إنها معركة تحرر وطني فلسطيني وليست بلاغة خطابات

بقلم: محمد أبو مهادي

سيتوجه رئيس السلطة الفلسطينية نهاية سبتمبر الحالي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ليلقي خطاب جديد على منصتها، الخطاب رقم 6 ان اسعفتني ذاكرتي، وقد قمت بمراجعة سريعة لمجمل الخطابات السابقة التي يلقيها في نفس المناسبة، فوجدتها بنفس المضمون تقريباً مع اختلاف في نبرة الصوت، وغارقة في الشكوى المتكررة من الإحتلال وممارساته المختلفة (الإستيطان والقدس وجدار الفصل العنصري الذي وصفه بالحائط والإعتقالات وتضمنت بعض الافكار على غرار عقد مؤتمر دولي للسلام وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وغيرهما...).

لقد اختتم معظم خطاباته بالفقرات التي تبدأ ب سوف نراجع ونعيد النظر يتبعها تصفيق لاهب من فد منظمة التحرير المكون من بعض افراد عائلته وبعض المستشارين والوزراء المقربين جدا من ابنه طارق عباس، ثم يعود للاجتماع مع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يطلعها عن فحوى الخطاب بعد عرضه على شاشات التلفزة، فالخطاب يظلّ سراً تتكهنه قيادات فلسطينية إلى أن تتناقله وسائل الإعلام في بث مباشر من على منبر الأمم المتحدة، ثم تقرر اللجنة التنفيذية تشكيل لجنة مختصة لدراسات خيارات الرد على الاحتلال الاسرائيلي ترفع توصياتها للجنة التنفيذية التي تحيل التوصيات للمجلس المركزي ليقرر ويرفع قراراته للجنة التنفيذية مع تفويض للتنفيذ، وهكذا ....

في الفترات الزمنية ما بين الخطابات طرأت تحولات خطيرة على المستوى السياسي أبرزها ما يتعلق بقرار الادارة الامريكية بشأن القدس واللاجئين واغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وطرد السفير وعائلته، اضافة لوقف تمويل السلطة مستثنية تمويل أجهزة الأمن التابعة لها التي ترافقت مع وقف تمويل موازنة الأنروا ومواقف معلنة لسفير واشطن لدى اسرائيل وبعض مبعوثيها بشأن الاستيطان، حيث شجعت أميركا اسرائيل على المزيد من الاستيطان، كان أول موقف بهذا الصدد على لسان مستشار الرئيس الأميركي وصهره "جاريد كوشنر" بعد لقائه مع رئيس السلطة محمود عباس في رام الله في اغسطس 2017، وقد أعلن صراحة (بأنه لا يمكن وقف الاستيطان في الضفة الغربية خوفاً من انهيار حكومة بنيامين نتنياهو)، كان هذا أول أخطر المواقف التي اعلنتها الادارة الاميريكية بفجور ولم تجابه بأي ردة فعل فلسطينية رسمية!

لسنا بحاجة لاستكشاف الموقف الاميركي من المسألة الفلسطينية، فقد كان الانحياز للاحتلال الاسرائيلي سيّد الموقف، تحوّل هذا الانحياز في عهد ادارة ترامب إلى تحالف معلن، كلاهما قوّتين استعماريتين يتشاركان مغنم في الشرق اللاوسط والعالم، لهذا التحالف معناً سياسياً واقتصادياً وفّرت فيه اميركا لإسرائيل غطاءا وحماية في معظم جرائمها، وقد كان امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو اثناء مناقشة مجلس الامن بشأن الاستيطان في ديسمبر 2016 أمراً استثنائياً بسبب الارتباك في السياسة الخارجية الامريكية لادارة لم يمض اشهر على تشكيلها وسط جدل كبير.

