اتسعت دائرة المقاطعات الفلسطينية للاعبين الدوليين على ساحة المسار الفلسطيني الإسرائيلي، فبعد الإدارة الأميركية وظهور اشتراط جديد عليها هو إقالة كوشنر وغرينبلات، أضيف اسم ميلادينوف الذي طولب الأمين العام للأمم المتحدة بإقالته، نظراً لخروجه عن التفويض الممنوح له، ومد مهامه إلى مجالات يرى رجال السلطة أنها ليست من اختصاصاته.
وهذا الذي تطالب به القيادة الفلسطينية يتجه لأن يكون شروطاً حاسمة لا تراجع عنها للعودة إلى طاولة المفاوضات، وقبل ذلك لوصل ما انقطع من علاقات مع الإدارة الأميركية، ومع الرئيس ترمب بالذات.
ومن خلال تجربتي في العمل الفلسطيني، فإن احتمالات تغيير المواقف تظل واردة، والأمر في هذه الحالة يتوقف على البدائل التي يمكن أن تعرض. والمؤثرون في هذا المجال هم الوسطاء؛ خصوصاً ممن يرتبطون بصداقات شخصية أو سياسية مع النافذين والمؤثرين في السياسة الفلسطينية، وهم جميعاً اسمهم محمود عباس.
لهذا أوجه نصائحي في سلسلة مقالات لكثرتها، أو بتعبير أدق لكثرة الموضوعات التي أرى ضرورة تقديم النصح فيها.
قبل كتابة هذه المقالة، أعلنت مصادر إسرائيلية أن الرئيس الأميركي، طلب لقاء الرئيس محمود عباس على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ونشر إلى جانب ذلك اشتراطات من جانب الرئيس الفلسطيني لإتمام هذا اللقاء.
نصيحتي أن يحول الرئيس عباس اشتراطاته الحادة قبل اللقاء إلى أحد بنود جدول أعمال اللقاء (لو تم)، إذن فأنا أنصح - وهذا غير شعبوي - بإتمام اللقاء، وإذا كان لا بد من وضع شروط فلتكن حول الموقف الفلسطيني من استئناف عملية السلام، وهنا سيكون الرئيس عباس في موقع أفضل، وتكون المقاطعة التي قادها للإدارة الأميركية قد أتت ببعض أكلها، وهذه هي القرائن التي أراها دامغة على ذلك.
أولاً، أن المعارضة الحادة التي أظهرها الرئيس عباس لـ"صفقة القرن"، والجهد القوي الذي أداه في هذا الاتجاه، خصوصاً بعد القرارات غير المسؤولة للرئيس ترمب بشأن القدس و"الأونروا" وحتى الاستيطان... إلخ، كان لها أبلغ الأثر في إعاقة "صفقة القرن"، وتأجيل عرضها رسمياً حتى الآن. ويسجل للرئيس عباس أنه لم يرضخ للحرب النفسية التي أعلنت ضده، سواء من خلال الإعلان الأميركي الساذج بتغيير القيادة الفلسطينية، والمقصود هنا عباس بالذات، ومن خلال طرح مقولة: "سنمضي قدماً بك أو من دونك"، وصمود عباس تحت هذا النوع من الضغوط يسجل كنقطة قوة في مصلحته لو التقى الرئيس ترمب، مع احتفاظه بكل المواقف التي اتخذها في كل أمر يتعلق بـ"صفقة القرن"، والدور الأميركي المنحاز بصورة سقيمة وغير مسؤولة لإسرائيل.
ثانياً، فيما يتصل باشتراط إقالة كوشنر وغرينبلات وميلادينوف، فبوسع الرئيس عباس محاولة إقناع رؤساء هذه الشخصيات التي لا يرغب في العمل معها، بأن أداءهم للمهام الموكلة إليهم اتخذ سمة الضغط على الفلسطينيين، وليست الوساطة الموضوعية المفترض أن يقوموا بها. ولا شك في أن لدى الرئيس محمود عباس قرائن مقنعة في هذا المجال، قد تكون أقوى في أمر كوشنر وغرينبلات مما هي في أمر ميلادينوف الذي لا يحرك ساكناً دون إذن من رئيسه الأمين العام، إذن فإن الذي ينبغي أن يخاطب هنا هو الرئيس وليس الموظف عنده.
ثالثاً، اللقاء مع الرئيس ترمب، الذي لا بد من أن يسبقه إعلان فلسطيني قاطع قبل الخطاب المرتقب أمام الجمعية العامة وأثناءه وبعده، يرفض قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة التي يجمع العالم على أن واقعها يجب ألا يتغير إلا بموافقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وعبر المفاوضات، مع رفض كل القرارات التي اتخذها ترمب والتي تجحف بالحقوق الثابتة والمعترف بها دولياً للفلسطينيين، هذا الإعلان سيبعد أي شبهة بأن اللقاء يعني الموافقة على سياسة ترمب؛ بل على العكس من ذلك، ففيه يقال ما يقال خارج اللقاء، وفيه كذلك - وهذا هو الأهم - شجاعة المواجهة وجهاً لوجه، ولا يضار الرئيس عباس لو قال بعد اللقاء: "لم نتفق". وفي حال عدم اللقاء سيجد الرئيس ترمب فرصة للتعبئة ضد الفلسطينيين الذين يديرون ظهورهم لمحاولة تحقيق السلام!
وبالنسبة للرئيس ترمب، قد يصل الأمر به إلى حد تصعيد حربه على الفلسطينيين، مستخدماً ذريعة كهذه.
إذن فأنا أنصح بإجراء اللقاء، دون أي تغيير في الموقف الفلسطيني، تماماً مثلما يفعل كل من يشتبك سياسياً ومصلحياً مع ترمب.
الصينيون يواجهون حرباً اقتصادية معلنة عليهم، وخسائرهم فيها بالمليارات، ومع ذلك يلتقون ولا يغيرون المواقف، والروس يواجهون حروباً أميركية متعددة الوسائل والساحات والأدوات، ويلتقون ولا يغيرون المواقف، وما يفعله هؤلاء يفعله الأتراك والكنديون وغيرهم.
الخلاصة: ليس المهم اللقاء بحد ذاته، المهم ما يقال في اللقاء. وليس على الرئيس عباس إلا أن يقول وعيناه في عيني ترمب ما يقوله كل يوم، وهذا أجدى وأفعل، أجدى من اللقاء على الصعيد الأمني، وأفعل في وضع سد مرتفع أمام "صفقة القرن" والرهانات الأميركية على إيجاد شريك فلسطيني فيها؛ بل عربي وحتى دولي.
بقلم: نبيل عمرو