حديث مع الروح

بقلم: نادين فراس ياغي

فقالت لي الانعكاس ما هو الا عكس المتوقع، والمصدر قد يكون سببا ونتيجة في آن واحد، اما نحن في سذاجتنا اللامنتهية المحدودية نظن بان كل ما حولنا يتسع داخل حدود المنطق التي في حدّتها تضيع الحقيقة بلا رجعة..
فهل السماء تذرف عروقها بحرا مزرقّا في قنوطه، ام هل البحر يستشيط غضبا فيتصدّح عويله صدىً ازرقا على السماء؟ ام ان كل هذه الزرقة تنفستها رئتاي وأسرها قفصي الصدري خلف قضبانه فاضحت لون الحريّة الذي تطوق عيناي لرؤيته بحرا وسماءً وما بينهما من غيوم؟

ومض البحر لمعانًا يضرمُ بتوهجه آهات زبد البحر المتناثر..وانقلبت الامواج الي مضجعها في قعر السلوان، اما هي فحدثتني عن حوريات تسكن في جوف الصخور التي قد تنهدها بركان الشغف يوم ما كانت الارض والسماء حبيبان لا يفترقان..وقالت: الا تدرين أن كل طيفٍ يتراقص على ابواب عينيك اختبالا ويقرع ردهات وجدانك إلحاحًا ليس سوى خيال طفلٍ حَلُمَ بالحياة قبل ان يخطفه تابوت المنية من رحم امه؟

الا تدرين بان السماء والبحر يتبادلان الوان الزرقة بدرجاتها اشتياقا وليس انعكاسا؟ فقد حكمتا بالبعد الأزليّ جوْرا تحت هيمنة البشر الطاغية، ولم يتبقى من ذكراهما سوى ازرقاق الحنين المتموج الذي أصبح مرسى لسفن الغفلة وهجرة النسيان؟

فقلت لها وماذا عن ذاك السواد الحالك الذي يتسلل بين الامواج؟ اهو حدادا على الفراق ام خفية تستر قصة حبهما؟

فقالت: يا عزيزتي انه مرسالٌ يحمله الليل قربانا حتى لا ننسى..وها قد تذكرتِ!
وماذا عن الابيض الذي يحمله الزبد شراعا؟ اهو دموع البحر المذروفة صبابةً ؟ ام استكانةً ورضوخا للواقع؟

فقالت: اما الابيض فهو عرسا تناسى المعازيم عن القدوم لمباركته فبقى معلقا في حلقة تعيد نفسها مرارا وتكرارا لعل وعسى تجد في دورانها نهاية سعيدة!

اما النورس فهو مولود ٌ متناغمٌ بين التناقض الذي فُرض عليهما يوم ما خطى آدم الارض شرّا، يلمس بجانحيه ثوب السماء الحنون ثم يبللهما برقة المياه المتراشقة، فتذوب المسافات المستحيلة بينهما لهنيهة ٍ سرمدية..
احتدمت ومضات البحر وتشكل بريقها جيشا امام مرآة روحي المتلهفة للمعرفة،وعلت صوت همساتها التي تناجي مخيّلتي لتنهض من فراش هفوتها إلى وضح اليقظة ، وقالت لي: اقتربي يا صغيرتي فالوطن ما زال بانتظارك..ما عليك سوى الغرق..فالغرق موت الحياة لتولد من جديد!
-

بقلم: نادين فراس ياغي