الذي نحن بحاجة لاستكشافه حقيقة هو الموقف الرسمي الفلسطيني، ماذا تريد السلطة الفلسطينية ورئيسها بعد كل ما جرى، وعلى ماذا تراهن؟

بجردة سريعة للحالة الفلسطينية نجد أنها الاكثر كارثية منذ نكبة عام 1948، حيث توجد قيادة رسمية فلسطينية تقامر بكل شيء، المصالحة الشاملة متعطلة وهي الشرط الاساسي لاستكمال مشروع التحرر الوطني ومواجهة الاحتلال وقرارات الادارة الاميريكية، لم تنفك عن تعطيل كل الجهود العربية لاغلاق ملف الانقسام، بل تستقوى على جمهورية مصر العربية بوضع عقبات متجددة في طريق المصالحة الوطنية، ويجاهر رئيس السلطة بمتانة العلاقة مع اسرائيل في موضوع الأمن ولقاءاته مع اسرائيليين ورئيس الشاباك، قيادة تواصل فرض عقوبات على قطاع غزة وتراكم مزيدا من الاحباط على أكثر من 2 مليون فلسطيني هناك يواجهون الاحتلال على الحدود بصدور عارية، ويصارعون الفقر المدقع والبطالة والعتمة والمرض، قيادة فقدت الصلة مع اشتات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس ولبنان وسوريا وكل مكان يتواجد فيه الفلسطينيين، تزيد منظمة التحرير الفلسطينية وهناً على وهن بعد اجتماعات التنصيب للمجلسين الوطني والمركزي، تستعدي قوى وطنية حليفة لها تاريخياً ووطنياً، تسئ لها وتعتدي على حقوقها، تنقض على مستحقات عوائل الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الاسرائيلية، تترك قادة بوزن مروان البرغوثي واحمد سعدات ومعهم آلاف المناضلين يواجهون مصيرهم دون الحد الأدنى من الإهتمام، وعشرات الجرائم الوطنية التي تقترفها يومياً تحت ستار الشرعية والاعترف الدولي بهذه الشرعية، في نفس الوقت لم تتخذ قراراً عملياً واحداً يظهر جديتها في تغيير الواقع السياسي والكفاحي لنقل بحدّها الأدنى المتمثل في تطبيق قرارات اجتماعين للمجلس المركزي والمجلس الوطني برغم كل الملاحظات على تلك الاجتماعات والقرارت!

بات معلوماً أن رئيس السلطة الفلسطينية علاقته سيئة مع العرب، بعد أن أتلف علاقاته مع ابناء الشعب الفلسطيني الذي يطالب برحيله حسب أحدث استطلاعات الرأي، وأن العلاقة الوحيدة المتينة التي يواظب على تطويرها تقتصر على رئيس الشاباك الاسرائيلي وبعض اطراف اليمين المتطرف في حكومة الإحتلال، حتّى اميركا التي راهن على علاقة جيدة معها طردت سفيره واهانته بشكل فاضح، امام هذا المعلوم فان بقاء هذا الفريق الذي يدعي تمثيل الشعب الفلسطيني ليقرر في مصيره هو خطر حقيقي ينبغي مواجهته من خلال مسألتين تأجيلهما سيلحق ضرر فادح على القضية الوطنية:

المسألة الأولى/ اعلان صادر عن قوى الشعب الفلسطيني ومناضليه بأن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس قد فقد أهليته وقدرته على تمثيل الشعب الفلسطيني سياسياً في العلاقات مع الدول والشعوب، وأن استمرار تمثيله للشعب الفلسطيني قد حصل عليه قسرياً تحت تهديد المال والسلاح وبمساندة الإحتلال.

المسألة الثانية/ المباشرة بالتحضير الفعلي لتشكيل جبهة للإنقاذ الوطني لها صلاحيات استعادة وحدة الشعب وحدانية التمثيل وتعزيز صمود وكفاح الشعب الفلسطيني حتّى انجاز مهام التحرر الوطني، جبهة تستعيد الثقة مع ابناء الشعب الفلسطيني وتبرز الوجه المشرق للفلسطينيين وكفاحهم العادل ضد الظلم والإحتلال.

ان التباطؤ في معالجة الأوضاع الداخلية الفلسطينية والانتظارية والدهشة من كل ما يقوم به رئيس السلطة محمود عباس وتحالفه يزيد من حدة المآسي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، ما ينقص الفلسطينيين هو قيادة وطنية وأخلاقية تنقذه من متاهات أدخل فيها عنوة، لحظتها سنجد الشعب وكل أنصار الشعب الفلسطيني في العالم أكثر التفافاً وجدّية في مواجهة سياسات الاحتلال وحليفته واشنطن.

بقلم/ محمد أبو مهادي