لعل السياسية الامريكية التي تنتهجها إدارة ترامب منذ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الامريكية اتجاه اسرائيل ليست بجديد على الادارات الامريكية المتعاقبة، فجميعها تقف بجانب اسرائيل سياسياً وعسكرياً وقانونياً واقتصادياً، ولكن الجديد في الإدارة الامريكية الحالية هو التحدي الواضح للقرارات الدولية التي شرعت لحماية حقوق الشعب الفلسطيني من قبل المجتمع الدولي، وتجاوز كل الخطوط الحمراء في تعاملها مع القضية الفلسطينية من خلال تبني خطه تسوية أو ما تسمى "صفقة القرن" الغير معلنه التي تم صياغتها بامتياز من قبل اللوبي الاسرائيلي وفرضها بالقوة السياسية من منطلق العربدة والصلف الامريكي الذي بات يتصاعد تدريجيا بإصدار قرارات تنتقص من الحقوق الفلسطينية خاصة في موضوعي القدس واللاجئين في انتهاك خطير للحقوق الوطنية الفلسطينية بفرض أمر واقع على الأرض يصب في صالح اسرائيل على حساب حل الدولتين، بل والذهاب إلى منحى أبعد بكثير وفرض عقوبات على القيادة الفلسطينية وتضييق الخناق على السلطة الفلسطينية لإجبارها على تغيير موقفها من صفقة القرن والقبول بها، وكان اخرها قيام الادارة الامريكية بإنزال العلم الفلسطيني وإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن وطرد السفير وعائلته وإلغاء تأشيرات البعثة الدبلوماسية الفلسطينية ووقف حساباتها البنكية في سابقة خطيرة ومخالفة صريحة للأعراف الدبلوماسية، وقبل ذلك وقف المساعدات الامريكية لخزينة السلطة وعدم دعم مستشفيات القدس، ووقف تمويل الاونروا، وعدم تمويل برامج شبابية .
وباعتقادي أن كل هذه الاجراءات والقرارات الامريكية التي اتخذت والتي لم تتخذ بعد تصب في اتجاه الانتقام والعداء والحقد ضد الشعب الفلسطيني وقيادته لموقفها الرافض للقرارات الامريكية بإزاحة قضية القدس واللاجئين من على طاولة التفاوض، ومواصلة العمل مع المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، وهذه الاجراءات تفتح المجال أمام الإسرائيليين إلى التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، والخشية من تحويل موضوع الصراع إلى عقائدي ديني، والأدهى من ذلك تصريحات المسئولين في البيت الابيض بأن هذا الاجراءات تقرب فرص عملية السلام وتأتي في إطار الضغط على الفلسطينيين للقبول بالتفاوض المباشر مع الاسرائيليين، والقبول بأسلوب ترامب الذي يبدو باستخدامه أسلوب الصلف يضع علامات استفهام كثيرة على تعاطي تلك الادارة مع ملفات الشرق الاوسط والعلاقات المستقرة للإدارات الامريكية المتعاقبة، بل وحتى تعاطيها مع مبادئ الديمقراطية والعدل المزعوم.
إن سياسة الصلف الأمريكي يطرح تساؤلا هاماً حول مدي استمرار تلك السياسة الفئوية الضيقة الواضحة للعالم من قبل إدارة ترامب؟! التي تقوم علي سياسة الانتهازية السياسية وتتمثل في عمقها بإعلاء القوة والعربدة السياسية وتفضيل اليهودي علي الفلسطيني صاحب الحق الأصيل في وطنه المسلوب والمحتل، وتبقي الخطة الامريكية المستنسخة لا تحمل حلولاً حقيقية للقضية الفلسطينية بل تزيد من تعقيداتها وإطالة أمد الصراع في المنطقة وتحويلة إلى عقائدي وهذا الأخطر في الموضوع، ويبقي الأمر والخيار للفلسطينيين بالتوحد والتماسك لمواجهة إدارة ترامب لعدم تمرير سياسة أمريكيا في المنطقة، مما يتطلب خطوات عملية وحقيقية باتجاه المصالحة وانهاء الانقسام، وتخلى الأحزاب والقوي والحركات الفلسطينية عن الانانية السياسية التي فضلت مصالحها الحزبية الضيقة على حساب المصلحة العامة، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وانضمام جميع الفصائل إليها في إطار برنامج مشترك ورؤية موحدة والعمل عليها مع الدول الصديقة والداعمة للقضية الفلسطينية وإيجاد الحلول لجميع المشاكل المتعلقة بالدولة والمجتمع، وبدون الوحدة الفلسطينية سيبقى الموقف الفلسطيني ضعيف ومن السهل تمرير صفقة القرن من خلال مداخل عديده في ظل استمرار الانانية السياسية للقوى والحركات الفلسطينية واستغلالها من دول الجوار لتصفيه حساباتها الاقليمية في المنطقة على حساب المصلحة السياسية العليا للقضية الفلسطينية، فالعمل الجماعي الوحدوي هو الطريق الذي يرقى منه مجتمعنا الفلسطيني ويتقوى أفراده بإرادتهم وعزمهم القويين في مواجهة صفقة القرن وأعداء المشروع الوطني الفلسطيني.
بقلم/ د. رمزي النجار