تدفقت الكلمات من حنجرتها بسلاسة ونعومة كخرير المياه العذب والمنساب بهدوء بين التلال ومناطق صخرية وصحراوية تاركا وراء مناطق خضراء ونبات برية وطبية
ختام ارميلية تتحدث بعشق عن نبعة الديوك حيث تعيش هى وعائلتها حول النبعة وتقول نبع عين الديوك يجاوره نبع النويعمة ونبع اصغر يسمى الشوصة وان هذه الينابيع تتدفق من مصدر واحد ولا يفصلها سوى جدران حجرية وان لكل منها قصة ومسار مختلفا لتجمعات سكانية استقرت في المنطقة منذ الاف السنين. ومن تلك القصص ما يروى ان احد الفلاحين اراد ان يجامل احد الاثرياء انذاك بمناسبة ختان"الطهور" ابنه البكر فاهداه احدى العيون واحيانا يطلق عليها نبعة "البيك" والنبع يتدفق من اسفل الجبال الشاهقة والتي هي جزء من اراضي وحدود قرية الديوك.
والديوك قرية تقع اسفل الجبال المطلة على اريحا والى الشمال الغربي من المدينة ومن موقعها وفي الهزيع الاول من الليل ترى تفاصيل مدينة اريحا وكانك تراها لاول مرة وفي كل مرة, فانت تقف بالقرب من جبل التجربة حيث صام السيد المسيح عليه السلام اربعين يوما وصومعته وخلوته الايمانية كانت تكشف مدينة اريحا وصولا لشاطيء البحر الميت وغير بعيد عن قدمي المسيح كانت تتدفق تلك الينابيع الرائقة.
وتؤكد ارميلية ان العين تخف في اشهر الصيف بنسبة لا تتجاوز 3% وهو نفس او اقل من تلك النسبة فيما يتعلق عين النويعمة والتي تنبع من نفس المكان ولها مسار مختلف عن عين الدويك وتروي اراضي النويعمة, وتضيف وتختلف حكاية العين الثالثة "الشوصة" وهي الاصغر لعائلة الدجاني.!.
ويكشف اياد حمدان مدير عام وزارة السياحة والاثار في المحافظة سر نشأة الحضارات والتجمعات مرتبط بالعيون والتي نشات من هنا من عين الديوك والنويعمة وعين السلطان والقلط ويقول نشاة العيون اساس نشاة الحضارات وتدجين الحيوانات وانشاء المدن واسوار المدن وليس من باب المصادفة انه من هنا وتلك الكهوف المنتشرة على التلال عين الديوك انطلقت بداية البدايات قبل 16 الف عام وقبل الديانات السماوية فعرفت هذه المنطقة وبشكل واسلوب ندي لما عرفته حضارة بلاد الرافدين قام الانسان الريحاوي باستغلال مصادر المياه وتدجين الحيوان فعرفت عين الديوك وعين السلطان (تل السلطان"اريحا القديمة" اقدم معلم حضري الاف العشرة قبل الميلاد) انظمة الزراعة وتقسيم الاراضي وقبل ان يترك الانسان الفلسطيني الكهوف متجها للتطور والحياة الحضرية العصر الحجري والنحاسي. ويدلل حمدان جدلية علاقة العيون بالحضارة قائلا قصر هشام الاموي ذو اللوحة الفسيفسائية الاجمل والاكبرب متربتط بنبع النويعمة, وتل السلطان بعين السلطان, والقصور الرومانية تلول ابو العلايق بعيون القلط منوها ان الامبراطورية بامتداداتها الواسعة وتنوع اراضها لم تر اكثر من مدينة اريحا منطقة غناء بالخضرة والمياه وكانت هدية الامبراطور الروماني انطونيو لملكة الفراعنة كليوبترا. ويضيف وتحديدا عين الديوك كانت مصدر اساسي لتشغيل مصنع طواحين السكر وري الاراضي الواسعة انذاك والمزروعة بقصب السكر والنخيل لافتا الانتباه ان طواحين السكر كانت اكبر مصدر للسكر في الشرق الاوسط ووصفه المؤرخ ياقوت الحموي "سكر اريحا اطيب سكر وان السكر كان انذاك سلعة الملوك.
وتقول ام جمعة ارميلية والتي تهب هي وعائلتها لاستقبال او الترحيب بمن يود معرفة المزيد عن النبعة انها ولدت هنا منذ قرابة ستة عقود انه يوجد عدة حمايل في البلدة ولكل حمولة عدد ساعات معينة من المياه مقسمة على افراد الحمولة طيلة 365 يوما في السنة وان البلدية تشرف على شبكة المياه الحديثة ونظام الري الخاص بالاراضي قديم ومتوارث.
وتعترف آن الدحدح الناشطة النسوية وعضوة صالون مي زيادة الثقافي بالمحافظة انها فوجئت هي واعضاء الصالون رغم انهم من اريحا والاغوار عندما زاروا العين وتفرعاتها بجمالية المنظر وانهم من تلال الديوك شاهدوا اريحا كانهم لم يروها من قبل وكانها المرة الاولى في حياتهم وروا عطشهم من ماء زلال يخرج طليقا من تحت الجبال وقبل ان تضاف المواد الكيماوية تارة باسم المعقمة وتارة باسم عبوات المياه المعدينة.
بقلم/ عبد الرحمن القاسم