فلسطين في عين العاصفة ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

مهما علا دخان الحرائق هنا أو هناك في المنطقة العربية خاصة والشرق الأوسط عامة، تبقى القضية الفلسطينية هي الأساس والقضية المركزية للمنطقة، مهما حاول البعض القفز على هذه البديهية والتلهي بهذه القضية أو تلك، أو إشعال حرائق هنا وهناك بغض النظر عمن يشعلها، فإن المستفيد واحد هو كيان الإستعمار الصهيوني، عانى الفلسطينيون ما عانوا ولا زالوا يعانون من هذا الإستعمار العنصري المعادي لناموس المنطقة وسلامها وأمنها وإستقرارها وتقدمها وتنميتها ووحدتها، إنه حجر سنمار في كل ما جرى ويجري في المنطقة من نكبات وصراعات وفرقة وتقسيم وتجزئة، فهو المستفيد الوحيد من كل ذلك وحلفاؤه وصناعه .. ولن يتأتى له ذلك إلا بتصفية شاملة للقضية الفلسطينية وإذابة الشعب الفلسطيني في كيمياء المنطقة وفقده لهويته ولقراره المستقل .. لذا فإن فلسطين وشعبها في عين العاصفة التي تعصف بالمنطقة وبالأمة منذ بدء الإستعمار الصهيوني لها وستبقى كذلك حتى يتم إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في حدها الأدنى المتمثل في حق العودة وتنفيذ القرار 194 لسنة 1948م القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإزالة وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة عام 1967م بما فيها القدس وإقتلاع الإستيطان وكل إفرازات هذا الإحتلال البغيض، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ...

لذا تتمثل المهام الضرورية والملحة لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها ومنظماتها الشعبية وسلطتها في هذه الظروف الدقيقة فيما يلي:

أولاً: العمل على إفشال صفقة القرن الترامبية بكل تشكلاتها وعناصرها التي لم تعد خافية على أحد، وأن التعامل مع أي من عناصرها يمثل خيانة عظمى للقضية الفلسطينية وللأمن والسلام في المنطقة وتحدياً للقانون الدولي وللشرعية الدولية، بغض النظر عن أي تبرير قد يقدم من هذه الجهة أو تلك.

ثانياً: إعتبار عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ثابت وطني غير قابل للمساومة فهو حق فردي وجماعي أصيل ورئيسي يمثل جوهر النكبة والقضية، ولذا فإن سياسات الإستهداف لهذا الحق والذي يسعى إليه كيان الإستعمار مدعوماً بمواقف الولايات المتحدة منه ومن وكالة الأنروا لابد من مجابهته وتجنيد الأشقاء والأصدقاء لحمايته وصونه، فدونه لا يمكن إنهاء الصراع والصراعات الأخرى الناجمة عنه.

ثالثاً: مواجهة قانون القومية (يهودية الدولة) الذي أقره كنيست الكيان الإستعماري الصهيوني والذي أكد على عنصرية وفاشية هذا الكيان والذي يهدف إلى إسقاط حق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة في وطنه وحقه في تقرير المصير وأن هذه الحقوق محصورة فقط بمواطني كيان الإستعمار العنصري من اليهود.

رابعاً: الوحدة الوطنية الفلسطينية هدف إستراتيجي لا يجوز العبث فيه أو التواني عن إنجازه تحت أية ذرائعية قد يقدمها هذا الفصيل أو ذاك لم يعد مبرراً أن تبقى فصائل وازنة مثل حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي خارج أطر هذه الوحدة سواء ممثلة في م.ت.ف وفي سلطتها الوطنية وفي كافة المنظمات والإتحادات الشعبية، وأن الخروج على هذه الأطر لا يخدم سوى أجندة الكيان الصهيوني، ويضعف الشعب الفلسطيني وينال من صموده أمام ما يتعرض له من مؤامرات ومواجهات شرسة أمنية وعسكرية وسياسية، فالوحدة الوطنية هي السلاح الأمضى في هذه المواجهات وهي الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها كافة المؤامرات والهجمات المختلفة، الوحدة الوطنية ضرورة وليست ترف ..!

