يقولون من يملك المال يملك القرار .. يملك خيار إعطاؤه أومنعه.. وعادة تعطى الجوائز لمن يسمع الكلام ويمشي على الهوى .. وتبرز العصا لمن خالف وهوى .. .. وقانون الطبيعة مازال يسري كما هو .. القوة تحكممنذ أن نشأ الانسان وتطور بتكتلاته وتنظيماته حتى صار دولاً وأمماً ..
يتعرض الشعب الفلسطيني حالياً لموجات متلاحقة من العقوبات الاقتصادية الامريكية نتيجة مخالفة الشرائع الترامبية رغم أننا موحّدون ولا نطلب سوى أقل القليل من الحقوق .. ولكنها القوة هي نفسها التي أتاحت لقريش أن تفرض حصاراً على النبي ومن معه ثلاث سنوات حتى أكلوا ورق الشجر ..
ولأن العصر الحديث يتطلب تنميق السياسات وتغليفها بمصطلحات براقة تناسب الطبيعة الحضارية المتطورة للانسان وجملة القوانين الدولية السامية، فقد تزايد استخدام سياسة العقوبات الاقتصاديةبشكل مرعب باعتبار أنها سياسة ذكية تلجأ اليها القوى الكبرى لإجبار خصمها الأقل قوة على الرضوخ لمطالبه وتغيير مواقفه، بديلا عن اللجوء للقوة العسكرية وتكلفتها وخسائرها الواضحة الصورة في عالم يرى كل شيء...
حصار/ منع/ تجويع/ وتجفيف المنابع ... وغيرها من المضامين التي تصب في خانة العقوبات الاقتصادية وأساليبها. وهي سياسة مطاطة تبدأ بحظر لأنواع معينة من العلاقات التجارية والاقتصادية على دولة أو كيان معين مع فرض مجموعة حازمة من القيود التي تحد وبقوة من الحريةالمالية والتجارية لهذا الكيان في المجتمع الدولي،وتتصاعد لشن حملات دبلوماسية عالية المستوى لتشكيل تكتل عالمي مقاطع ضد الدولة المعنية ..وكلما زادت قوة وهيمنة الدولة الفارضة للعقوبات زادت فعالية هذه الأداة ..
وبعد الكارثة المخجلة في تاريخ الانسانية التي سببتها العقوبات الاقتصادية على الشعب العراقي فيما يعرف ببرنامج النفط مقابل الغذاء كأبشع مشروع انساني تم استخدامه كوسيلة للفساد على حساب قوت الملايين من الجوعى.. تم تعديل سياسة العقوبات الاقتصادية (في بعض الأحيان حسب مصلحة الدولة الكبرى) لتصبح ما يسمى "العقوبات الذكية" _ على اعتبار أن الذكاء هو سمة العصر_ وتعني أن تفرض الحظر على أشخاص أو شركات معينة في الدولة الخصم كمحاولة لتلافي أثر العقوبات الشاملة على الشعب ..
وتعد الولايات المتحدة بحكم هيمنتها على العالم واقتصاده أكثر الدول استخداما للعقوبات، فهناك على الأقل 26 برنامج عقوبات تضعها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه دول وكيانات مختلفة وتشرف عليها وزارة الخزانة الأمريكية منذ سنين .. وبغض النظر عن اختلاف المسميات ذكية كانت أم غبية فالسؤال هو هل تنجح العقوبات في تغيير سلوك الخصم؟؟
الحقيقة أن اجابة هذا السؤال تلاقي جدلاًواسعاً مابين السياسيين، ورغم أن البعض يشكك في فعاليتها وأنها تحتاج الى سنين طويلة لحصد نتائجها، إلا أن المتفق عليه أنها قاتل صامت يستهدف بنية الدولة الداخلية وآثارها كارثية على الشعوب،بل أحيانا تفوق وحشيتها العمل العسكري لأنها تنهش في الاستقرار المجتمعي وتصيب بمقتل المدنيين الفقراء ومتوسطي الحال. فتعقيدات الشبكة الاقتصادية العالمية والتداخل الحاصل بين الأنظمة المالية والاقتصاد يجعل من الصعب جدا تجاهل انعكاساتها الداخلية..
هل يمكن تجاهل الانهيار الداخلي في حالة الاقتصاد والفقر والبطالة التي تعم المجتمع الايراني منذ ثلاثين عاماً؟ رغم أن النظام الايراني مازال موجوداً .
هل يمكن القول ان الليرة التركية لم تتأثر بالعقوبات الجزئية التي فرضت على تركيا؟رغم الحديث المتكرر للرئيس رجب طيب أردوجان عن وجود بدائل..
هل تعافى العراق من العقوبات التي فرضت عليه طوال التسعينات؟؟
هل قطاع غزة الذي يغني حاله عن السؤال هو نفسه قبل 12 عاما؟؟ "حماس" مازالت تحكمه بالمناسبة ..
وهل سيستمر حال الفلسطينيين كما هو بعد سلسلة العقوبات الترامبية على الأونروا وايقاف برامج الدعم للمؤسسات الفلسطينية؟ أضف لها عقوبات اسرائيلية مستمرة ومختلفة عند مجرد التفكير بالقيام باي تحرك دولي أو اعمال مقاومة ..برأيكم هل سنصمد مع العقوبات بعد عشر سنوات اذا استمرت ... .ان شاء الله.
بقلم/ د. أماني القرم