث جاء وهو يتلفت يمنة ويساراً.. يزمجر تارة وينبح أخرى الى أن توارى عن عيون الخراف.. أما الخراف الخمسة فبدأوا يتساءلون فيما بينهم، أي اثبات سيجلب لنا؟ وكيف عرف بما حدث مع الكلبة الشقراء؟ هل أخبرته بقصتها معنا؟ فتارة يقنعون أنفسهم بانه كلب عنصري كاذب، وتارة يتوجسون من ردة فعله.. إلا أنهم أصروا على البقاء في مكانهم، حتى لا يقال أنهم خراف جبناء.
لم يمضي على ذهاب الكلب الأسود وقت طويل، فما مضى من الوقت سوى عشر دقائق أو أكثر بقليل.. وإذ بمجموعة من الكلاب يتقدمهم ذلك الكلب الأسود.. وكل منهم يكشر عن انيابه وينبح والزبد يتطاير من فمه.. ارتعبت الخراف وهمت مسرعة تبحث عن طريق ووسيلة للهرب.. لكنه كان قد فات الآوان. فان الكلاب احاطت بهم وبدأت تنهش في صوفهم وتمزق ما تصل إليه من أطرافهم. علا صراخ الخراف تستغيث طالبة للنجدة.. وهي تحاول بكل ما لديها من قوة أن تدافع عن نفسها.. مرة بواسطة قرونها وعدة مرات تحاول أن تهدء من روع الكلاب وهجومها، بأن تشرح لهم أن علاقات وثيقة تربط قبيلتهم بقبيلة الكلاب وأسيادها.. فلم تنفع محاولاتهم ولا استغاثتهم.. إلى أن مر بالقرب من المكان كلب بني اللون ضخم البنية ينتمي إلى قبيلة أخرى، فهجم على الكلب الأسود وجماعته ففروا هاربين. عندها قام الكلب البني بمساعدة الخراف بالعودة إلى حظيرتهم.
وما أن ذاع وشاع خبر الاعتداء على الخراف في الغابة، حتى بدأت وفود التضامن مع الخراف تأتي من كل اطراف الغابة.. فتضامن معهم كبير قبيلة الذئاب الشرقية، معرباً بذلك عن دعوته لقوى حفظ النظام بتحمل مسؤليتها ومعاقبة المعتدين.. وتوافدت مجموعات من عدة قبائل أخرى من الذئاب الرمادية والذئاب السوداء والذئاب القطبية الحمراء، كما حضر بعض من أبناء قبائل الكلاب متعددة الانتماء، تعبيراً عن تضامنها مع الخراف.. فعُقدت الاجتماعات وصدرت البيانات المنددة بالاعتداء الآثم. ووقف الخطباء ينددون ويعبرون عن رفضهم لما ارتكبه الكلب الأسود ومجموعته.. حتى أن كبير قبيلة الخراف قام يرحب بالضيوف الكرام، ويستميت في اقناعهم أن العلاقات المميزة بين أبناء قبيلته وباقي القبائل الأخرى لن تتأثر بهذا الحادث العابر، لأنها علاقات تاريخية قائمة على المصالح المشتركة التي عمادها الاحترام والمودة.
وهكذا ايها السادة الأنجاب تم تنفيذ قانون الغاب بواسطة كلاب الارهاب ضد خراف لها اذناب.
سردها لكم: زاهد عِزَّت حرش