خامساً: إعادة صياغة النظام السياسي بما يكفل إستيعاب كافة القوى والطاقات الفلسطينية على أسس ديمقراطية جبهوية تحول دون الإستفراد أو الإقصاء لأية قوة، لأن فلسطين المنظمة والسلطة والشعب في مرحلة تحرر وطني تقتضي تجميع كافة قواها الفاعلة والناشطة في معركة التحرر الوطني بكل مستوياتها، وتدعيم المؤسسات الوطنية التي تمثل مؤسسات دولة فلسطين المستقلة مستقبلاً، وإعتماد صندوق الإقتراع والإنتخابات الحرة والنزيهة لإعادة بناء كافة المؤسسات التمثيلية، وإعتماد مبدأ النزاهة والشفافية، وإعتبار الإغلبية والأقلية، السلطة والمعارضة، مكونين أساسيين من مكونات النظام السياسي الفلسطيني على مستوى منظمة التحرير وسلطتها الوطنية وبقية المؤسسات الوطنية، بما يكفل القوة والمنعة والمشروعية للنظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي وحدة القيادة ووحدة المؤسسة ووحدة الشعب والوطن ...

سادساً: القرار الوطني الفلسطيني المستقل ثابت وطني وأساسي يرفض الإملاءات من هنا وهناك ويفوت الفرصة على التجاذبات الإقليمية والدولية التي عادة ما تخضع القضية الفلسطينية لحساباتها وأجنداتها، وفك أية إرتباطات حزبية أو أيديولوجية لأية فصيل أو حزب أو تيار مع أي من تلك القوى دول كانت أو أحزاب أو تيارات، من شأنها أن تعرض الوحدة الوطنية والقرار المستقل لخطر المصادرة أو التعطيل أو التأجير والإستثمار في معاناة الشعب الفلسطيني، والتقيد التام بعدم التدخل في الشئون الداخلية للغير سواء كانوا دولاً أو أحزاباً أو تيارات ويجب أن يكفل وأن يحمي القرار المستقل من قبل جميع القوى والتيارات الفلسطينية على إختلافها كثابت من ثوابت البرنامج الكفاحي للشعب الفلسطيني.

سابعاً: حماية منظمة التحرير الفلسطينية وحماية مكانتها التمثيلية للشعب الفلسطيني، وعدم السماح لأي فصيل أو أي حزب أو تيار العمل على تجاوزها أو الإقدام على أي تصرف محلي أو إقليمي أو دولي بغرض الإخلال بمكانتها التمثيلية المنفردة للشعب الفلسطيني، لما لمثل ذلك من ضرر جسيم يلحقُ بالشعب الفلسطيني وبقضيته وإنجازاته، ولا يجوز الخروج على ذلك تحت أية ذرائعية هنا أو هناك، فهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على كل المستويات سواء في مواجهة كيان الإغتصاب أو في العلاقة مع الأشقاء والدول الصديقة، وكافة المنظمات الدولية الأممية والقارية والجهوية العامة والمتخصصة.

ثامناً: إن تنفيذ قرارات المجلس المركزي في دوراته المتعاقبة الثلاث الأخيرة وكذلك قرارات المجلس الوطني، على اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف وسلطتها الوطنية أن تضعها موضع التنفيذ العملي وفق ما يقتضيه الرد على العدوان المستمر الذي يمارسه كيان الإستعمار الصهيوني ضد شعبنا وبشكل متصاعد بدءا من التنكر لمرجعيات عملية السلام والتنكر للإتفاقيات الموقعة معه حتى يدرك الإحتلال أن هذه القرارات ليست مجرد ذر للرماد في العيون وإمتصاص الغضب الشعبي وإنما هي تمثل ركائز أساسية لسياسات المواجهة معه، وأن القيادة تتحمل مسؤوليتها السياسية والقانونية والتاريخية في مواجهة عدوانه المتصاعد والمستمر على حقوق شعبنا ...

