عظيمة هي القدس وشعب القدس العربي الأعزل الذي يخوض حرباً ضروساً لإثبات الوجود أمام أخطر هجمة منذ فجر التاريخ تتعرض لها المدينة وفلسطين كلها ، يحاول فيها المستوطن القادم من مختلف أصقاع الدنيا بتمويل صهيو غربي تغيير معالم المدينة والبلد في أكبر حركة تزويرية يشهدها عصر الإفك والعدوان . فالأقصى والقدس بنضالات أبنائها أضحت البوصلة المحركة لمجريات الأحداث ليس على مستوى فلسطين فحسب بل على المستويين الإقليمي والدولي ، فأصبحت وأقصاها آىسرة للقلوب بفعل شبابهاا القابضين على الجمر الصامدين فهي من وحد أهل الرباط في ظل غياب الوفاق والاتفاق الوطني الذي وبكل أسف هو سمة ومرآة عاكسة عن الواقع العربي الإسلامي المتشرذم والذي تتحكم فيه اجتهادات خاطئة تقود لهلاك الأمة واضمحلالها والغوص في عالم المجهول والسير في ركب التائهين . فالمواطن المقدسي يقارع وحيداً جيش وزعران المستوطنين الذين يعيثون فساداً في الأحياء ويستولون على الأرض بموجب شرع الاستباحة المقونن ويقتحمون المقدسات والأحياء القديمة وينبشون الأرض للكشف عن تاريخها التليد لنسبه إلى من لا تاريخ لهم إلا بحبل من الناس تجمعهم بهم الأساطير والخرافات وهواجس لا أصول لها لتحقيق أطماع ومكاسب بقصد الهيمنة وحب السيطرة .
فما يجري في القدس حلقات متواصلة من الصراع، تفجّرت خلالها انتفاضات وهبات بعدما وصلت الأمور إلى مرحلة حرجة جداً باتت تتهدد تاريخ المدينة قديمه وحديثه وسكانها الذين باتوا ببن سندان قوانين الاحتلال وتشريعاته واعتداءات المستوطنين ، فبعد أكثر من 50 عامًا على احتلال القدس وضمها للكيان الغاصب وإعلانها عاصمة موحدة وأبديّة له، وبعد أكثر من 25 عامًا على توقيع «اتفاق أوسلو» الذي فصلها عن باقي الأراضي التي احتلت عام 1967 ، لا تزال المدينة تتعرض لأعمال منهجيّة تستهدف تهويدها ، وطرد أكبر عدد ممكن من سكانها وصولاً لوضع يكون فيه الفلسطينيون أقليّة بها تخضع لإرادة الأغلبيّة اليهوديّة..حيث شهدت المدينة منذ احتلالها هبات وانتفاضات جمة منها هبة الأقصى 1969عقب إحراق المسجد الأقصى على يد استرالي اتهمته دولة الاحتلال بالجنون لتبرئة ساحته من فعله الإجرامي.
ثم هبة النفق" 1996 التي تمر الذكرى 22على اشتعالها نتيجة تراكمات من ممارسات حكومة اليمين الصهيوني المتطرف التي كان يرأسها نتنياهو الرافضة لتنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الاحتلال الصهيوني وم. ت. ف، وقيامها بفرض وقائع جديدة على الأرض في مخالفات وخرق فاضح لهذه الاتفاقات كمصادرة الأراضي ومواصلة الاستيطان وتوسيعه .. فجاء افتتاح النفق كالقشة التي قصمت ظهر البعير .. فهذا النفق عبارة عن مجموعة من المباني القديمة يرجع بناؤها لعصور مختلفة، لكنها رُدِمَت تحت الأرض بسبب تهدم المدينة عدة مرات عبر التاريخ، كان الافتتاح يهدف وصل تلك المباني من خلال عمل حفر أسفل أساسات المباني القائمة بعرض متر وارتفاع مترين، إلى جانب وجود قناة رومانية قديمة محفورة بالصخر بطول (60 ) مترًا وعرض أقل من متر وارتفاع عدة أمتار، والجزء الأكبر منه يقع ضمن مبان قديمة قائمة تم تنظيفها وإزالة التراب منها، وترجع للعصرين الأموي والأيوبي، وهذه الأجزاء تقع أسفل كل من "المدرسة التنكزية" التي بنيت عام 1329م وحوش "محمد الخليلي" و"المدرسة الأشرفية" التي بُنيت عام 1422م وهي مكتبة "المسجد الأقصى" حاليًّا، وتقع كذلك أسفل "سوق القطانين" و"المدرسة المنجكية" والتي شيدت أيضًا في العهود الإسلامية، وبقية أجزاء النفق عبارة عن حفريات أسفل عقارات مملوكة قائمة في مستوى الأساسات وعلى ارتفاعات مختلفة من سطح الأرض.. أما المباني الأثرية التي تعلو النفق فتشمل كلاً من: "المدرسة الجوهرية" ويرجع إنشاؤها إلى سنة 1440م و"المدرسة العثمانية" ويرجع إنشاؤها إلى سنة 1437م ، و"رباط الكرد" الذي يرجع إنشاؤه إلى سنة 1294م ، و"المدرسة المنجكية" ويرجع إنشاؤها إلى سنة1361 م، ويصل طول النفق إلى نحو (450) مترًا أسفل "المسجد الأقصى" والعقارات المحيطة به.
هذه الهبة التي انطلقت المواجهات فيها من القدس على مدار "3 " أيام متواصلة ، امتدت لتشمل فلسطين كلها ارتقى خلالها ما لا يقل 63عن شهيداً وأصيب نحو 1600 آخرين بجروح متفاوتة.. تلاها هبة السكاكين 2015 والتي استمرت حوالي العام ارتقى خلالها 250شهيدا، حيث نفذ خلالها 269 عملية طعن كما تم إطلاق النار تجاه قوات الاحتلال ومستوطنيه 183 مرة، ونفذت عمليات دعس 33 عملية، ووقعت خلال العام 6273 مواجهة مع قوات الاحتلال.
أعقبتها هبة الأقصى 2017 أو البوابات الإلكترونية وكانت تحركاً شعبياً حاشداً وواسعاً تميز باعتصامات متواصلة على بوابات الأقصى التي وضعت عليها سلطات الاحتلال بوابات إلكترونية لتفتيش وفحص المصلين، وذلك إثر هجوم مسلح انتهى بمصرع اثنين من عناصر شرطة الاحتلال على باب حطة،وانتهت الهبة بتراجع سلطات الاحتلال عن قرارها، واستشهاد نحو 15 فلسطينيا فيما أصيب المئات بجروح.
* عبدالحميد الهمشري – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني