بينما تستعر نيران السياسة الأميركية الإسرائيلية، لتأكل المزيد من الحقوق الفلسطينية، يتفاقم الصراع والخلاف والانقسام الفلسطيني، وتتآكل معه قدرة الفلسطينيين على المواجهة. يعتقد كل طرف من طرفي الانقسام بأنه قادر وحده على مواجهة صفقة القرن وتداعياتها، حتى إفشالها، ويتهم كل طرف الآخر، بالمساهمة في تنفيذ تلك الصفقة. تسيطر على الأطراف مناخات التفرد والإقصاء للآخر، وكل بما لديه فرح، دون سؤال عن القضية والشعب، الخطابات أصبحت ممجوجة، والكلمات والشعارات تفقد مضامينها، وتنتشر في وسائل الإعلام، وأصحابها يعرفون أنها لا تصل إلى أسماع الفلسطينيين وهم الأولى بالاهتمام.
في مراجعة سريعة، للمحاولات العديدة التي جرت منذ انقلاب حركة حماس، ومن أجل إنهاء الانقسام، يمكن استنتاج أن الظروف المحيطة المتبدلة ذات العلاقة بالملف الفلسطيني قد ساهمت في تبديل المواقف من المصالحة، انطلاقا من حسابات فئوية قاصرة عن رؤية المستقبل، إلى أن أصبح الطرفان أسرى المعادلات واشتراطات متزايدة، والمزيد من الوقائع التي تكرس وتمأسس الانقسام.
في ظروف سابقة، كانت شروط حركة فتح لا تزيد على مطالبة حركة حماس بتسليم المعابر، وها قد تداعت الأمور، لمراكمة المزيد من الشروط القاسية من قبل الطرفين.
لا تقبل حركة فتح بأقل من تمكين الحكومة تحت الأرض وفوق الأرض، كأساس لمتابعة بقية بنود المصالحة وترفض إنجاز ملف التهدئة بين «حماس» ومن يواليها من فصائل المقاومة، قبل إنجاز ملف المصالحة وتسليم ملف التهدئة لمنظمة التحرير باعتبارها المؤسسة الرسمية المكلفة إدارة أي مفاوضات مع الأطراف الأخرى.
تستند حركة فتح في رؤيتها هذه إلى امتلاكها قوة الشرعية سواء في المنظمة أو في السلطة، تلك الشرعية المقبولة والمدعومة عربيا وإسلاميا ودوليا، وتستند إلى قدراتها المالية، مدعومة بموقف رافض لصفقة القرن وآليات فرضها. فمنذ اتخذت السلطة إجراءاتها العقابية بحق موظفي القطاع العام في قطاع غزة، تدهورت الأوضاع المعيشية، وانهار الاقتصاد، حيث فاقمت تلك الإجراءات الأزمات في القطاع والمزيد من هذه الإجراءات التي تهدد السلطة باتخاذها، سيكون تأثيره عميقا على المجتمع الغزي.
حركة حماس من جانبها ترفض من حيث المبدأ مقولة التمكين الكامل وتشترط ابتداءً التراجع عن الإجراءات التي اتخذتها السلطة. وهي تستقوي على موقف حركة فتح، بالحراك الشعبي المستمر شرق وشمال قطاع غزة، والذي يتجه نحو تصعيد دون حربي.
إسرائيل موجودة في كل الحسابات، فحركة حماس تدرك بأن حكومة نتنياهو لا مصلحة لها ولا رغبة في شن عدوان واسع ضد قطاع غزة، بسبب تشوش الأهداف، ولأنها تتوقع بأن بإمكانها تحقيق ما تريد، وما تريد هو تنفيذ صفقة القرن، دون أن تضطر لخوض حرب وتحمل بعض الخسائر.
في ظروف سابقة كان الاقتراب من السياج الحدودي بعشرات أو مئات المواطنين الفلسطينيين كفيلا بأن يستدرج تصعيدا عسكريا إسرائيليا، ربما يصل إلى مستوى ارتكاب عدوان واسع، لكن باختلاف الظروف أصبحت مستعدة لاستيعاب ما يجري على الحدود والبحث عن اتفاق تهدئة يشكل مدخلا لتخفيف الحصار عن غزة، بهدف تسهيل عملية إعادة تأهيلها. تصر حركة حماس على مواصلة المسيرات، والعودة إلى تنشيط الأطباق الورقية والبالونات الحارقة، واخترعت وسيلة أخرى عبر ما يسمى وحدة الإرباك الليلي، بأمل الضغط على إسرائيل ومصر وأطراف أخرى من أجل تحقيق التهدئة دون تحقيق المصالحة أو وجود منظمة التحرير أو السلطة.
في المقابل، يبدو هذا الأمر صعبا حين تهدد المنظمة بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل إذا هي وافقت على إبرام اتفاق تهدئة مع حركة حماس، الأمر الذي يجعل من الصعب على إسرائيل التضحية بالتنسيق الأمني، خاصة وأن ثمة قرارات صدرت بهذا الخصوص من قبل المؤسسات الفلسطينية الرسمية، تتعقد الحسابات، وتزداد الشروط، ويزداد معها العناد، حتى أصبح من المتعذر على الأطراف الفلسطينية أن تجلس على طاولة حوار ثنائي أو وطني شامل.
مصر التي لن تتخلى عن دورها إزاء الملفات الفلسطينية، لم يعد لديها من وسيلة لإحداث التغيير اللازم للنجاح، واستشعارا منها بخطورة التطورات وضيق الوقت تضطر لإرسال وفد من جهاز المخابرات برئاسة اللواء أحمد عبد الخالق إلى غزة، فيما يبدو أنه المحاولة الأخيرة للحصول على إجابات معقولة، تعيد الطرفين إلى جادة الصواب.
ملفا المصالحة والتهدئة في سباق مع التطورات السريعة الجارية حول الحقوق والأوضاع الفلسطينية فالحلف الأميركي الإسرائيلي يستعجل الدخول إلى ميدان تنفيذ الحلقة القادمة من صفقة القرن وهي غزة، ولذلك فإن استمرار الخلاف بين طرفي القوة الفلسطينية، من شأنه أن يضعف قدرتهما على المجابهة، وأن يحمل الفلسطينيين أثمانا باهظة خصوصا بالنسبة للمواطن المطحون بسبب هذا الانقسام.
بقلم/ طلال عوكل