تاسعاً: المقاومة الشعبية:

إن الشعب الفلسطيني تكفل له الشرعية الدولية والقانون الدولي حقه في مقاومة الإحتلال والإستعمار بمختلف الوسائل المتاحة القانونية المادية والسياسية، واليوم بات هناك شبه إجماع فلسطيني على إعتماد المقاومة الشعبية السلمية في كافة نقاط الإحتكاك، وفي كافة المواقع التي يسعى الكيان الصهيوني لمواصلة تنكره لحقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها مواصلة سياسات التهويد وطمس الحقوق والمصادرة والتوسع والإستيطان، وإعتبار المقاومة الشعبية نهجاً أصيلاً تشترك فيه كافة القوى الفصائلية والشعبية والجماهيرية، وضرورة العمل على تأطيرها وتنظيمها بحيث تصبح حالة شعبية جماهيرية دائمة تردع الإحتلال عن إجراءاته وتجعل إستمرار إحتلاله مكلفاً وليس سهلاً.

عاشراً: حرية الأسرى:

إن حرية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون ومعتقلات الكيان الصهيوني، تمثل ركناً أساسياً في برنامج النضال والكفاح الوطني، وتتصدر إهتمامات القيادة وكافة المؤسسات والقوى تستوجب توظيف الرأي العام الدولي والقانون الدولي للعمل على إطلاق حريتهم والحفاظ على كرامتهم وصحتهم في تلك السجون والمعتقلات، مؤكدين على حقهم في الحرية والكرامة.

حادي عشر: الإستيطان:

إن الإستيطان الذي يتواصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عمل غير مشروع يجب مجابهته بمختلف الوسائل، وأن الأمن والسلام يتنافيا مع الإستيطان، فلا سلام ولا أمن مع وجود الإستيطان.

أخيراً نستطيع أن نؤكد أن ما سلف يمثل عناصر أساسية للمهام المتوجب القيام بها فلسطينياً على مستوى القيادة والسلطة والفصائل والمنظمات الشعبية وكافة القوى الحية والمؤثرة في كفاح ونضال الشعب الفلسطيني، والتي تستوجب حشد كل الطاقات الذاتية لأجلها، وتوفير دعم الدول الشقيقة والصديقة، وجماهيرها، معنوياً ومادياً، كي يحقق الشعب الفلسطيني أهدافه المشروعة ويضع حداً لغطرسة كيان الإستعمار الصهيوني في فلسطين، عندها فقط قد تهدأ العاصفة وقد تطفأ الحرائق التي تشتعل هنا وهناك في أرجاء المنطقة، وحينها يعم الأمن والسلام وتخلق المناخات الملائمة للإستقرار والهدوء والتنمية والتقدم لشعوب المنطقة بأمن وسلام، وبغير ذلك تبقى فلسطين خاصة والمنطقة بصفة عامة في عين العاصفة وعدم الأمن والإستقرار، والقيادة الفلسطينية التي تدرك هذه المهام والواجبات الملقاة على عاتقها وعلى رأسها السيد الرئيس أبو مازن والمنتظر أن يخاطب العالم أجمع في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة المزمع عقدها في الأيام القليلة القادمة، سوف يضع العالم أجمع أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية إزاء الغطرسة الصهيونية وما يفرضه عليه من مواجهة لهذه التجاوزات الصهيونية من جهة، وحماية الشعب الفلسطيني ودعمه لنيل حقوقه المشروعة ووضع حدٍ لهذه المعاناة المستمرة منذ قرن كامل مضى من جهة أخرى، وأن لا يترك الشعب الفلسطيني وحقوقه فريسة لكيان الإستعمار الصهيوني.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس